هذا المطلب المؤسف الذي ينم عن قدر كبير من الجهالة وقصر النظر بل وغياب الحس الوطني وعدم القدرة علي تحمل المسئولية من قبل البعض الذين لا يدركون قيمة وأهمية هذا الجيش العظيم الذي حمي ومازال يحمي تراب هذا الوطن ويذود عن حدوده، وقيمة هذه المؤسسة الوطنية التي وصفها الرسول الكريم (خير أجناد الأرض) هي التي حمت الثورة وأمنتها ودافعت عنها منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير وحتي الآن. ولأنهم جيش الشعب (محترفون وليسوا مرتزقة) فإنهم لم يفعلوا ما فعله آخرون في ليبيا وسوريا ودول أخري عديدة.. ولأنهم أيضا لا يعملون بالسياسة بل ممنوعون من ممارستها بحكم القانون وانطلاقا من مهمتهم الوطنية التي تحتم عليهم الصدق والأمانة والاستقامة والحيادية أي عدم الانتماء لأي حزب أو فصيل أو تيار سياسي في المجتمع فقد وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم بعد الثورة حين بزغ علي الساحة السياسية أكثر من 041 ائتلافاً ثوريا إلي جانب العديد من الأحزاب السياسية القديمة والحديثة ذات توجهات ونظريات وأفكار مختلفة ومتباينة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسارفي مقدمتهم بالطبع التيارات الإسلامية من إخوان وسلفيين وجماعات إسلامية الكل يريد أن يسيطر ويتحكم ويفرض آراءه وأفكاره تحت أي مسميات علي الآخرين.. وحيث إن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تنظيما والأقوي تمويلا وانضباطا وبحكم ما لهم من علاقات مع النظام (الصندوق الأسود لعمر سليمان) فقد تمكنوا من إقناع أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة أنهم القادرون علي السيطرة علي الشارع وضبطه حتي تمر الأمور بهدوء وسلام وترسو سفينة الوطن علي بر الأمان.. وكانت للأسف الشديد (البداية الخاطئة) مع استفتاء 91مارس الشهير استفتاء (الجنة والنار) أو استفتاء طارق البشري (إخواني الفكر والتوجه) والذي يعد كما يؤكد العديد من الثوار والتيارات الليبرالية بداية لكل المشاكل التي يواجهها الوطن في الوقت الراهن، ذلك أنه وبعد الاستفتاء وما شهده من إقبال جماهيري هائل من جميع طوائف الشعب التي كانت عطشي لممارسة الديمقراطية والحرية التي حرمت منها علي مدي أكثر من 06عاما توجه المجتمع السياسي المصري بجميع طوائفه لبناء المرحلة الثانية من صرح الديمقراطية ألا وهي إقامة دستور حديث توافقي يمثل كافة أطياف الشعب المصري ولكن جماعة الإخوان المسلمين التي تدعي أنها تسيطر علي الشارع المصري ويتحدثون باسم الشعب أصروا علي إجراء الانتخابات البرلمانية أولا أي قبل الدستور ضاربين عرض الحائط بكل المفاهيم القانونية والقيم والأعراف الدستورية وبدأت معركة الدستور أولا أم الانتخابات.. ولأن مرحلة شهر العسل بينهم وبين المجلس العسكري كانت في بدايتها ولم يكن يرغب في حدوث صدام معهم لأنهم أوهموه بحجم قوتهم بل وهددوه أنه باستطاعتهم تحريك الشارع وإثارة الجماهير.. فقد تم لهم ما أرادوه أي إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الدستور أي قبل أن تتمكن الأحزاب والتيارات السياسية الأخري من أن تنظم نفسها أو ترتب أمورها استعدادا للمشاركة في الانتخابات وكان لهم ما أرادوا حيث حصلوا علي الأغلبية الساحقة فيها وأصبحوا يتحدثون باسم الشعب كما يرددون في كل مناسبة ومحفل.. حدث هذا بالطبع في ظل انشغال الأحزاب القوية والجديدة والقوي الليبرالية والثورية في حواراتهم الفكرية ومناقشاتهم المذهبية والتهكم والتهجم علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة بل والتطاول عليه في الكثير من الأحيان حتي أن البعض منهم أوقع نفسه تحت طائلة القانون إلي أن أيقنوا كما تؤكد قياداتهم الثورية والليبرالية خيانة الإخوان لهم بل وسرقة الثورة والركوب عليها والتحدث باسمها في كل مناسبة علما بأنهم أي الإخوان وكما يؤكد الثوار لم يشاركوا في الثورة إلا بعد 28يناير بعد أن تأكد لهم نجاحها بالفعل ولم يعد هناك أي مخاطر لفشلها وهكذا بات الإخوان يتحدثون تارة باسم الشعب وتارة الآن باسم الثوار حسب الطلب والمناسبة. والحقيقة أنهم يريدون الاستئثار والاستحواذ علي مقدرات هذه الأمة والسيطرة علي كافة مؤسساتها بهدف إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ولهذا فقد خدروا الناس والقيادات الحزبية والليبرالية وشباب الثورة وأوهموهم أنهم لا يرغبون في الدخول في انتخابات الرئاسة ولن يقدموا مرشحا عنهم ، وكاد الجميع أن يصدقوا المقولة ولكن لأنهم (يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون) فقد تأكد للجميع أن ما قالوه كان بعيدا عن الصدق والحقيقة بل وأقرب إلي الكذب والتضليل حيث قدموا مرشحين اثنين بدلا من مرشح واحد. كل هذه الممارسات الملتوية والسياسات غير الواضحة جعلتهم بالفعل يفقدون الكثير.. والكثير جدا من ثقة الناس، وعمقت الهوة بينهم وبين القوي السياسية الأخري وخاصة شباب الثورة الذين فقدوا الثقة فيهم تماما وهو ما اتضح جليا في قضية تشكيل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور والتي انتهت بصدور قانون المحكمة الإدارية العليا ببطلانها ومع ذلك وبرغم إعلانهم عدم الطعن علي قرار المحكمة إلا أنهم مازالوا يحاولون الالتفاف عليه وهو ما يزيد الأمر احتقانا بينهم وبين القوي السياسية الأخري ويفقدهم مزيدا من ثقة الجماهير وهو ما تأكد في مليونية 20أبريل في ميدان التحرير عندما رفعت الأحذية في وجه القيادي الإخواني د.محمد البلتاجي أثناء قيامه بإلقاء كلمته من فوق المنصة.. وهو ما يذكرنا بالواقعة الشهيرة التي حدثت في بغداد عندما قام أحد الصحفيين العراقيين في المؤتمر الصحفي للرئيس بوش بقذفه بحذائه تعبيرا عن مشاعره ومشاعر الشعب العراقي تجاه السياسات والتصرفات الأمريكية المجحفة ضد العراق وشعبه غير أن المؤسف والمخجل أنه عندما سئل د.البلتاجي عن أسباب هذا الموقف وقيام آخرين بقذف أتوبيسات الإخوان القادمة من المحافظات بالطوب.. قال إن هؤلاء ليسوا ثوارا ولكنهم فلول وعملاء النظام البائد.. وهنا أود أن أؤكد للدكتور البلتاجي وهو من التيارات الإخوانية المتزنة أن مثل هذه الأقاويل والشعارات لم تعد تصلح ولا تنطلي علي أحد وأنه لابد من الصراحة والصدق والشفافية لكسب ثقة الآخرين حتي تمضي سفينة الوطن إلي الأمام.. الناس لم تعد تريد أن تسمع أقوالا وإنما تريد أن تري أفعالا صادقة علي أرض الواقع وليعلم الإخوان جميعا أن الناس أصبحت أكثر وعيا ومعرفة بمجريات الأمور.. كما أنها أصبحت أكثر حرصا علي بناء مستقبل أفضل من خلال دستور توافقي يمثل فيه كل أطياف المجتمع. والحقيقة أنني لا أهاجم الإخوان المسلمين ولكني أحذرهم وأحذر جميع التيارات السياسية الأخري وكل أبناء الوطن من الظروف الصعبة التي يمكن أن تتعرض لها البلاد خلال الأسابيع القادمة وخاصة بعد إعلان رئيس المجلس العسكري أنه لابد من إعداد الدستور أولا أي قبل انتخابات الرئاسة وتأكيده مرة أخري أنه سيسلم الحكم في نهاية شهر يونيه القادم هذا بالإضافة إلي إصرار التيارات السياسية علي تسليم السلطة في ذات التاريخ وهنا يطفو السؤال إلي من ستسلم السلطة؟ وحيث إن السياسة هي فن الممكن وحتي لا تنزلق البلاد إلي فراغ دستوري يؤدي إلي حدوث فوضي وانفلات أمني فإنه ينبغي علي الإخوان وجميع التيارات السياسية أن يكونوا علي مستوي المسئولية الوطنية وأن يؤثروا المصلحة الوطنية العليا علي المصالح الحزبية الضيقة وأن يسرعوا بأمانة وإخلاص إلي وضع الدستور حتي ولو تأجلت الانتخابات الرئاسية شهرين أو ثلاثة وحتي لا نكرر مرة أخري الخطأ الذي سبق أن وقعنا فيه (الدستور أولا أم البرلمان) والذي أوصلنا إلي هذا الحال من التضارب وعدم الاستقرار والاحتقان السياسي.