فاز الحزب الوطني بأغلبية كاسحة في الانتخابات التشريعية السابقة وبتحليل الامر نجد ان هذا النجاح لم يكن نتاجا لممارسات خارجة عن القانون او تزوير او بلطجة او انخفاض مشاركة المواطنين في الانتخابات كما يعده البعض وان كانت الحقيقة قد حملت فعلا بعض تلك المظاهر فمن الضروري علي الاحزاب السياسية ان تعترف بالضعف والفشل في ادارة المعركة الانتخابية وبدورها المتواضع علي المشهد السياسي والتأثير في احتياجات الناس وقدرتها علي خلق قواعد شعبية داعمة لها في العملية الانتخابية تستطيع من خلالها ان تعبر عن قدرتها في خوض انتخابات تشريعية في دولة بثقل مصر. لا أستطيع ان ابرر ايضا فشل الإخوان في الوصول الي مقاعد البرلمان بانه جاء نتيجة إرادة الحزب الوطني التي افقدتهم المصداقية في الشارع المصري واغلقت قنوات التصويت التي استمدوها من المواطنين في انتخابات 2005 فلقد فشل الإخوان في التعامل مع الحكومة وهي حزب الاغلبية داخل البرلمان وفشلوا ايضا في التعامل مع المواطنين خارج قبة البرلمان فانسحبت شعبيتهم الي ان تلاشت تماما في الانتخابات التشريعية عندما فاجأهم الناخبون بانهم فقدوا الثقة في قدرتهم علي الدفاع عن مصالحهم باتجاههم المطرد الي الفئوية والتعصب والتعبير عن مصالح موجهة وتجاهل التنوع والتعددية الموجودة في المجتمع المصري. لقد كانت تلك الضربة موجعة الاثر في المشهد السياسي المصري وسيظل التاريخ متذكرا لنتائج تلك الانتخابات علي مر العصور ولعل في ذلك جرس مدوي يدق في آذان الاحزاب التي تعمل من منطق التواجد علي الساحة وليس التأثير في المواطنين ودرسا للاخوان في فهم قواعد العمل السياسي الذي يمارسوه من عقود عدة تحت شعار الدين وتحت ظلال الشريعة فأنا أعجب ممن جاءه الفيضان بعد انتظاره له فهدم بيته الهش فبكي علي أطلاله !! والمحور الآخر الذي افرزه الحزب الوطني من خلال نشاطه المكثف قبل العملية الانتخابية حتي يصل الي هذا النجاح هو التأكيد علي فكرة ان الديمقراطية ليست كمية فالحزب الوطني كان قادراً بالحصول علي مقاعد الأغلبية النسبية في البرلمان وتمثيل عدد لا بأس من الاحزاب بعدد معقول من مقاعد البرلمان ان يكفل التمثيل الحزبي في البرلمان ولكنه فضل ان يتحمل عبئا يعبر عن نظرة لا تفقد جديتها ومصداقيتها في اعتبارها رغبة مفعمة بالأمل والطموح والثقة في تولي عبء الاصلاح وتعزيز الديمقراطية فلقد خاض معركة شرسة ليصل الي تمثيل مكثف يحمله دورا اساسيا في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمواطنين وسيعمل في اعتقادي المتواضع علي تفعيل دور الافراد في مشاركة جماعية وطنية لا تعتمد علي التفتت والتشتيت وتعتمد علي الادماج والاستيعاب وسيدعم ذلك حرية في تحرك الحكومة لتنفيذ خطط التنمية وسياسات الاصلاح وسلطات اكثر فاعلية للهيئة التشريعية وسيحاول الحزب الوطني ايضا جاهدا اثبات جدارته بالتمثيل البرلماني وهو الامر الذي سيثري قنوات الاتصال الجماهيرية بينه وبين المواطنين ستتاح للمواطن فيها مشاركة افضل وحقوق اجدر بالرعاية كما سيكون من نتائجه ايضا ان الحراك السياسي سيتأثر تأثرا ملحوظا من خلال الحوار المباشر للحركات السياسية والاجتماعية مع الحكومة ممثلة السسلطة التنفيذية وصاحبة الأغلبية البرلمانية مسفرا ذلك عن نتائج جادة وحاسمة علي هذا الصعيد. وهو الامر الذي لا يدعو الي التخوف من وجود أغلبية للحكومة في البرلمان ويدعو المواطنين ان يتأملوا جيدا فيما تستطيع الحكومة ان تقدمه لهم في رصد للجوانب الايجابية للتجربة بعيدا عن التشاؤم وحتي لا تبقي الحياة السياسية أسيرة الضعف بالنظر الي النقاط السلبية في التجربة.... حتي لا يعود الدخان.