شبح أزمة البنزين والسولار يطارد البيوت المصرية مرة أخرى بعد ما تحولت محطات البنزين إلى ساحة معارك وفاقت طوابير العيش، وفى الوقت الذى خرجت الجهات المسئولة عن صمتها لتعلن عن شعلة حريق جديدة وهى إلغاء دعم الطاقة الذى حولته حكومة نظيف الموجودة معظمها فى «طرة لاند» إلى طريقة مبتكرة لدعم الأغنياء وقهر الفقراء.. والمشهد الحالى أكبر دليل على ذلك.. ومازال المواطن المصرى يدفع الثمن من قوته اليومى، وأصبحت أزمة الطاقة من أولى القنابل الموقوتة التى تنتظر الرئيس القادم. زادت حدة أزمة البنزين والسولار وحالة من الشلل أصابت المرور بسبب طوابير البنزين وتحول المشهد إلى ساحة معارك فى جميع المحافظات فى الوقت الذى أثارت فيه تصريحات مجلس الشعب والحكومة عن إلغاء دعم الطاقة وزيادة أسعار البنزين وتطبيق نظام كوبونات البنزين، وذلك مع بداية العام المالى الجديد، بحيث يتم إلغاء بنزين 08 وزيادة أسعار بنزين 09 من 571قرشا إلى 52,2 جنيه وبنزين 29 سوف يزداد من 581 قرشا إلى 05,2 جنيه وتوزيع كوبونات البنزين على المواطنين وهى عبارة عن تحديد كمية من البنزين تعطى لكل سيارة ملاكى بنظام كوبونات تكون مدعمة بالأسعار الحالية من الهيئة العامة للبترول، بحيث يتم تحديد حوالى 0051 لتر من البنزين لكل سيارة ملاكى، وسوف تتم محاسبة أصحاب السيارات التى تستهلك كميات إضافية من البنزين بالأسعار الجديدة، ومن هنا سوف تزيد أعباء المواطن المصرى لأن فى هذه الحالة سوف يتم زيادة أسعار جميع المواصلات ما يؤثر بالسلب على جميع نواحى الحياة، فعلى سبيل المثال سوف تزداد أسعار السلع الغذائية لأن فى هذه الحالة ترتفع أسعار نقلها وذلك سوف يتم تطبيقه على جميع السلع.. ومن هنا أصبحت قضية الدعم معقدة للغاية وفى غاية الخطورة، خاصة أنه أثبتت الدراسات الصادرة عن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن الدعم فى مصر وصل إلى 331 مليار جنيه يصل نصيب الفقراء منه إلى نحو لا يتجاوز عن 6٪ حيث تستحوذ الطاقة على حوالى 59 مليار جنيه ونحو 09 ٪من هذا الدعم يذهب للمصانع والقطاع السياحى الذى يمثل ذراع الأمان للاقتصاد المصرى فى الوقت الذى يعانى الاقتصاد من العديد من الأزمات فى ظل الظروف الراهنة، فإلغاء دعم الطاقة عن القطاع السياحى يمثل قتلا عن عمد للسياحة المصرية وهى تعتبر صناعة كثيفة العمالة حيث يعمل بها حوالى 2 مليون شخص بشكل مباشر و3 ملايين آخرون يعملون فى الصناعات المكملة للسياحة، ورفع دعم السولار يعنى رفع دعم أسعار السياحة المصرية التى تواجه العديد من التحديات والمنافسة الشرسة من الدول المجاورة، مما يهدد فرص العمل للشباب المصرى.
∎ محاولة خروج
ومن هنا فإن استمرار دعم السولار يعنى دعم واستمرار خلق فرص جديدة للشباب.. وفى نفس السياق طالب «نضال القاسم» مساعد وزير البنك المركزى المصرى بإعادة هيكلة الدعم وخاصة دعم الطاقة الذى يصل إلى 001 مليار جنيه سنويا وفى الموازنة العامة خلال العام المقبل سوف يصل إلى ما 041 إلى 741 مليار جنيه، وبالرغم من تفاقم الأزمة إلا أنه مازالت الوزارة تؤيد أنه لا يوجد أزمة من خلال تصريحات المهندس عبد الله غراب وزير البترول أنه لا توجد أزمة بنزين فى مصر مدللا تصريحاته بأن هناك 501 آلاف طن بنزين وصلت مصر سوف يتم توزيعها خلال الفترة المقبلة، وفى هذا الإطار أوضحت دراسة أعدها الدكتور عمرو عدلى مدير قسم العدالة الاقتصادية بمركز المبادرة المصرية عن أن دعم الطاقة يمثل ظلما اجتماعياً كبيراً، ولهذا جاءت الدراسة تحت عنوان «دعم الطاقة فى الموازنة المصرية نموذجا للظلم الاجتماعى» تؤكد أن برامج الدعم الحكومى دليل فج على استمرار انحياز الدولة ضد الفقراء.
وأكدت الدراسة أن «دعم الطاقة فى الموازنة العامة جاء ليلتهم 91٪ من إجمالى الإنفاق العام لا يمس غالبية المصريين ممن يستحقون الدعم»، فعلاوة على كونه لا يتمتع بأى قدر من الرشادة الاقتصادية كونه يزيد من معدلات الاستهلاك غير الفعالة فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وفى قطاعات كالنقل فإنه لا يخدم أى غرض اجتماعى حقيقى لرفع مستويات المعيشة للفقراء الذين باتوا يمثلون نحو نصف سكان البلاد، ويكفى أن نعلم أن الربع تقريبا من قيمة الطاقة المدعومة تذهب لقطاع الصناعة، وخاصة للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالأسمنت والأسمدة والحديد والصلب والألومنيوم والزجاج والسيراميك.
فطبقا لتقديرات هيئة التنمية الصناعية فى 7002 يستهلك أربعون مصنعا فقط ما قيمته 56٪ من البترول المدعوم لصالح قطاع الصناعة. ومن ضمن المستفيدين إما أركان النظام السابق كأحمد عز، وإما شركات متعددة الجنسيات كحال لافراج الفرنسية وهولكيم السويسرية عملاقى الأسمنت اللذين يحوزان على ما يقرب من ثلث الإنتاج وما يقرب من 08٪ من الصادرات.
وأكدت الدراسة أن سياسات دعم الطاقة ما هى إلا سياسات فاشلة تبناها فريق عمل أحمد نظيف للاعتماد على توفير أسعار طاقة رخيصة، بالمقارنة بالسعر العالمى من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات، وهو أمر تم بالفعل ولكن بتكلفة كبيرة ومضنية للاقتصاد، حيث أن هذه السياسة ببساطة غير قابلة للاستمرار بحكم محدودية احتياطيات مصر من الطاقة، وغير مجدية لما تتسبب فيه من تلويث للبيئة وزيادة فى تكاليف الصحة العامة، ولا تغير من فرص مصر التنافسية فى الاقتصاد العالمى، والتى ينبغى لها أن تكون قائمة على الموارد البشرية وليس رخص الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ، وسريعا. فنجد أن دعم الطاقة فى السنوات الست الأخيرة قد بلغ حوالى أربعة أضعاف الإنفاق على الصحة فى الموازنة العامة للدولة وضعفى الإنفاق على التعليم، وهو ما يثبت غياب أى إستراتيجية تنموية لهذا البلد.
وذهبت تقديرات البنك الدولى إلى أن إلغاء كافة صور دعم الطاقة فى مصر سيزيد من فرص حدوث الفقر بمقدار لا يتعدى 4,1٪، وهو ما يعنى ببساطة أن المستفيدين من دعم الطاقة هم إما أصحاب الصناعات الكبيرة كثيفة رأس المال وكثيفة استهلاك الطاقة، وإما من الطبقات المتوسطة والعليا، بينما لا يستفيد الفقراء كثيرا من الدعم هذا نظرا لضعف استهلاكهم للطاقة فهم لا يملكون سيارات ولا شقق كبيرة ولا أجهزة تكييف.
وهل يستطيع أى من المرشحين «شفيق ومرسى» تطبيق إلغاء الدعم فور توليه الرئاسة.
وهنا تجيب الدراسة بأن الوقت قد يكون مناسبا للبدء فى تخفيض دعم الطاقة بالبدء بالصناعات ومن ثم توفير ربع قيمة هذا الدعم دفعة واحدة، والعمل بالتدريج على إلغاء باقى دعم الطاقة بصورته الحالية وتحويل جزء من الأموال لبرامج دعم أكثر توجيها لصالح الفقراء سواء فى المناطق الحضرية المهمشة أو فى الريف أو لصالح فئات عمرية كالأطفال أو للنساء الفقيرات، وقد ثبت من تجارب بلاد كثيرة كإندونيسيا وإيران أن اقتران إزالة دعم الطاقة بإيجاد برامج تستهدف الفقراء مباشرة يخفف من الضغط السياسى على الحكومة من جانب المستفيدين غير المستحقين عادة للدعم، ويخلق شرائح اجتماعية واسعة من المستحقين للدعم من الفقراء قادرة على توفير التأييد السياسى لإعادة رسم سياسات الدعم ضمن سياسات اقتصادية أخرى لتكون أكثر عدالة وإنصافا.
∎ المأزق!
ومن هنا أكد الخبير البترولى الدكتور إبراهيم زهران أن سياسة الدعم فى مصر بمثابة مأزق حقيقى منذ تطبيق نظام الدعم منذ الستينيات ومع تعاقب الحكومات إلا أننا قد عجزنا عن تطبيق سياسة الدعم بطرق صالحة ومشروعة لجميع المواطنين ولكن ما حدث طوال السنوات الماضية هو مجرد تكوين لكيانات ومافيا الاحتكار، وخلق السوق السوداء لمجرد تحقيق المصالح الشخصية ولو على حساب المواطن البسيط، ومن هنا فقد أصبح الدعم لا يذهب لمستحقيه وعلى الرغم من أن 09 ٪ من أموال الدعم تذهب للطاقة إلا أنه يذهب إلى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل مصانع الحديد والأسمنت والأسمدة وغيرها، حيث يبلغ نصيب 04 مصنعاً بقطاعات الأسمنت وحديد التسليح والأسمدة والألومنيوم والبتروكيماويات ب57 ٪ من الغاز الطبيعى المدعوم للقطاع الصناعى، وب56٪ من الكهرباء، وبمتوسط إجمالى 56٪ من الطاقة المدعومة والتى يستهلكها القطاع الصناعى، ومن ثم تتحمل خزانة الدولة هذا الدعم الذى يتحول إلى أرباح لهذه الصناعات، مشيرا إلى أن المبالغ المخصصة لدعم الطاقة فى موازنة 1102 /2102 تساوى حوالى 13,6٪ من الناتج المحلى الإجمالى و72,91٪ من الإنفاق العام، وتساوى 281٪ من الإنفاق على التعليم، و704٪ من الإنفاق على الصحة ومن هنا نجد أن دعم الطاقة للسلع الثانوية تجاوز الدعم المتجه للتعليم والصحة، لذلك لابد من إعادة دراسة الدعم والتركيز على «إلى أين يذهب الدعم؟» لأن الاقتراب من أسعار البنزين والسولار يعنى زيادة الأعباء على المواطن الذى يجد صعوبة فى توفير الحد الأدنى لضروريات الحياة مما يترتب على زيادة أسعار البنزين والسولار زيادة فى جميع نواحى الحياة، فعلى سبيل المثال جميع الأنشطة والأعمال المرتبطة بالبنزين والسولار سوف تقلل ساعات عملها مما يؤثر بالسلب على جميع الأنشطة المكملة لمجالات الحياة.
وأضاف د.زهران أن إلغاء الدعم للمنتجات البترولية والغاز الطبيعى من شأنه أن يؤثر على الفقراء بشكل محدود يقل عن 1٪، وهو ما يدل على أن دعم الطاقة لا يستهدف الفئات الأشد فقرا، وذلك لأن المستفيدين من دعم الطاقة عادة ما يكونون من الشرائح الأعلى اقتصاديا، باعتبار أن استهلاك الفقراء من الطاقة منخفض فى الأصل نظرا لانخفاض دخلهم.
∎ الأزمة!!
ومن ناحيتها تحذرالدكتورة أمنية حلمى الخبيرة الاقتصادية بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية من تطبيق أية آلية لخفض أسعار البنزين والسولار بدون طرحها للنقاش المجتمعى حتى لا يحدث ارتفاع مفاجئ للأسعار، منوهة إلى أن الحكومة قامت منذ عدة سنوات بتطبيق خطة لخفض دعم الطاقة عن المصانع وهذه الخطة ناجحة حتى الآن، لكن المقلق هو خفض الدعم عن منتجات البترول الأساسية للمواطن، وشددت الدكتورة أمنية على أن المشروعات السياحية يجب أن تبقى بعيدة عن خطة خفض الدعم، منوهة إلى أن خفض دعم السولار الموجه إلى المشروعات السياحية فى الوقت الحالى سيمثل ضربة قاضية لهذه المشروعات التى تعانى من الأوضاع الحالية بالبلاد، وإذا كان لابد من إلغاء الدعم عن الطاقة فمن الأفضل إلغاء الدعم عن المصانع التى تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
وأكدت الدكتورة أمنية حلمى أن هذه الأزمة متواصلة فى ظل البرامج الاقتصادية غير الواضحة للمرشحين، والتى تعتمد على أفكار مهلهلة من الصعب تطبيقها فى الواقع الفعلى.