الولايات المتحدة أصبحت القوي التي لا غني عنها، الأولي والوحيدة، لكنها في نفس الوقت ظهرت بممارساتها المتجاوزة وكأنها تقف وحيدة في العالم، وستتحول تدريجيا من القوة العظمي إلي "القوة المحاصرة". وفق هذا المنطق يركز هذا الكتاب ذو العنوان المقتضب "رؤي عالمية" - صادر عن هيئة الكتاب - علي أفضل الاستراتيجيات التي يجب أن تتبناها الولاياتالمتحدة تجاه القضايا العالمية بعد تغير وجهها. يقول مؤلفه د. السيد أمين شلبي سفير مصر الأسبق في النرويج: "وقفت أمريكا علي قمة قوتها العالمية كالوريث المنتصر للنظام المنهار بعد الحرب الباردة، لكنها بددت تلك المكانة بعدها بعقدين مع الحرب علي العراق". يبث السفير الأسبق آراءه بخصوص أسئلة ملحة من نوع: هل تمثل إيران حقا تهديدا للولايات المتحدةالأمريكية؟ وينقل لنا تقديرات تقرير أمريكي بخصوص هذا الشأن، تنتهي إلي أن لإيران الحق القانوني في الانتقام إذا ما شنت أمريكا وإسرائيل هجوما عليها، وذلك وفقا لميثاق الأممالمتحدة، وبالتالي ستكون الولاياتالمتحدة هي الخارقة للقانون الدولي وليس إيران. ففي الوقت الذي تتحجج الإدارة الأمريكية بالتسلح النووي الإيراني تصمت كما يقول المؤلف عن "الترسانة النووية الإسرائيلية المستفزة". أما الأجدر بالتأمل في نهاية هذا الكتاب هو توقف مؤلفه في فصل خاص عند التجربة الصينية والصعود الملحوظ للصين في النظام العالمي، ومعه يأتي السؤال: هل تنبئ القوة باتجاهها آسيويا؟ وكيف ستتصرف الصين حين تحكم العالم؟ يدعم السفير السابق رؤاه وتنبؤاته في الكتاب - وهو ليس الأول له في مجال علم السياسة والعلاقات الدولية - بأحدث النظريات والأفكار والمبادرات التي تبنتها أهم المراكز البحثية العالمية وأبرز المتخصصين في قضايا العلاقات الدولية، جنبا إلي جنب مع عرض أحدث الكتب التي تناولت هذه المجالات. منها استعانته بتقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن والذي يقيم برنامج الرئيس باراك أوباما الانتخابي، ومن تحليلات السفير شلبي لهذا التقرير أن الرئيس الشاب أبدي اختلافا حقيقيا في نغمة مخطابة العالم وفي الطاقة التي يتحدث بها، أكثر مما أبداه من اختلاف السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. وهذا يعني في نظر المؤلف أن المشاكل والتحديات ستبقي كما هي ولن يكون التقدم سهلا تحقيقه، حتي مع محاولات "إعادة بناء الثقة بين أمريكا والعالم" ف"ثمة شيء في السياسة الخارجية الأمريكية قد انكسر"، لكن علي أية حال تميز نهج أوباما كما يحلل الكتاب بالواقعية والاعتراف الضمني بأن أمريكا لا تملك الإجابة علي كل المشكلات، وهو ليس نهجا مطلقا كما امتازت به سياسة بوش "معنا أو ضدنا" التي وصفها زيجنيو برجنسكي مستشار الأمن القومي أيام جيمي كارتر ب"القيادة الكارثية". إلا أن هذا الاعتقاد الإيجابي بشأن شخص أوباما لم يمنع المؤلف من التساؤل: هل هو ماهر أم ضعيف؟ هل سيكون مجرد نسخة رئاسية لشخصية "الأمريكي الهادئ" رواية جراهام جرين، التي أرادت تغيير العالم لكنها أساءت التقدير؟ وينتهي المؤلف في هذا الجزء إلي أن أفغانستان والنزاع العربي الإسرائيلي هما من أشد المعضلات التي تواجه إدارة أوباما بعد عام من ولايته. أما حرب العراق فستظل مغامرة أمريكا غير المحسوبة. قوة أمريكا في انحدار، وقوة أمريكا من الممكن قهرها، تلك الفرضية يحاول المؤلف اختبارها علي ضوء الأوضاع التي خلفت أحداث 11 سبتمبر وما بعدها، إلا أن التنبؤ بتلك الفرضية سبق هذا التاريخ بأعوام، يخبرنا السفير أمين شلبي عن تحذير المؤرخ جاري ويلز عام 1999 بأن الولاياتالمتحدة قد أصبحت "المستأسد في العالم"، لأنها تفشل في أن تقود بالإقناع. أما عن مقدمات الانحدار ومسبباته فمن أبرزها انقسام الأمريكيين أنفسهم إلي أيديولوجيات متعددة وخطوط عنصرية جديدة. فما نكتشفه من سطور الكتاب مثلا أنه حتي الآن مازال هناك تضارب في الآراء بشأن ضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق من عدمه، وأن جزءًا كبيرًا من آراء النخبة يميل إلي اعتبار الوجود الأمريكي في العراق هو أس المشاكل. في المجمل يقدم الكتاب رصدا وتحليلا للأدبيات السياسية في العلاقات الدولية علي مدي السنوات العشر الماضية، وتحديدا خلال سنوات إدارة بوش الابن، ويناقش حالة عدم اليقين الذي يعيشه النظام الدولي الراهن. ولذلك يقترح المؤلف في فصل بعنوان "نحو استراتيجية جديدة لأمريكا في القرن الواحد والعشرين" أن تتخلي الولاياتالمتحدة عن موضع القيادة وتكون عملية وأكثر مرونة للعمل مع نطاق واسع ومتعدد من الدول سواء كانوا حلفاء قدامي أو شركاء جدد أو أصدقاء محتملين. وفي النهاية فإن هذا الوضع كفيل بإعادة تشكيل النظام الدولي، من نظام يعتمد علي القطبية الأحادية إلي عالم تتعدد فيه الأقطاب والمراكز الدولية.