ساعات قليلة تفصلنا عن اللحظة التاريخية الحاسمة لاختيار رئيس مصر. خبراء السياسة والرأى العام حاولوا كثيرا خلال الأسابيع الماضية، أن يعرفوا إلى أين تسير «بوصلة» المصريين لاختيار رئيسهم. حاولوا بقدر إمكانيات سنة أولى انتخابات رئاسية، لكن أحدا لم يستطع أن يفسر لماذا لم يتفق أفراد الأسرة الواحدة على مرشح بعينه. مادام حلم الشاب أحمد حلمى - 27 عاما - باليوم الذى يرى فيه مناظرات حقيقية تجرى فى مصر بين مرشحى الرئاسة، كما يحدث فى البلاد المتقدمة، هو الآن سعيد بأنه يرى هذا الحلم وهو يتحقق، ويتابعه على شاشات الفضائيات المصرية. «سأختار حمدين صباحى» رئيسا لمصر، قالها بحماس، معللا: لأنه ليس عسكريا كحسنى مبارك، ولا إسلاميا كأغلب نواب البرلمان الذين خذلونا، وهو أيضا نظيف اليد، ولم يستطع أحد أن يذكر له أى مشاركة مع النظام السابق، فى كل طرق الفساد التى لم تسلم منها أغلب الشخصيات العامة فى مصر.
وعلى الطرف الآخر تجلس والدة أحمد تتابع كل لقطات التليفزيون التى يظهر فيها مرشحها، أحمد شفيق، متنقلة من فضائية لأخرى، ولا ترهق نفسها بمتابعة المنافسين له، فقد حددت هدفها، منذ أعلن شفيق ترشحه للرئاسة منذ شهور طويلة، رأته فيها عن قرب فى إحدى جلسات نادى الروتارى التى تشارك فيها.
وبنفس الحماس تدافع (جميلة) عن اختيارها قائلة: الفريق شفيق حازم ومتواضع فى نفس الوقت، ومصر تحتاج إلى خبير فى إدارة شئون البلاد، وصاحب خلفية عسكرية يمكنه بها أن يعيد لنا الأمن المفقود، وبابتسامة تقول: «والحقيقة كمان أصله يشبه والدى الله يرحمه». أما المهندس حلمى والد أحمد فيدافع عن اختياره لعمرو موسى، بأنه رجل دولة كان وزيرا للخارجية، ورئيسا لجامعة الدول العربية، وهو أكثر المرشحين امتلاكا لعلاقات قوية بكل دول العالم، ستمكنه من القفز بمصر اقتصاديا وثقافيا.
وتساءل: لماذا أغامر بوجوه جديدة قد تذهب بالبلاد إلى وضع أسوأ مما نحن فيه، فرئاسة الدول لا تحتاج فقط إلى نظيفى اليد، ولا إلى أصحاب الخلفية العسكرية دون أن يمتلكوا خبرة دولية، ولا يعيب عمرو موسى أنه عمل مع حكومات حسنى مبارك، لأننا جميعا عملنا بشكل أو بآخر مع النظام السابق.
ويرى المهندس حلمى أن الأهم من اختيار الرئيس أو أى رئيس، أن نفكر من الآن فى الكيفية التى يمكننا أن نشارك فيها الرئيس فى اتخاذ القرارات حتى لا نكرر عهد الديكتاتورية، مؤكدا أن هذا لن يحدث إلا باستعادة قوة النقابات المهنية والعمالية، وأجهزة الرقابة والإعلام.
مفاجأة جولة الإعادة
هنا يعلق الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق قائلا: أسرتى أسرة مدنية، وسننتخب جميعنا رئيسا مدنيا، لكن أسرة المهندس حلمى لا تختلف عن أغلب الأسر المصرية، فرأى الأبناء مختلف عن رأى الآباء فدائما ما يريد الأبناء إثبات أنهم أصحاب رؤية جديدة، تناسب زمانهم ومستقبلهم. ويتوقع عصفور أن يستمر الاختلاف الحاد بين أفراد الأسرة الواحدة حتى إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات بعدها سيتحول الاختلاف إلى اتفاق واتحاد داخل الأسرة لاختيار الرئيس الأفضل من بين اثنين من المتنافسين خلال جولة الإعادة، التى ستكون حاسمة وتحتم على الجميع اختيار الأفضل.
وينتقد عصفور الدور الذى يلعبه الإعلام فى التأثير على اختيار أفراد الأسرة لاختيار المرشح للرئاسة موضحا أن بعض وسائل الإعلام لا تقوم بدورها فى تقديم المعلومات التى تمكن الناخب من الاختيار على بينة، والكثير منها يفتقد الحيادية والأمانة والنزاهة فى إظهارها للمرشحين، واصفا هذه الوسائل بالإعلام النازى الذى يسوق بضاعة غير مفيدة بكل الحيل والتحايلات ولا يقدم الحقيقة، كما فى الإعلام الدينى سلفيا كان أو إخوانيا، فهو إعلام منحاز، يفرض على المشاهد رأياً بعينه، بالادعاءات والأكاذيب.
ويطالب عصفور الرئيس القادم أن يراجع قانونية الاعلام الدينى فى مصر، مبديا إعجابة بطريقة عرض بعض الفضائيات لبرامج المرشحين من خلال برامج حوارية معدة بطريقة حيادية، وبمشاركة خبراء فى مختلف المجالات، لمحاورة المرشح، وتحليل دقيق للإجابات، يساعد الناخبين على تكوين رأى دقيق عن كل مرشح.
على الجانب الآخر يفضل عالم النفس السياسى بجامعة عين شمس قدرى حفنى، إجراء دراسة علمية عن اختيارات أفراد الأسر المصرية للرئيس القادم، موضحا أن اختلاف اختيارات أفراد الأسرة الواحدة أمر طبيعى، فأفراد الأسرة يختلفون فى خبراتهم وميولهم وتجاربهم وأعمارهم، والأصل أن لكل منهم صوت يعبر عنه، لأننا لسنا فى مجتمع قبلى ينقاد فيه الجميع إلى رأى كبير القبيلة.
لعبة الإعلام
ويرى الدكتور سامى نصار الرئيس السابق لمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة أن اختلاف آراء أفراد الأسرة فى اختيار مرشحيهم يعود لعدة أسباب من بينها الدور الذى تلعبه وسائل الإعلام، التى حيرت النخبة والبسطاء معا تجاه مرشحى الرئاسة باستطلاعات رأى كاذبة وشائعات حول المرشحين بالإضافة إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعى التى جعلت رأى الشباب مختلفا عن رأى آبائهم.
ومن بين أسباب اختلاف الرأى بين أفراد الأسرة الواحدة فى اختيار مرشحيهم أيضا، اختلاف الآراء بين الأجيال ولا يختلف هذا فى الريف عنه فى المدينة، وهو اتجاه إيجابى نحو الديمقراطية التى ننشدها فقبل الثورة كان رأى الأب يؤثر على رأى الأسرة، وعائلات بأكملها كانت تذهب لتنتخب مرشحاً بعينه لعضوية مجلس الشعب لكن بعد ثورة يناير وظهور أحزاب جديدة كبيرة لا ترتبط بالسلطة تغير الأمر.
ويلفت نصار إلى الدور الذى يلعبه التعليم والثقافة فى اختلاف الآراء داخل الأسرة الواحدة، فكلما نال الفرد حظا أوفر من التعليم تمكن من أن يختار بشكل أفضل، دون أن تؤثر عليه تيارات بعينها ومع هذا لا يستبعد نصار أن تستغل بعض الاتجاهات فقر الأسر المصرية لاختيار مرشح من تيار بعينه عن طريق الرشاوى الانتخابية، لأن الفقير وقتها سيفكر فقط بأنه المقهور الذى لم يأخذ حقه عبر التاريخ، ولا يهمه شخصية المرشح، لأنه يفتقد الثقة تماما فى الدولة ومن يمثلها.
غياب المعايير
ويوضح عالم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية على ليلة أن هذا الاختلاف يرتبط بثقافة الفيس بوك، وما تحتويه من نشر ثقافة الديمقراطية والحق فى الاختلاف، فهى ثقافة متقدمة بالطبع على الثقافة الأسرية الأبوية، التى يحدد فيها رب الأسرة ثقافة أبنائه وزوجته وباقى أفراد أسرته، وبعد ثورة يناير أصبح لكل فرد الحق فى اختيار خاص لكل شىء، بعيدا عن مبدأ النسخة المكررة.
ويرى ليلة أن المهم تشجيع هذا الواقع، لأنه أساس بناء الديمقراطية التى تضمن عدم عودة النظام الديكتاتورى، الذى سيطر على التعليم، فقضى على الإبداع والابتكار، مبديا إعجابه بالنمط الجديد الذى اتخذته وسائل الإعلام للتعريف بالمرشحين بوسائل جديدة لم نعهدها من قبل، كالحوارات والمناظرات بين المرشحين المتنافسين، مما يعد غرساً لثقافة الاختلاف.
ويلفت أستاذ الصحة النفسية وعميد تربية طنطا الأسبق محمد الطيب، الانتباه إلى أنه رغم أن الآباء يمتلكون خبرات الحياة التى يمكنهم بها اتخاذ القرار، ويرون أن الأجيال الجديدة تفتقد هذه الخبرات، إلا أن انفتاح هؤلاء الشباب على العالم جعلهم يكونون رؤى مختلفة، وقد تكون صائبة إذا ما وضعوا فى مجال اختيار، بالإضافة إلى تعلم هؤلاء الشباب من الأصدقاء وزملاء العمل، مستدركا بأن المراهقين قد يختلفون أحيانا عن رأى الآباء لمجرد الرغبة فى الاختلاف فقط، وقد يكون هذا الاختلاف إيجابيا، وتنشأ من خلاله مناقشات ونضج للأفكار، ويأتى الاختيار بشكل عقلانى صحيح، رابطا ذلك بأن يكون لدى المجتمع معايير واضحة ومعلومات عن كل مرشح.
ولا ينفى الطيب إمكانية أن يؤثر الأب صاحب التعليم والثقافة والوعى السياسى على باقى أفراد الأسرة، عن طريق إقناعهم بأفضلية مرشح على غيره من خلال معايير موضوعية.
ويتخوف الطيب من تأثير الأمية التى يعانى منها الشعب المصرى على اختيار الرئيس القادم والتى يؤكد أن نسبتها تصل إلى نحو 60٪ من الشعب، لأن الإحصاءات الرسمية تعتبر جميع الحاصلين على الشهادة الابتدائية والدبلومات الفنية خارج نطاق الأمية، والحقيقة غير ذلك، وبالتالى لن تكون اختياراتهم صحيحة، فانعدام التعليم وما يتبعه من قصور فى الوعى والثقافة تجعل الاختيار غير دقيق.