«يا أيها الذين ضاعوا فى ليل التقولات وغرقوا فى لجج الأوهام.. إن فى الجمال حقيقة نافية للريب مانعة للشك.. ونورا باهرا يقيكم ظلمة البُطل تأملوا يقظة الربيع ومجىء الصبح إن الجمال نصيب المتأملين، انظروا وداعة طفل، وظرف شاب وقوة الكهل، وحكمة الشيخ: إن الجمال فتنة الناظرين». هذه الكلمات عن الجمال من أقوال الفيلسوف العربى «جبران خليل جبران».. وأضيف.. الجمال فى الحب أيضا.. فهل الحب نسيناه وسط صخب أيامنا.. وعنف السلوك.. وعنف الأقوال.. وقلة الراحة؟ ∎ حب الإنسان لأخيه الإنسان
كما كتب د. زكريا إبراهيم الفيلسوف المصرى عن الحب الأخوى: مازالت المقولة القديمة حب الإنسان لأخيه الإنسان تبدأ من الأسرة كيف يحب الأخ أخاه الحب الأخوى يقوم على الرعاية والمسئولية، حينما يدرك الفرد أنه لن يستطيع أن يحقق نجاته من شىء ما بمفرده فإنه لن يتردد فى اعتبار نفسه مسئولا عن خلاص الآخرين أيضا.. بهذا المعنى نقول إن الحب الأخوى تجربة إنسانية لا يريد فيها الفرد أن ينجو بمفرده.. وكما يقول د. زكريا إبراهيم:
∎ الحب هو الإحساس بالكل
حب الإنسان لأخيه الإنسان مظهر للشعور بالوحدة الكلية التى تجمع بين جميع بنى البشر.. أنا حين أحب أخى الإنسان فإننى لا أحبه لأنه مطابق معى تمام التطابق، أو لأنه صورة أخرى منى أتأمل فيها ذاتى، بل أحبه لأنه ذلك الآخر الذى يملك فردية مستقلة ووجودا خاصاً وذاتا فريدة فى نوعها.. ويكتب د. زكريا: يتوهم البعض أن المحبة الأخوية هى مجرد تعلق بالآخرين لما يتمتعون به من قيم.. لكننا نحب أيضا الشرير والمذنب أو الخاطئ.. إننا لا نحبه لشره أو ذنبه أو خطيئته بل نحبه لأنه إنسان نتوجه إليه ونعقد آمالنا عليه ويكون فى وسعنا أن نقول إن المحبة نداء ورجاء.. فحين نحب الأشرار والخُطاة نتوجه إليهم من حيث هم أحرار يستجيبون لنداء ما والعمل على تحقيق رسالة ما فالحب الأخوى ليس مجرد قول.. بل فعل يحدده الأمل ويمليه الإحسان. فهم فى حاجة إلى معونة لينصلح حالهم.
فالحب الأخوى مظهر من مظاهر الإيمان بقيمة الإنسان.. المحبة تريد دائما أن تُفهم.. ليفهمها البشر ويعملوا بها.. نجد أن الكراهية تخشى الفهم لأنها تجد أنها إذا فُهمت لما استطاعت أن تمضى فى تيار بغضائها!!
∎ نسيناه
هزتنى صيحة رجل بسيط فى الإجابة على سؤال من مذيع تليفزيونى يستطلع رأى الناس فى الشارع عن أحداث العباسية الأخيرة فى محاولة الهجوم على وزارة الدفاع.. صاح الرجل «عايزين نحب بعض.. إحنا نسينا نحب بعض.. إحنا بنتحرق.. بنتحرق».. واغرورقت عيناه بالدموع!! لم يجد الرجل كلمة كراهية.. أو.. لم يستطع أن يقولها فعبر عنها بالاحتراق.. وهذه حقيقة الكراهية تحرق.
ويحدثنا د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسى عن الحب الذى نسيناه.. «لابد للحب كتجربة بشرية نفسية تعبر عن رقى الإنسان من أن تقترن بالإيثار بوصفه يحول الأنانية إلى عطاء» تحتاج التعبير عن الإنسانية من خلال التضحية والمودة والرحمة، لها ضرورتها وأهميتها بالنسبة للإنسان فى زحمة هذه الحياة المادية التى ضغطت علينا بقسوتها وضراوتها فابتعدنا عن هذا الشعور المبهج بالحب الذى يدفع إلى الأمل.
∎ الحب طاقة وإنتاج
فهل هذا الحب نسيناه؟ يحدثنا د. سيد صبحى أن الحب لابد أن يدفع إلى العمل والإنتاج فالحب له من القوة ما يسمح للمحبين من أن يحققوا من الأفعال مالا طاقة لغير ذوى الإرادة القوية بتحقيقه، ويعطى أمثلة لهؤلاء الذين قدموا أعظم أعمالهم فى مناخ من الحب فكانت تجاربهم بمثابة طاقة منتجة وفعالة.. وجدير بالذكر أن هذه التجربة السامية لا تعرف الأنانية أو.. إضاعة الوقت أو إخضاع الغير... أو الرغبة فى الامتلاك.. فكل هذه المظاهر تعبر عن المرض النفسى الذى لا يرمز إلى المودة أو يؤدى إلى إيجابية العلاقات الإنسانية.
ويضيف د. صبحى: الحب لا يعرف الشر ويسعى إلى تحقيق السعادة إذا كان مبنيا على أصول ومودة واحترام وإخلاص ومن هنا فإن العلاقة الودودة بين الإنسان والآخر لابد أن يسودها الحب من خلال العمل المتبادل الذى ينطلق من الخير ويعمل على تحقيق السعادة والرفاهية للآخرين.. الحب يعمل على تدعيم القيم البشرية ويقوى الرابطة الوثيقة التى ينبغى أن تكون بين الإنسان وأخيه الإنسان... هذا هو الحب الذى نسيناه.
∎ الحب والوطنية
فهل هذا الحب أيضا نسيناه؟!.. يحدثنا الكاتب الكبير «إبراهيم المصرى» عن الشعور بالوطنية: هو شعور بين أبناء الوطن الواحد بالمشاركة فى عواطف ثلاث:
عاطفة تمجيد.. عاطفة ألم.. وعاطفة رجاء.. العاطفة الأولى بتمجيد الوطن ممثلا فى أروع صفحات ماضية، أى ما بذله أبناؤه من جهود وتضحيات وما حققوه من مآثر وعظائم والعاطفة الثانية فهى الشعور بالألم لما لحق بهذا الوطن فى الماضى من هزائم وما استهدف الوطن من مخاطر وعذابات أما العاطفة الثالثة فهى الشعور بالرجاء الصادق فى وصل المآثر والعظائم التى حققها الوطن فى الماضى بقوى الحاضر المتيقظ تطلعا إلى مستقبل زاهر يمحو الألم وتحاول أن تحققه للوطن عزيمة الأحياء.. وأنقل ما كتبه عزيزنا إبراهيم المصرى.. تحذيرا.
∎ لا تنس
إن الإنسان الحى لا يرتضى لوطنه الذل، بل يكافح ما استطاع ليصوغ لوطنه الرفعة، لا تنس أن حبك لوطنك لا يكفى، الحيوان أيضا يحب جحره أما أنت الإنسان فيجب أن تحب وطنك بقلبك وتخدمه بعقلك وإرادتك إذ الحب وحده عاطفة سلبية سرعان ما تفنى فى الكلام.. أما الإرادة العاقلة الدائبة فى العاطفة الإيجابية التى تدفع إلى العمل والجهاد وهى التى تثبت بالبذل والتضحية قيمة الحب الوطنى الصحيح.
فكرت فى عبارة «الإنسان الحى» الذى كتبها أستاذنا إبراهيم المصرى فهى ليست بمعنى الإنسان الذى يعيش فقط، بل الذى يعيش حيا بعواطفه الصادقة وإنسانيته المحبة.
ويكتب أستاذنا.. لا تنسى موجها كلامه إلى الذين يتولون مسئولية الوطن.. ليست القوة المادية وحدها هى التى يجب أن يسعى الوطن للظفر بها.. ينبغى أن ينشد القوة المعنوية ممثلة.. فى الثقافة أى فى الاهتمام بالتعليم العالى وإفساح المجال أمام الأفراد للفكر الحر والبحث الحر بحيث تخصب عقول الممتازين منهم ويصبح فى مقدورهم إبراز مواهبهم، وإبداع الجديد من استكشافات علمية أو أعمال فنية أو أدبية تجاوز محيطهم وتساهم فى ارتقاء الحضارة وخير الإنسانية.. فاقتران القوة المادية بقوة معنوية مبتكرة تجعل من الوطن كيانا لا غنى للناس عنه وعن ضوئه الثابت الوهاج تلك هى الغاية العليا التى يجب أن يتطلع إليها كل وطن ناهض.
لا تنس.. إننا نتمتع بثمرات الحضارة الراهنة التى غرس أشجارها القدماء وما بعدهم من الآخرين، فيجب أن نغرس نحن أيضا فى حديقة هذه الحضارة أشجارا نرد بها ما أخذناه.. ويمكن أن يجنى من ثمارها الآخرون.
∎ قلب مفعم بالحب
وأضيف من كلمات الشاعر الداغستانى المسلم «رسول حمزاتوف»:
السعادة.. الاستقرار.. تراك تشدو بهما أينما تطير.. فى قلب مفعم بالحب.. .فإلى أين تمضى معجلا؟.. ولم الرحيل؟ الشجاعة والقوة - فى قلب مفعم بالحب.. قل لى.. إلى أين؟! وفى أى طريق؟! أيان تطير مسرعا.. فى قلب مفعم بالحب... قل لى لم الأسى والقلق؟