بالتأكيد.. نحن نعيش الآن لحظة تاريخية فارقة وفاصلة فى تاريخ مصر الحديث.. بالطبع نحن نعيش لحظة لم نعشها من قبل.. ولم تمر علينا طوال الستين عاما الماضية وهى عمر ثورة يوليو المجيدة. نحن نعيش أول تجربة ديمقراطية حقيقية يختار فيها الشعب بكامل حريته وإرادته رئيسه من بين 13 مرشحا حقيقيا للرئاسة، ولأول مرة نشعر أننا فعلا نملك أصواتنا.. ونملك حق تقرير مصيرنا.. فمنذ 60 عاما فرض علينا من يحكمنا سواء طواعية أوكرها.. ولذا لم يكن لدينا يوما حق الاختيار.. أو بالأحرى فرصة الاختيار، فلم يكن هناك ثان لمن نختاره.. عبدالناصر لم يكن لدينا غيره.. ولم نكن نرى سواه.. وعندما مات عبدالناصر تولى السادات نائبه الأول الحكم باختيارنا طواعية حتى ولو كنا رافضين داخلنا.. وعندما دخل فى صراع على السلطة مع مراكز القوى أطاح بهم وانفرد بالحكم.. وتحول إلى ديكتاتور مثله مثل الذى قبله حتى ولو كان بموافقتنا.. وبعد أن حدد هو فى دستور 71 مدة الرئاسة بمدتين.. قام بنفسه بتعديلها إلى مدد أخرى، وعندما اغتيل.. تمت عملية الانتقال السلمى للسلطة إلى نائبه محمد حسنى مبارك. ومبارك نفسه أعلن عند توليه أن مدتين كفاية قوى على الرئيس.. «ويامين يعيش»، وعاش مبارك 30 عاما فى الحكم.. وتحولت المدتان إلى مدد أخرى عن طريق الاستفتاء اللعين.. الذى يحدد لك رئيسا واحدا فرض عليك إما كرها وإما طواعية.. وعندما قرر مبارك أن يكون الرئيس بالانتخاب وليس بالاستفتاء بتعديل المادة 76 كان ذلك ليس حبا فى الشعب ولا حبا فى الديمقراطية وانحيازا لها.. ولكن لتكريس السلطة عن طريق ابنه جمال وعن طريق التحكم فى حزب الأغلبية ولجنة السياسات ليفرض علينا وريثا لكن بالانتخاب، لكن هيهات.. الشعب لم يمهله وقام بثورة شعبية عظمى باركها الجيش وساندها ووقف إلى جانبها.. وأطاح بنظام مبارك إلى الأبد وأسقط التوريث والحزب ومؤسسات الدولة الفاسدة كلها فى آن واحد.. وها نحن بعد 15 شهراً نجنى أفضل ثمار هذه الثورة المجيدة التى رسخت وأكدت السلطة فى يد الشعب.. وأكدت حقه فى تقرير مصيره.. وحق الناس فى اختيار رئيسهم. ليس مهما إذن من يجئ.. ومن أى تيار يأتى.. لكن المهم أنه جاء بإرادة الشعب الحرة.. وبدون ضغط أو تزوير.. وأنه مثلما جاء بإرادة الشعب يمكن أيضا للشعب أن يعزله.. ويسقطه طالما لم يحقق لهم أمانيهم وأهدافهم التى اختاروه من أجلها.. وحقهم فى حياة حرة وكريمة. ليس المهم من يحكم.. ومن يكون الرئيس.. ولكن الأهم هو كيف يحكم هذا الرئيس.. طالما أن الشعب هو الذى يرسم له الطريق الذى يسير عليه ويضع له المبادئ والقوانين التى يحكم بها من خلال دستور يعبر عن أطياف المجتمع كله.. وليس فصيلا واحدا أو تيارا واحدا.. نحن قد تعلمنا الدرس.. إذا حاد هذا الرئيس عن الطريق المرسوم.. فالشعب قادر على أن ينحيه ويأتى بغيره.. وهذا هو الهدف الأسمى الذى وصلنا إليه عبر طريق صعب.. ودفعنا ثمنا أصعب وأغلى له.. الثمن دفعناه من حالة انفلات وفوضى ودفعناه من تراجع أمننا واستقرارنا واقتصادنا، ودفعناه أخيرا من دماء أبنائنا وأرواح شهدائنا الذين سقطوا من أجل إعلان حرية الشعب وديمقراطيته وكرامته. نحن فعلا أمام اللحظة التاريخية الفارقة فى حياتنا.. ونحمد الله أننا عشنا لنرى هذه اللحظة رأى العين.. ولذا يجب ألا نغضب من نتيجة اختيارنا.. لأننا أرسينا قواعد الديمقراطية.. الناس من حقها أن تنتخب من تراه يمثلها سواء إخوانيا أو سلفيا أو ليبراليا أو ثوريا أو يساريا أو يمينيا أو أى تيار يرضاه أو حتى انتخاب من أسموهم بفلول النظام السابق الذين من حقهم الترشح.. لانريد أن نكون أوصياء على الناس ولنترك الحكم والاختيار للشعب وهذه هى الديمقراطية التى قامت من أجلها الثورة.. أن يحكم الشعب نفسه بنفسه. أخيرا.. بقيت نقطتان نحذر منهما: الأولى أننا يجب ونحن نختار الرئيس - ألا ننخدع فى أى كلام براق عن الحكم باسم الدين وباسم الشريعة.. وعلينا أن نتعلم من أخطاء الماضى القريب فى انتخابات الشعب والشورى.. والتى جاءت بأغلبية خانها التوفيق فى الكثير من الممارسات البرلمانية طوال الأربعة أشهر الماضية.. يجب علينا أن نعى الدرس بشدة.. وألا ننخدع وننساق وراء الذين يحاولون التغرير بنا باسم الدين وتطبيق شرع الله.. لأنه ليس هناك من أعطاهم سلطة أو ولاية أن يكونوا هم الذين يمثلون شرع الله. النقطة الثانية أننا أيضا كناخبين يجب أن نتعلم أيضا درس الماضى الأبعد.. وهو أن يكون الرئيس الذى يحكم تدين له الأغلبية البرلمانية أو يدين لها.. فإذا تم انتخاب رئيس بمثل هذه الأغلبية فإننا بذلك سوف نعيد إنتاج نظام مبارك وحزبه وبرلمانه.. وما كان لمبارك أن يطغى ويعدل الدستور ويفرض سطوته إلا من خلال سيطرته على الحزب والأغلبية البرلمانية.. وهو ما يمكن أن يتكرر مع الرئيس الذى يجئ من تيار الإسلام السياسى.. والذى ستكون له أغلبية برلمانية مؤكدة.. ويمكن من خلالها أن يتم سلق وطبخ القوانين والدساتير.. ووقتها ستكون الثورة قد ماتت بحق. نعم علينا أن نختار.. وندرك أن مصير الوطن أمانة بين أيدينا.. نعم صوتك أمانة.. فأحسن الاختيار. الرئيس بلا دستور سواء جاءت انتخابات الرئاسة غدا وبعد غد بالرئيس أو انتظرنا الإعادة فالنتيجة فى الحالتين أن الرئيس القادم سيأتى بلا صلاحيات سوى تلك المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى الصادر فى30 مارس.. وهى صلاحيات منقوصة، بالإضافة إلى أنها لم تتطرق إلى الفصل بين السلطات الثلاث.. التنفيذية بما فيها الحكومة والرئيس.. والتشريعية بمجلسى الشعب والشورى.. وأخيرا السلطة القضائية.. وهذا أدى بالطبع إلى تراشق وتضارب السلطات فى الفترة الأخيرة، خاصة بعد انتخاب البرلمان الذى حاول أن يستعرض عضلاته ويفرض قوته عن طريق سحب الثقة من الحكومة أو التدخل فى تشكيل واختصاصات المحكمة الدستورية وأخيرا التشكيك فى مرجعية الأزهر. والحقيقة أننا جميعا ندفع ثمن تعنت الإخوان وسعارهم على السلطة والحكم بعد25يناير وبعد أن دانت لهم الأغلبية والقوة فى الشارع ولذلك رفضوا فى إصرار شديد أن يوضع الدستور قبل انتخابات البرلمان.. وأجهضوا كل الوثائق الدستورية والمبادئ فوق الدستورية فى إرهاب فكرى وسياسى.. حتى يتسنى لهم الانفراد بوضع الدستور على مزاجهم ووفق هواهم الشخصى.. ها نحن ندفع الثمن من انقسامات وانشقاقات بسبب عدم وجود دستور.. ودخلنا نفقا مظلما قسم المجتمع.. نحن الآن وعلى مدى أكثر من شهرين لم تخرج الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إلى النور.. وفى الوقت نفسه يتحايل البرلمان لتمرير قانون بمعايير التأسيسية حتى لا يتم الطعن عليه من قبل القضاء الإدارى.. هناك إصرار من خلال التشكيل المقترح من البرلمان بأن يتضمن التشكيل الجديد 20٪ من أعضاء البرلمان مع أن حكم القضاء الإدارى فى هذا الشأن واضح وصريح بأن يختار البرلمان من غير أعضائه أعضاء الجمعية التأسيسية ومحاولاته أن يتم ذلك من خلال قانون محاولة للالتفاف على حكم المحكمة.. ولذلك فنحن نسير فى حلقة مفرغة من الفراغ الدستورى حتى يتم انتخاب الرئيس ووضع الدستور.. ولذا كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتدخل ويصحح الأوضاع ويصدر إعلانا دستوريا مكملا حتى يمكن أن يحكم الرئيس بصلاحيات واضحة.. وكانت ملامح هذا الإعلان أن من حق البرلمان سحب الثقة من الحكومة، ومن حق الرئيس أن يحل البرلمان، كذلك يفصل الإعلان الدستورى المكمل بين السلطات الثلاث.
ورغم التلويح بأن هذا الإعلان كان سيصدر صباح أمس الاثنين إلا أنه لم يصدر نتيجة خلافات بين القوى السياسية حول بعض بنود هذا الإعلان، بالإضافة إلى رفض الحرية والعدالة لهذا الإعلان الدستورى من أساسه، ولذا تأجل اجتماع القوى السياسية صباح أمس الاثنين، وبالتالى تأجل إصدار الإعلان الدستورى.. والحقيقة أن المجلس الأعلى يجب أن يصدر هذا الإعلان لأنه حق أصيل له ومن صلاحياته الأساسية طالما أن الرئيس لم ينتخب.. والدستور لم يكتب..
يجب ألا يخضع المجلس العسكرى لتهديد أو رفض أى التيارات لهذا الإعلان الدستورى لأننا فى مأزق حقيقى.. والمجلس أمهل القوى السياسية الوقت الكافى لإخراج الدستور.. ولكن اتفقوا على ألا يتفقوا. ويبدو أننا سنعيش فى هذا الفراغ الدستورى طويلا.