الأمن القومي لمصر عبارة عن مثلث.. أمن المياه.. أمن الحدود.. الوحدة الوطنية، وأي مساس بأحد هذه الأضلاع نكون في مواجهة قضية أمن قومي، هكذا شرح لي الدبلوماسي الكبير محمد عاصم إبراهيم كلمة الأمن القومي المصري في حوار نشرته مجلة «روزاليوسف» العام الماضي، وكانت هذه الكلمات في مقدمة ما استدعته ذاكرتي عند حدوث تفجيرات كنيسة القديسين والجرم الإرهابي الذي حدث وراح فيه ضحايا «مسيحيين ومسلمين» في الدقائق الأولي من العام الجديد، ومعها استدعيت كلمات شهيد مدنية الدولة المصرية الأستاذ العظيم فرج فودة، وقمت علي الفور بالدخول علي موقع يوتيوب الإلكتروني لمشاهدة مقطع من مناظرته الشهيرة بمعرض الكتاب مع الهضيبي والغزالي والذي اغتاله الإرهاب غدرا بسببها، وكأنني أستعد لحرب وأسترشد بروح المقاتل المصري المفكر، لاسيما أنني أنتمي لمؤسسة صحفية أخذت علي عاتقها مسئولية هذه الحرب منذ عام 1925 وإلي الآن، وهي نصيرة الدولة المدنية في مصر ولم تخش يوما مواجهة طيور الظلام.. وجاء خطاب الرئيس مبارك للأمة ليطمئن قلبي ويهدئ توتري بتأكيده أنه سيقطع يد الإرهاب، ومع ذلك تسابق أبناء بلدي كعادتهم في جلد أنفسهم ونصبوا المشانق التليفزيونية ونسوا أننا الضحايا ولسنا المذنبين. فيما حدث بالإسكندرية، وأننا نواجه إرهابا وليس فتنة طائفية، وأن مهمة الإعلام في هذه اللحظة هي تعبئة الرأي العام المصري للحرب التي نخوضها، وأنه لم يعد من المسموح الاستمرار في استباحة هيبة الدولة والتشكيك فيها وفي أجهزتها.. بل علينا أن نحدد عدونا والخطر الذي نواجهه، ثم بعد ذلك نبدأ في مراجعة أنفسنا ومحاسبة من تسببوا في شد النسيج الوطني المصري بين أقباطه سواء المسلمين أو المسيحين، والتوقف أمام أريحية إعلامية أتاحت الفرصة للمتطرفين بأن ينشروا سمومهم ويخربوا عقول المصريين، مناهج تعليمية لابد من مراجعتها بأن يكون هدفها الحقيقي تنوير الأجيال، خطاب ديني يتفق مع المعطيات المحددة للمعادلة المصرية، والأمر يتعدي مجرد تصريحات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أو قداسة البابا شنودة، فهناك خطاب معاكس يباشر من بعض المنابر ولابد من حسمه.. وإذا لم تتمكن المؤسسات الدينية من الحسم فعلي الدولة أن تتدخل مباشرة في هذا الأمر، عام 2010 حمل الكثير من المؤشرات علي بأن شيء ما قد تعطل في الحسم الكنسي.. بداية من أزمة الزواج وصولا للتعامل مع أزمة العوا بيشوي، ونهاية بأحداث العمرانية، وفي المقابل الأزهر لم يحسم أمره بعد من المخرفين باسم الإسلام والذين يملأون ساحة الرأي في مصر، ولم يعد من المقبول استمرار جمعيات طائفية حتي ولو كانت خيرية، سواء كانت جمعيات إسلامية أو مسيحية تفرق بين أبناء البلد حتي في الخير ويجب أن تتغير مسميات هذه الجهات إلي الجهات المصرية.. وأخيرا فعلي نخبة هذا البلد أن يحددوا موقعهم وأن يباشروا تأثيرهم في هذه اللحظة الفارقة، وعلينا أن نتذكر أن الذين رفعوا شعار الهلال مع الصليب عام 1919 كانوا قوما متنورين ومنفتحين في بلد لم يكن فيه الإخوان المسلمون.