شارع ضياء هو شارع تجارى بالهرم ، وأرض اللواء هى منطقة كبيرة مكتظة بالسكان والحرفيين بالجيزة.. وشاءت الظروف أن ذهبت لهذين المكانين والتقيت ببعض الحرفيين والعمال لعمل بعض الأشياء الخاصة.. وقبل أن أتفق معهم على ما أريده كان سؤالهم لى : « يا أستاذة قوليلنا ننتخب مين للرئاسة الأول ؟». هذا السؤال الذى تشغل إجابته أغلب المصريين من كل الطبقات ولم يصل أحد إلى إجابة محددة له حتى الآن.. وفى كل جلسة مع أصدقاء أو أقارب أو حتى زملاء يكون حوارنا حول هذا الموضوع فما بالك بالناس البسطاء والغلابة وسأنقل لكم بعضا من هذه الجلسات بكل أمانة.
الجلسة الأولى كانت تضم عددا كبيرا من أفراد العائلة والأصدقاء بمناسبة خطوبة أحد الأبناء والتى تجولت إلى دائرة نقاش حول : من هو الرئيس القادم لمصر ؟ كانت الجلسة تضم لواء شرطة ولواء بحرية وأطباء وصحفيين ومهندسين وشبابا، أى مجموعة من المصريين المثقفين والنخبة كما يقال عنهم.. ودار الحوار التالى الذى بدأ بقول أحدهم : « طبعا بعد ما الإخوان ظهروا على حقيقتهم من مخادعة ومراوغة وعايزين ياخدوا كل حاجة ويسيطروا على البلد والثورة.. ماحدش حينتخبهم تانى !!»
وفجأة ضحكت إحدى السيدات بصوت عال لفت أنظار الحاضرين إليها ثم قالت : « أنا زوجى كل يوم يقف أمام المرآة « ويبصق » على نفسه ويقول تستاهل علشان انتخبت الإخوان !!».
أخذ الجميع يضحكون على ما يفعله زوجها حتى جاء صوت الدكتور محمد قائلا « يا إخوانا ليس معنى أن أجد غلطا أن الكل مثله.. وإذا كان الأخ البلكيمى أخطأ فكلنا خطاءون وعلينا بالصبر ونجرب الإخوة حتى ولو لمدة أربع سنوات هم يريدون الخير لمصر ولديهم مشروع نهضة كبير وهم أفضل من الفلول المرشحين للرئاسة ».
فرد عليه أحد الجالسين قائلا : « يا دكتور مشروع نهضة إيه ؟؟ الإخوان لا يهمهم غير مصالحهم.. معقول قانون العزل يطلع فى يومين وهم منذ أربعة شهور فى مجلس الشعب بيتخانقوا على مين إللى يتكلم الأول.. وبيتناقشوا فى زواج البنات والخلع وأشياء لا تهم الشعب فى الوقت الحالى.. وسايبين القضايا الأهم مثل البلطجة والبطالة والزبالة.. وأزمة الغاز والكيروسين.. مجلس شعب إيه ده ؟ إحنا اتخدعنا فيهم ».
فرد أحد الشباب قائلا : « أنتم كبار وعارفين حال البلد أكتر مننا.. قولولنا ننتخب مين ؟ الكل بيخون بعضه.. وإحنا حائرين بين الفلول والإخوان.. والباقى نص نص أحيانا إخوان وأحيانا فلول.. مش كنتم كلكم بتشتغلوا مع النظام السابق فى مؤسسات الدولة ؟».
فرد عليه أحد كبار الجلسة قائلا : « عندك حق يا ابنى.. كلنا فلول لأننا جزء من نظام فاسد ورضينا وخضعنا لكل أفعاله وممارساته الظالمة الفاسدة.. والبركة فيكم أنتم الذين قمتم بالثورة.. ولكن يا بنى المشكلة أن النظام السابق كان يتعمد استبعاد المخلصين.. وكان أصحاب الثقة عنده أهم من أصحاب الخبرة.. وجرف البلد من كل نخبها المخلصين لصالح مشروعه الفاسد وكل مبدعيها الحقيقيين لكى يسيطر على مقدرات البلد.. ويصل بها إلى ما وصلنا إليه الآن من فساد فى التعليم والصحة والإعلام وكل شىء !! والنتيجة ما نحن فيه الآن من حيرة.. ربنا يحلها من عنده.. أمامكم سنوات طويلة يا ابنى حتى تنصلح حال هذا البلد.» وأنهى الحديث ولم نصل لإجابة من هو الرئيس القادم لمصر ؟!
وشاءت الظروف أن كنت أريد عمل بعض الأشياء الخاصة بمنزلى.. فذهبت لأحمد المنجد فى شارع ضياء وعبده الميكانيكى، وبالصدفة كانا يجلسان سويا وبمجرد رؤيتهما لى قال عبده : « يا أستاذة حننتخب مين المرة دى؟.. الإخوان طلع كلامهم مش هو.. وماشفناش منهم حاجة كويسة لغاية دلوقت ».. قلت له : « إنت مش بتتفرج على التليفزيون والبرامج بتجيب ناس بيقولوا كل حاجة.. وإنتم عليكم تعرفوا الصح من الغلط والكذاب من الصادق ».
رد علىّ الأسطى أحمد قائلا : « يا أستاذة إحنا طول النهار فى المحل وبنشتغل من الصبح لليل.. ومش فاضيين نشوف حاجة.. إنتم إللى تنورونا ننتخب مين.. إحنا عايزين البلد يتغير حالها.. إنت شايفة البلد عاملة إيه.. مش عارفين نشعر بأمان ولا نعيش.. الرزق والشغل قل كتير بعد الثورة.. والإخوان قالوا إنهم هيعدلوا حال البلد ولقيناهم بيعدلوا حالهم بس.. وإحنا الغلابة نعمل إيه ؟»
قلت للأسطى أحمد وعبده: إحنا عايزين واحد فاهم فى السياسة ورجل دولة ياخد البلد لبر الأمان من الأمريكان والعرب إللى ضدنا.. وفاهم مشاكل البلد كويس.. وليس شخصاً يبحث عن مصالحه وكرسى الرئاسة.»
فتركت الأسطى أحمد وعبده وذهبت لأرض اللواء لورشة النجارة للحاج العسال طبعا بعد عناء كبير فى الوصول لأرض اللواء فهى من أغرب المناطق فى القاهرة الكبرى، وبالتحديد بالقرب من منطقة المهندسين.. وتضم أعدادا كبيرة من السكان والحرفيين والمبانى الجديدةالعالية ولكن لا يستطيع أحد الوصول إليها بسهولة لضيق الشوارع وكثرة العشوائيات والإشغالات وأيضا الأراضى الزراعية.. فهى كانت ومازالت أراضى زراعية.. ولكن تحولت وبعشوائية إلى مناطق سكنية وصناعية.
المهم أول ما دخلت الورشة والتى تضم مجموعة من شباب الحرفيين المصريين الجدعان بالفعل إديهم تنحط فى حرير وشغلهم ومنتجاتهم أفضل مائة مرة من الصينى والأندونيسى والهندى الذى ملأ أسواق مصر وأثروا على المنتج المصرى فى صناعة الأثاث.. وقبل أن أقول لمجموعة الصنايعية ما أريد تجمع حوالى سبعة منهم وقال لى أحدهم واسمه حسنى : « يا أستاذة مش تقولى لنا ننتخب مين ؟ إحنا مش عارفين حاجة وماعندناش وقت نشوف تليفزيون ولا نقرا جرايد.. عايزين واحد ما يضحكش علينا زى بتوع مجلس الشعب. »
فرد عليه طارق « يا حسنى اعمل زيى وكبر دماغك وماتروحش.. الناس راحت تنتخب الإخوان واتخدعوا فيهم ».
قال الأسطى على : « يا عم طارق لو مارحناش ماهم هيجيبوا الناس بتاعتهم بالقوة.. ويتثبتوا أكتر ونقع نفس الوقعة ».
رد عليهم الأسطى حسن : « يا جماعة حرام عليكم نجربهم أربع سنين وبعدين نحكم عليهم ».
فرد عليهم الأسطى مرسى قائلا : « يا عم الناس بتضحك علينا بالأنابيب والطماطم الرخيصة والسكر والزيت علشان ننتخبهم.. يفضلوا يضحكوا علينا على طول إللى أوله كدب آخره كدب ».
ثم قال الأسطى حسنى : « صحيح لما كان الراجل المرشح بنفسه بيجى هنا وجايب عربية أنابيب.. ويبيعها بجنيه وهى كانت بتتباع بأربعة جنيه الأنبوبة يبيعها بخمسة جنيه وتتباع بره ب ,03. كان بيجيب الفلوس الفرق دى منين ؟!»
ثم رد عليه الأسطى الكبير قائلا : « لما كان بيجيب عربية الأنابيب من مكان يعرفه عشان يبيعه هنا للدائرة بتاعته مش كان بيحصل أزمة فى المكان التانى إللى المفروض الأنابيب دى بتاعته.. ؟؟ مش كل مكان له حصة أنابيب ؟! يعنى هم إللى كانوا بيعملوا الأزمة عشان يعملوا دعاية لنفسهم ».
قالوا لهم جميعا : « صحيح يا حاج.. كلامك مظبوط » ثم التفوا وقالوا لى : « طيب يا أستاذة.. ننتخب مين ؟. إحنا مش فاضيين نشوف التليفزيون ولا نقرأ جرايد عشان نعرف يا أستاذة ننتخب مين ؟ أنتم إللى لازم تيجوا لنا فى الأماكن دى.. وتنورونا عشان عايزين البلد ينصلح حالها.. والناس تشتغل وخيرنا مايروحش لغيرنا.. عايزين ناس أمينة وبتراعى ربنا فينا.. مش بتراعى مصالحها وعايزة الكراسى وبس ».
قلت لهم : « أنا أقولكم.. لكن الملايين مثلكم مين يقول لهم فى الفترة البسيطة القليلة الباقية المصيرية والتى ستحدد مصير البلد ومصير كل أبنائها الغلابة المخلصين. »
تركت أرض اللواء وشارع ضياء وأنا أسأل نفسى : هل أذهب بمفردى لكل هؤلاء لأجد إجابة على أسئلتهم فى هذه الفترة القصيرة.. ومن المسئول عن وضع المصريين فى هذا المأزق ؟ الله يسامح الجميع ويولى هذا الشعب العظيم من يصلح ويعمل على مصلحته وتقدمه بكل أمانة ولوجه الله والوطن وبدون البحث عن مصالح شخصية أو كراس برلمانية أو عظمة سلطانية.