«موازنة المواطن» من حيث المبدأ تبدو الفكرة رائعة وبراقة لكني أسجل ملاحظتين إحداهما شكلية والأخري موضوعية وقبل أن اتعرض لهاتين الملاحظتين أود أن أحيي الفكرة التي اعتبرها خطوة علي طريق طويل.. نعم هي فكرة غير مكتملة الملامح وغير كافية وقد تكون غير ملائمة من حيث التوقيت .. بتلك المقدمة اجبت عن سؤال وجهته الي مقدمة احد البرامج الحوارية بالتليفزيون المصري حول ما يسمي ب " موازنة المواطن " بجواري في الاستوديو الدكتور حمدي عبد العظيم استاذ الاقتصاد المعروف الذي بدأ في فك الشفرات والطلاسم الاقتصادية الموجودة في الدليل من خلال شرح بعض المفاهيم الاقتصادية مثل " الموازنة / الناتج المحلي الإجمالي / التضخم/ عجز الموازنة / التمويل بالعجز / الاستخدامات / الإنفاق الحكومي الي آخر تلك المصطلحات الإقتصادية ثم بدأت حديثي بالمقدمة سالفة الذكر ، ثم تابعت قائلا " الدكتور يوسف بطرس غالي رجل خلاق ومبتكر ويتابع كل ما يدور في الدول المتقدمة من آليات مختلفة للتعامل مع النظم الضريبية والمالية وهذه الفكرة ليست جديدة بالمرة حيث يتم تطبيقها في انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة تحت نظام يسمي " العمل تحت ضوء الشمس ". وكما هو واضح فإن الشفافية هي العنوان الأوضح في هذا العنوان. وهنا في مصر فإن الوزير قال في مقدمة الدليل ما معناه أننا نسعي الي مشاركة مجتمعية من نوع جديد ويضيف الوزير أن المواطن عليه أن يعرف بنود النفقات الحكومية وعليه أن يعرف ماذا ينفق علي الدعم والخدمات التعليمية والصحية وغيرها. كما أن المواطن يجب عليه كذلك أن يراقب منظومة النفقات الحكومية علي المستوي الإقليمي ومن حقه أن يقترح بنودا ويبدي ملاحظات ، لكن المراقبين والخبراء انقسموا وكما المعتاد الي فريقين: الأول مؤيد ومدافع عن الدليل ويسوق هذا الفريق العديد من النقاط التي تجعل من الدليل دليلا علي عصر النهضة الشاملة والحرية والديمقراطية الليبرالية! أما الفريق الآخر فقد انبري مهاجما الدليل ومن اصدره ومن قرأه ومن دافع عنه وتوقع هؤلاء أن وزير المالية أصدر هذا الدليل تمهيدا لإجراء ما.. هذا الإجراء إما سيكون إلغاء أو تقليل الدعم عن بعض السلع والمنتجات أو يمكن أن يكون زيادة في الضرائب بأي شكل من الأشكال. البعض فسر إصدار هذا الدليل بان الوزير يتوقع أزمة مالية طاحنة يمكن أن تصيب الاقتصاد العالمي مما سيؤثر حتما علي مجمل الأنشطة الاقتصادية المصرية، لذلك أراد الوزير أن يشرك الرأي العام في همومه وتوقعاته فإذا حدث ما توقعه سيادته كان الناس علي علم مسبق ومن ثم يمكن تفاعلهم مع الحدث بمزيد من الصبر! كل هذه تحليلات وآراء علي طرفي النقيض وأنا هنا لا أقف مدافعا عن وزير المالية وعن دليل الموازنة وكذلك لا أقف مهاجما ومعترضا، القضية عندي مختلفة الي حد بعيد، فأنا اتابع الموضوع كي أراقب كيف نتعامل مع الأفكار الجديدة؟ بيد أننا لا نجيد ولا نحبذ استقبال الأفكار الجديدة، وكان علينا أن نحسن استقبال الفكرة ونبدأ في إضافة بعض التحسينات أو الأفكار الجديدة حتي نصل الي الهدف الأسمي بعيدا عن الاختلافات الشخصية الضيقة. اعود الي الدليل الذي قرأته جيدا ولاحظت فيه أن صعوبات عديدة تعوق وصوله الي الجماهير المستهدفة فالصياغة غاية في الصعوبة حيث تم استخدام الأساليب الإحصائية والمفردات العلمية التي لن يفهمها سوي قلة من خريجي ودارسي كليات التجارة والاقتصاد، كما أن صورة الغلاف تحتاج الي تطوير وتغيير فالصور الموضوعة في الجانب السفلي من الصفحة تضم صوراً لمستشفي ومدرسة وسوقا وفرنا وهذا يعني صراحة أن الدليل يتضمن ما تنفقه الدولة علي هذه البنود، ويبدو أن مصمم الغلاف لا يريد ان يضع في الجانب الآخر مصادر الإيرادات سواء من الضرائب أو من الجمارك او حتي قناة السويس. وبالتدقيق في الأرقام الواردة في الدليل نجد أن متوسط النفقات الحكومية علي المواطن المصري تبلغ ما يدور حول رقم 5000 جنيه مصري معني ذلك ان الحكومة تنفق 13 جنيها تقريبا علي المواطن يوميا، معني ذلك أن هذا المبلغ سيتم تقسيمه علي قطاعات الصحة والتعليم والدعم وخلافه وفي نهاية مقالي أدعو السادة المسئولين في وزارة المالية أن يعيدوا النظر في بعض النقاط التي وردت في هذا المقال.