الحوار واحترام الرأي الآخر. والمجادلة بالتي هي أحسن. أحد المعالم البارزة في الدعوة إلي الإسلام. سلكها الرسول صلي الله عليه وسلم في تبليغ رسالته. ونشر دعوته بين الناس. بدءاً من أهله وخاصته. ومروراً بقومه وعشيرته وانتهاءً بالشعوب والأمم الأخري. كان سلوكه في الحوار نموذجاً يحتذي. في اعترافه بالمخالف لرأيه ولدينه. وقبوله له وعدم استبعاده. لا يصادر رأيه. ولا يسفه قوله. وإنما يجعله نداً له ومكافئاً. لا يعمد إلي فرض رأيه. ولا حمل أحد علي الإذعان لمقولته. لكن يعتمد معه علي منهج الإقناع وتحكيم العقل والنظر بعين الاعتبار لما يدعو إليه ويدين به. وظل هذا منهجه في إقامة الدين. واستقامة أحوال الدنيا كطريق يرشح للاعتقاد فيما يدعو إليه ويكسب حوله الأتباع والأنصار. وقد أراد بذلك أن يكون قبول المخالفين له. المعارضين للإسلام خالصاً لا تشوبه شائبة الإكراه أو القسر. فيخلصون للعقيدة ويحمون الدين. ويكونون جنوداً له وأعواناً يحملونه ويبشرون به غير المؤمنين. وفي سبيل بلوغ هدفه. علم صحابته كيف يتجادلون. وعلي أي طريقة يستطيعون أن يسود الاختلاف فيما بينهم. إدراكاً منه صلي الله عليه وسلم أن لكل رأيه. وفهمه فيما يتنزل به الوحي. وما يلقيه علي مسامعهم من سنة ينطق بها. أو فعل يقوم به. أو إقرار لما يقوله. أو يصنعه بعضهم. وكان هديه في ذلك. كشأنه في كافة أحواله. وتسيير الأمور أن يتبع الهدي القرآني. فقد أرشده في ذلك إلي القول الحسن. وطيب الكلام: "وقولوا للناس حسناً" البقرة آية "83". وقادهم إلي إتباع النص وإعمال العقل. وبين لهم أن الاختلاف في الفهم والاجتهاد والرأي وارد. بل هو فطرة فطر الله الناس عليها. "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلي الله" الشوري آية "10". حرص - صلوات الله عليه - علي اجتماع الصف. وسد باب الخلاف الذي يقود إلي الشقاق والنزاع: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وأصبروا إن الله مع الصابرين" الأنفال "46". فأعلمهم بذلك أن الاختلاف مشروع. وأن الخلاف مذموم وغير مشروع. وبذلك مارس معهم حق الاختلاف. والتشاور في الأمر. وعصف الذهن. كما حدث في قصة أسري بدر. عندما أبدي عمر رأيه في أسري المشركين بأن يقتلوا ولا يرجعون إلي الأعداء. فيعودوا إلي حرب المسلمين مرة أخري. وأبدي أبوبكر رأياً آخر. بأن يتم تبادلهم مع ذويهم وأهليهم فإنهم من الأهل والعشيرة. فأشار إلي عدم قتلهم. أو النيل أو الانتقام منهم لقاء ما صنعوه بالإسلام والمسلمين. وقد انحاز الرسول - صلوات الله عليه - إلي رأي أبي بكر فنزل القرآن بالقول الفصل في المسألة: "ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم" الأنفال "67". والدلالة المستفادة من الواقعة كلها ترشدنا إلي كيفية إدارة الحوار. وسماع الآراء مدعومة بالبرهان والدليل. وإتاحة الفرصة كاملة لوجهتي النظر. حتي لو كانت إحداهما لا تتفق مع من بيده حسم المسألة. وتقرير الرأي الواجب العمل به. ويهمنا في هذا السياق أهمية أن نقيم حواراً بينياً فيما يعن لنا من مسائل حياتية وقضايا فكرية. وآراء خلافية نعتصم فيها بآداب الحوار النبوي. من حيث احترام الرأي المخالف. وتمكين صاحبه من التعبير عنه. واعتباره مساوياً للرأي الآخر في إطار كفالة حق الحوار. وحرية الرأي والأخذ بالرأي الذي يحقق المصلحة. في ظل الاعتصام بوحدة الصف. ونبذ الشقاق. أو الخلاف.