دفعت أزمة التمويل الدولية التى تعرضت لها الحكومة المصرية مؤخرا إلى محاولة توفير موارد ذاتية داخلية لتمويل عجز الموازنة، ولسد الاحتياجات التمويلية والالتزامات الحكومية المختلفة. وبحثت حكومة الجنزورى عن بدائل التمويل وتم طرح عدة اقتراحات كان منها بيع قطع أراض مملوكة للدولة للمصريين بالخارج بالدولار لتوفير العملة الصعبة، وكان هناك اقتراح آخر بفرض ضريبة أرباح على البورصة، ولكن فجأة أعلنت الحكومة تأجيلها مشروع طرح أراض للمغتربين فى الوقت الحالى، كما سارعت بضغوط من رجال الأعمال والمستثمرين إلى نفى وجود أى نية لفرض ضرائب على البورصة وعللت ذلك بالخوف من هروب المستثمرين الأجانب فى البورصة على الرغم من أن معظم البورصات العالمية تفرض هذه الضريبة بنسب متفاوتة. وكان البديل لذلك هو التفكير فى تقليص الدعم، ليخرج وزير التموين د. جودة عبد الخالق بتصريحات يومية حول إهدار المبالغ المخصصة للدعم وفساد منظومة الدعم وإعادة هيكلته، فى إشارات واضحة إلى نية الحكومة لتقليص الدعم ليدفع الفقراء فاتورة فشل السياسات الاقتصادية للحكومة كالعادة. هذا فى الوقت الذى أكد فيه مصدر بهيئة البترول ل«الفجر» أن مخصصات دعم الطاقة فى مشروع موازنة العام المالى المقبل 2012/2013 ارتفعت من 95 مليار جنيه فى موازنة العام الحالى لتصل إلى 120 مليار جنيه، وذلك بالرغم من إعلان الحكومة عن بدء خطتها لخفض دعم الطاقة المقدم للصناعات كثيفة الاستهلاك بشكل تدريجى. ويوضح د. عمرو حمودة خبير البترول والطاقة أن الموازنة العامة للعام المالى 2011 /2012، تمثل امتداداً واضحاً لسياسات حكومة الحزب الوطنى التى كانت دائما تحابى الأغنياء على حساب الفقراء، فالدعم الذى دائما ما تشتكى الحكومة أنه يثقل كاهل الموازنة ويلتهم جزءاً كبيراً من الإيرادات، يذهب معظمه لدعم الطاقة لتستفيد منه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالأسمنت والحديد والألومنيوم والأسمدة والزجاج، حيث يبلغ نصيب 40 مصنعاً بقطاعات الأسمنت وحديد التسليح والأسمدة والألومنيوم والبتروكيماويات ب75 % من الغاز الطبيعى المدعوم للقطاع الصناعى، وب65 % من الكهرباء، وبمتوسط إجمالى 65 % من الطاقة المدعومة والتى يستهلكها القطاع الصناعى، ومن ثم تتحمل خزانة الدولة هذا الدعم الذى يتحول إلى أرباح لهذه الصناعات، مشيرا إلى أن المبالغ المخصصة لدعم الطاقة فى موازنة 2011 /2012 تساوى حوالى 6.31 % من الناتج المحلى الإجمالى و19.27 % من الإنفاق العام، وتساوى 182% من الإنفاق على التعليم، و407 % من الإنفاق على الصحة. وأوضح أن تخبط السياسات الحكومية دائما يدفع ثمنه الفقراء، فعندما أعلنت الحكومة عن طلبها قرضاً من صندوق النقد الدولى، انطلقت شائعات حول طلب الصندوق رفع الدعم عن الطاقة لقبول إقراض مصر، وهو ما خلق أزمة البنزين والبوتاجاز فى هذا الحين، على الرغم من أن الصندوق لم يضع أى شروط على الإقراض وإنما وضعت الحكومة المصرية خطة إصلاح اقتصادى للصندوق كان من ضمنها تقليص دعم الطاقة للصناعات كثيفة الاستهلاك وليس الطاقة المخصصة لاستهلاك المواطنين، ليدفع الفقراء ثمن عدم الوضوح ونقص الشفافية التى أدت إلى خلق أزمات غير مبررة من ناحية ورفعت سعر لتر البنزين والسولار إلى أكثر من الضعف وهو ما أثر بدوره على جميع السلع والمنتجات التى تستخدم وسائل النقل بين المحافظات، ويدفع المستهلكون أيضا ثمن الطاقة التى تستهلكها المصانع والتى ستقوم بتحميل تكلفتها على سعر المنتج النهائى فى ظل غياب دور الدولة فى الحفاظ على الأسعار أو تحديد هوامش ربح عادلة للمصانع فى ضوء التكلفة الفعلية للسلع. ودعا حمودة إلى سرعة رفع أسعار الغاز للمصانع، خاصة فى مجالات إنتاج الحديد والأسمنت والأسمدة، والتى تستهلك كميات كبيرة من الغاز وتعمل على تصدير إنتاجها للخارج، مشيرا إلى إمكانية زيادة الأسعار تدريجيا لتصل إلى السعر العالمى بما يساهم فى تخفيف عبء دعم الطاقة، وأكد ضرورة رفع أسعار البنزين 92 و95 مع الحفاظ على ثبات أسعار البنزين 80 و90 للحفاظ على مستويات أسعار النقل. ويقدر البنك الدولى أن إلغاء الدعم للمنتجات البترولية والغاز الطبيعى من شأنه أن يؤثر على الفقراء بشكل محدود يقل من 1%، وهو ما يدل على أن دعم الطاقة لا يستهدف الفئات الأشد فقرا، وذلك لأن المستفيدين من دعم الطاقة عادة ما يكونون من الشرائح الأعلى اقتصاديا، باعتبار أن استهلاك الفقراء من الطاقة منخفضا فى الأصل نظرا لانخفاض دخلهم. وأوضحت دراسة حول سياسات دعم الطاقة فى مصر، بعنوان «دعم الطاقة فى الموازنة المصرية نموذجا للظلم الاجتماعى»، أن دعم الطاقة الذى خرج فى موازنة المجلس العسكرى ليلتهم 19٪ من إجمالى الإنفاق العام لا يصل غالبية المصريين ممن يستحقون الدعم، وأكدت أنه يتعين على مجلس الشعب أن يعيد تقييم برنامج دعم الطاقة بالكامل، مستهدفا العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية إلى جانب تخفيض العجز فى الموازنة وتدارك أزمة مالية الدولة العامة، وذلك بتقديم خفض جدى وسريع للدعم المقدم للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتى تستحوذ على ما يقرب من 20٪ من إجمالى الدعم، ومن ثم فإن إلغاء الدعم الموجه لها من شأنه أن يوفر على الدولة حوالى عشرين مليار جنيه، مع اتخاذ تدابير سريعة لاحتواء أثر هذه الزيادة حتى لا تقوم الشركات الكبرى بنقل التكلفة إلى المستهلك برفع الأسعار. السنة الخامسة - العدد 345 - الاثنين - 12/ 03 /2012