في الخطاب الذي ألقاه الزعيم السوفيتي ليونيد برجنيف أمام الاجتماع السري للحزب الشيوعي السوفيتي يوم 20 يونيو 1967 أي بعد نشوب حرب يونيو بحوالي ثلاثة أسابيع لام فيه القيادات السياسية والعسكرية المصرية والسورية بالتسبب في الهزيمة التي ألحقتها إسرائيل بسبب الإجراءات المتسرعة التي اتخذت وأعطت إسرائيل ذريعة لشن الحرب وكذلك انخفاض معنويات الجيوش العربية بالرغم من أن موسكو زودتها بكميات هائلة من الأسلحة. أوضح برجنيف لأعضاء اللجنة المركزية للحزب الذين كانوا يتساءلون بمرارة كيف حدثت هذه الهزيمة المدوية لأكبر حليفين لموسكو في الشرق الأوسط مما ورط الاتحاد السوفيتي نفسه، فقال: إنه في الثامنة من صباح 6 يونيو 1967 أي في اليوم التالي للحرب بعد أن قصفت إسرائيل معظم الطائرات المصرية علي الأرض، قابل السفير السوفيتي عبدالناصر الذي كان إلي حد ما متفائلا بسير العمليات العسكرية!! قائلا: «إن الوضع علي الجبهة ليس سيئا كما يبدو وكما تروج له الدعاية الغربية وأن مصر مصممة علي القتال لآخر رجل من أجل صد أي جندي إسرائيلي علي الأراضي العربية» وطلب من السفير أن يبلغ حكومته أن العرب صامدون وسيعمل هو شخصيا وبكل الوسائل لتعبئة العالم العربي بأسره ضد الأمريكيين إذا ما قرروا المشاركة في الحرب. ولكن في الساعة السادسة من مساء نفس اليوم أبلغ المشير عبدالحكيم عامر الحكومة السوفيتية برسالة عاجلة من الرئيس عبدالناصر تقول: «الوضع خطير جدًا وحرج وسيزداد تدهورًا هذه الليلة»، وبناء علي تعليمات من عبدالناصر قابل عبدالحكيم عامر السفير السوفيتي بعد ست ساعات وأبلغه أن الوضع علي الجبهة خطير وطلب مساعدة الحكومة السوفيتية في التوصل إلي وقف إطلاق النار مع إسرائيل خلال الساعات الخمس القادمة. بعد وصول هذه الأنباء المزعجة من القاهرة اجتمع أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي «أعلي سلطة في الحزب والاتحاد السوفيتي نفسه» في الواحدة صباحا بحثوا فيه اتخاذ عدة إجراءات لمساعدة مصر، واتفق أعضاء المكتب السياسي أنه من المستحيل تقريبًا سرعة إرسال عدد كبير من الدبابات والطائرات لتقوية القوات المسلحة المصرية المنهارة من أجل وقف الاندفاع الإسرائيلي نحو قناة السويس وتدعيم أكبر الدفاعات المضادة للطائرات حول القاهرة والمدن المصرية الأخري، ويقول برجنيف في خطابه إنه من غير الحكمة تجاهل حقيقة أن القيادة المصرية لم تعد تستطيع السيطرة علي الجيش الذي كانت تسوده الفوضي، وفوق ذلك فإن عددًا كبيرًا من المطارات المصرية المفترض أن تهبط فيها طائرات الإمدادات السوفيتية قد تم تدميرها بواسطة إسرائيل، وتحت هذه الظروف فإن الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق هو العمل علي إنقاذ الجيش المصري من التدمير الكامل عن طريق الوسائل السياسية والدبلوماسية. ويشير برجنيف إلي أن الطلب العاجل للقيادة المصرية كان يهدف إلي وقف اندفاع القوات الإسرائيلية في اتجاه منطقة قناة السويس والتوصل إلي وقف إطلاق النار بحلول الساعة الخامسة من صباح نفس اليوم، في الساعة الثانية من الصباح اتخذ مجلس الأمن مشروع قرار دعا فيه إلي وقف مبكر لإطلاق النار كخطوة أولي لتسوية النزاع المسلح، كان هدف موسكو وقف المعتدي فضلا عن تصميمها لمنع احتلال دمشق أو القاهرة والحيلولة دون احتمال انهيار نظام عبدالناصر التقدمي!! والذي سيؤدي إلي ردود فعل في العالم العربي. ولكن إسرائيل كما يقول برجنيف استمرت في عدوانها متجاهلة قرار مجلس الأمن، ولذلك اقترحت موسكو مشروع قرار آخر يدعو إلي وقف فوري لإطلاق النار وهو ما وافق عليه أعضاء المجلس بالإجماع يوم 7 يونيو، وفي نفس الوقت أصدرت القيادة السوفيتية تحذيرًا شديدًا لإسرائيل طلبت فيه وقف العدوان دون أي تأخير وإلا ستنظر موسكو في وقف علاقاتها مع إسرائيل بل وفي احتمال اتخاذ إجراءات أخري ضدها. وهنا يلوم برجنيف مصر مرة أخري، فيقول إنه في الوقت الذي كانت فيه القيادة المصرية تضغط علي موسكو من أجل التنفيذ الفوري لوقف إطلاق النار وتطبيق كل قرارات مجلس الأمن، إلا أنها في نفس الوقت لم تسارع لكي تعلن رسميا قبولها وقف إطلاق النار، لم يحدث ذلك إلا في الواحدة من صباح يوم 9 يونيو عندما أعلن مندوب مصر في الأممالمتحدة «السفير محمد عوض القوني» موافقة القاهرة علي وقف القتال بشرط أن يقوم الطرف المقابل بنفس الشيء، وفي نفس اليوم أعربت سوريا عن نفس الموقف المصري. في الحلقة القادمة سأتحدث عن معايشتي ومشاهدتي خلال هذه الأيام المضطربة عندما كنت أعمل في مكتب وزير الخارجية محمود رياض . أمين عام الجمعية الأفريقية