انفجر الغضب بعد إعلان الحكم فى قضية محاكمة القرن التى حصل فيها مبارك والعادلى على المؤبد.. الغضب كان له مبرراته وأسبابه وعلى رأسها حصول ستة من مساعدى العادلى على البراءة، وهو غضب مشروع، إلا أن استخدامه وتوجيهه وتوظيفه للتأثير على المواطنين فى انتخابات الرئاسة مرفوض. الواضح أن «الإخوان المسلمين» تستخدم هذا الحلم وسيلة للتأثير على المواطنين وتوجيههم لصالح مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية، وهو سيناريو متكرر منذ قيام ثورة يناير التى ركبها الإخوان فى اليوم الرابع بعد نجاح الشباب فى كسر شوكة النظام المتمثلة فى جهاز الشرطة، وتلا ذلك غزوة الصناديق فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية التى ذهب فيها الثوار وكل القوى السياسية والوطنية إلى الدستور أولاً.. بينما ذهب الإخوان إلى الانتخابات أولاً، والمؤسف أنهم استخدموا الدين، وروجوا إلى وضع الدستور أولاً يهدف إلى تغيير هوية مصر الإسلامية وإلغاء المادة الثانية من الدستور على غير الحقيقة، ووصل الأمر إلى خلق حالة من الطائفية الدينية، وابتلع الغالبية العظمى الطعم، وجاء الاستفتاء بنسبة 77٪ لإجراء الانتخابات مقابل 23٪ طالبوا بوضع الدستور أولاً.. والآن ثبت للجميع أن إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور كان خطأ فادحاً يدفع الجميع ثمنه!! نفس الأمر تكرر قبل انتخابات البرلمان فى أحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود التى تم استخدام الثوار فيها وقوداً لتأجيج المظاهرات وشغل الجميع بها.. بينما ذهب الإخوان إلى العمل التنظيمى فى كل مكان على أرض مصر لحصد مقاعد البرلمان والاستحواذ على السلطة التشريعية بعد أن خدروا الثوار والقوى السياسية بالتصريحات والترشح على نسبة 30٪ فقط لمقاعد البرلمان والنفى القاطع للترشح على منصب رئاسة الجمهورية، وإذا بهم يكتسحون معظم مقاعد البرلمان لينقلبوا على كل تصريحاتهم ووعودهم عندما قرروا الاستحواذ على الجمعية التأسيسية للدستور، فى تناقض شديد لكل ما جاء بوثيقة التحالف الديمقراطى التى وقع عليها الدكتور محمد مرسى ضمن 42 حزباً وكتلة سياسية اجتمعت أكثر من مرة بحزب الوفد قبل الانتخابات التشريعية وصاغت هذه الوثيقة كمبادئ عامة لدستور مصر، ولم ينقذ مصر من هذا الغلو إلا حكم المحكمة الذى أوقف تغول الجماعة وقيامها بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور على مقاس الجماعة تمكنهم من احتكار مصر. الآن وبعد أن تكشفت النوايا الحقيقية أمام الشعب المصرى وأعلنت نتاج الانتخابات الرئاسية التى حصلت فيها الجماعة على 5.5 مليون صوت مقابل 11 مليوناً فى الانتخابات البرلمانية، والأهم من ذلك زيادة وعى المصريين ومواجهاتهم لبعض المتاجرين بالدين على المنابر وأمام اللجان الانتخابية تجد الجماعة نفسها فى مأزق، وتحاول أن تخرج منه من خلال استخدام الحكم الأخير فى سيناريو متكرر تستخدم فيه الثوار وأسر الشهداء وقوداً لإشعال مصر بدعوى أن هناك خطراً لعودة النظام السابق، مع أن الجميع يعى أن النظام الفاسد قد انتهى إلى الأبد وأن الحزب الوطنى ورموزه قد زالوا وانتهوا بحكم القضاء، وتفرق صغاره بين عشرات الأحزاب الجديدة.. والواضح أن إشعال مصر بهذا الشكل هدفه الحقيقى جذب وسائل الإعلام فى اتجاه آخر بعيداً عن الحدث الحقيقى لانتخابات الرئاسة، وحتى لا يكون لدى الإعلام وقت للبحث والتحليل وكشف سلبيات وإيجابيات كل مرشح وتاريخه ومرجعيته وغيرها من الأمور التى تساهم فى زيادة وعى الناخب المصرى وعدم تأثره باللعب على وتر الدين أو حتى ببعض السلع، وللأسف ابتلعت كل وسائل الإعلام الطعم، كما ابتلعه شباب الثورة أكثر من مرة، وذكرنا بالسيناريو الكامل للثورة الإيرانية التى فجرها الشباب وكانوا أول ضحاياتها وأعدم عدد كبير منهم وسُجِن آخرون والقلة المحظوظة تمكنت من الهرب والعيش فى المنفى حتى الآن.