لم يشهد الشارع المصري في تاريخه جدلا حادا مثلما يشهده بعد ثورة 25 يناير.. وقد زادت حدة الخلاف في الرأي حول مختلف القضايا السياسية المطروحة علي الساحة الآن حول الانتخابات الرئاسية وزاد الخلاف بعد صدور الاحكام القضائية في قضية مبارك وأعوانه من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يوضح الضوابط الشرعية للاختلاف في الرأي حتي يكون نعمة لانقمة. في البداية التقت عقيدتي مع بعض الجماهير المعرفة رأيهم في القضية سيطرت انتخابات رئاسة الجمهورية سيطرة تامة علي جميع فئات الشعب المصري. ودارت بينهم سجالات ونقاشات عديدة وفي كل مكان ما بين مؤيد لمرشح ومخالف له ومقاطع وغيرها من المواقف المختلفة. وقد وصلت هذه السجالات والنقاشات إلي داخل البيت المصري الواحد الذي شهد في بعض الاحيان خلافات حادة بين افراده بسبب الخلاف حول اختيار مرشح بعينه. هذه الخلافات وصلت شبكات التواصل الاجتماعي ودارت عبر صفحاتها نقاشات عنيفة وحادة وصلت إلي حد انتشار دعوة تطالب الشباب بسرقة البطاقات الشخصية للاب والام إذا كانا سيصوتان لمرشح مخالف وهي طبعا دعوة طريفة وعلي سبيل الدعابة. تقول تقي عبدالمقصود طالبة جامعية أراها ظاهرة صحية ان يصل الخلاف حول مرشحي الرئاسة إلي داخل البيت المصري لان هذا له عدة معان أولها اننا قد وصلنا إلي اليوم الذي نجد فيه أكثر من مرشح حقيقي للرئاسة نحتلف ونتناقش حولهم وهو أمر كان حلماً في يوم من الايام بعد ان كانت الامور في الماضي محسومة دائما لمرشح واحد. والامر الثاني الايجابي ان هذا يعني ان جميع افراد الاسرة سيطرت عليهم حالة من الايجابية السياسية واصبحوا يتناقشون ويتحاورون حول الانتخابات الرئاسية ومستقبل مصر وهذا شئ جميل جداً. ويقول عبدالقادر مصطفي- مدرس: هو شئ جميل وإيجابي وطيب ولكن إذا كان في إطار من المناقشة الحقيقية ولكن قد نري في بعض الاحيان خلافا بين زوج وزوجته قد يصل إلي حد الطلاق للاختلاف حول مرشح فهذا أمر مرفوض وغريب لان الخلاف السياسي لايجب ان يصل أبدا إلي الخلافات الشخصية وإلا كان هذا دليلا علي أن التجربة الديمقراطية والوعي السياسي لدي عامة الناس لم ينضجا بعض ومازال الناس في حاجة إلي وعي سياسي كبير حتي يتفهموا أن هذا الخلاف هو أمر عادي وطبيعي ومن الممكن أن تجد في الاسرة الواحدة تباينا حول أكثر من مرشح. ويقول الفنان التشكيلي محمد يوسف طرخان: مصر عاشت انتخابات الجولة الاولي تجربة ديمقراطية رائعة ورغم ان نسبة الاقبال لم تتجاوز النصف إلا انها بداية رائعة وتجربة مبشرة. وأضاف: أتصور أن الخلاف داخل الاسرة الواحدة علي اختيار مرشح بعينه لم يكن كبيرا وواضحا كما صورته صفحات الفيس بوك والدعوات لسرقة البطاقات الشخصية وغيرها من هذه الدعوات الغريبة فكل فرد انتخب كان اختياره بارادته ومن تلقاء ذاته ولم يكن الخلاف ملحوظا للدرجة التي نقول فيها انها كانت أزمة بل هي شئ ايجابي جدا ورائع والديمقراطية الحقيقية هي التي ينتج عنها هذا الخلاف. ويقول أشرف عزمي- شاعر وأديب: عشنا أيام الانتخابات أياما رائعة وجميلة وتجربة ديمقراطية لم تشهدها مصر من قبل بغض النظر عن النتيجة وما آلت إليه. وقد حرص كل أفراد الاسرة علي الذهاب والمشاركة الحقيقية في جو ديمقراطي رائع وصورة جميلة لم تشهدها مصر من قبل. وأري ان هذا الخلاف- إن وجد- فهو إما في الصعيد حيث العصبيات والقبلية مازالت هي المسيطرة والمتحكمة أو في الاسر ذات المستوي الثقافي المحدود أما الاسر المتعلمة والمثقفة فمن الطبيعي أن تجد إما أنهم يتفقون حول مرشح واحد أو كل واحد منهم له مرشح بعينه. وتقول نهي سعد- ربة منزل: هذه الخلافات حقيقية وبالنسبة لي فقد عشتها داخل منزلي حيث إنني من أنصار المرشح أحمد شفيق وأدعو له بقوة في حين أن والدي كان من أنصار الدكتور أبو الفتوح وحدثت بيننا خلافات قوية جدا ولكنها لم تصل إلي حد القطيعة مثلا أو الشجار ولا أتصور أن الامور وصلت إلي هذه الدرجة كما حاولت بعض وسائل الاعلام الترويج لها. الاختلاف سنة كونية عن الضوابط الشرعية للاختلاف بين الناس فيما يتعلق بقضية الانتخابات وغيرها يقول الدكتور مختار عطا الله مدير مركز الدراسات الاسلامية- جامعة القاهرة الاختلاف سنة الله في خلقه لاختلاف الآراء في كثير من أمور الحياة ولهذا أقره الاسلام ما لم ينجم عنه شقاق أو صراع إذا كان نابعا من هوي أو رغبة شخصية أو جدل عقيم يؤدي إلي إفساد العلاقات والمشاعر الانسانية لدرجة انه يثير العداوة والبغضاء داخل الاسرة أو بين الاصدقاء والجيران. وطالب بأن نتأمل سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم وسير الصحابة والتابعين سنجد نماذج فريدة من الاخلاق النبيلة الذي لم يؤثر علي العلاقات الانسانية ولم يحاول منهم الانتصار لنفسه بل إن بعضهم كان يتنازل عن رأيه إذا وجد في حضرة الآخر احتراما له مثلما صلي الامام الشافعي قريبا من قبر أبي حنيفة فلم يقنت والقنوت عند الشافعي سنة مؤكدة فقيل له في ذلك فقال: أخالف وأنا في حضرته وطالب بالتوعية بهذه النماذج من أدب الاختلاف بدلا من الجدل العدائي الذي يصل لدرجة التخوين والتفسيق بل والتكفير لمن يخالفه في الرأي وان يكون الادب الواجب علي أهل الضابط الشرعي هو الحاسم في حالة الاختلاف لقوله تعالي "وما اختلفتم فيه من شئ فحكمة إلي الله" اية 10 سورة الشوري: 10 وقوله "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً" آية59 سورة النساء: 59". ومن المنهي عنه شرعا الاختلاف الذي يمزق الصفوف حتي داخل الاسرة الواحدة مما يتنافي مع قوله تعالي "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" آية 103 سورة آل عمران ضوابط شرعية وأشار الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس الاسبق لجامعة الازهر إلي أهمية إتصاف الحوار حول الانتخابات بالحكمة والعقلانية وقبول الرأي الآخر بعيدا عن التشنج والعصبية وهنا يذكرني قول حبر الامة عبدالله بن عباس "لا تكلمن فيما لايعنيك حتي تجد له موضحاً ولا تمار سفيهاً ولا حليماً فإن الحليم يغلبك والسفيه يزدريك ولا تذكرن أخاك إذا تواري عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالاحسان مأخوذ بالاجرام". وأشار الدكتور عمر هاشم إلي أن جو الانتخابات تكثر فيه الشائعات والاكاذيب ليس تجاه المرشحين فقط بل تمتد إلي أنصار كل فريق مع أننا مطالبون شرعا بالتثبت قبل الترويج لأي شائعة تؤدي إلي المزيد من الجدل والاختلاف قال الله سبحانه وتعالي "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين" آية 6 سورة الحجرات. حذر الدكتور عمر هاشم من كثرة الجدل والاختلاف الذي يتطور إلي ما يحمد عقباه وليكن دخولك في نقاش مع أخيك في الوطن مقصده معرفة الحق أو توضيحه للمخالفين لأن الجدال مذموم والمماراة مذمومة لأنه لا يوجد رأي صواب تماما أو خطأ تماما ولهذا لابد ان يلتمس المختلفين في الرأي الاعذار لبعضهم إذا كان الرأي مجردا من الاهواء. تأثير علي المجتمع وعن تأثير الاختلاف الحاد بين المتعارضين في الآراء الانتخابية قال الدكتور علي ليلة أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس: من المؤسف أننا لا نجيد ثقافة الاختلاف بل إن كثيراً من يطبقون في حياتهم مقولة "من ليس معي فهو عدوي" ونخلط بين الآراء الشخصية القابلة للاختلاف وبين المواقف الانسانية التي قد تصل إلي العداء السافر الذي يمتد من الشخص إلي أسرته بل بعضها يصل إلي الاشتباك ليس بالكلام فقط وإنما بالأيدي والسلاح في بعض الاحيان. حوار لا عداء وحذر الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية من سيطرة عقلية التشنيع والتفسيق للمخالفين في الآراء الاجتهادية لان هذا يؤدي إلي إشعال نار الغضب في النفوس وسرعان ما يتطور الامر إلي العداء السافر وهذا أمر لا يتقبله إنسان طبيعي ولهذا لابد من تعليم الناس فن الاختلاف الذي افتقدنا آدابه والالتزام بأخلاقياته ان سقطنا فريسة للتآكل الداخلي بسبب التنازع ورفض الآخر مع أن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الاشياء والحكم عليها أمر فطري طبيعي له علاقة بالفروق الفردية إلي حد بعيد إذ يستحيل بناء الحياة وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية بين الناس أصحاب القدرات الواحدة والنمطية الواحدة.