لا أدري لماذا يظل كتابنا ومفكرونا متشائمين ولماذا لا ينظرون إلي النصف المليء من كأس الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مصر في عام 2010م، لقد ظل الكتاب في الصحف المستقلة والحزبية يمطروننا بكم هائل من السلبيات التي شابت عملية الانتخابات، الغريب أن أيا منهم لم يشر إلي الأمور الإيجابية التي لا تخطئها العين، لعل من أهمها أن مصر من الدول القلائل التي لا تتدخل حكومتها في أحكام القضاء وهذا يجعل المصريين فخورين بالقضاء ومطمئنين أن مستقبل أبنائهم في أيد أمينة، كما إن مصر تعتبر من الدول العربية القلائل التي تمارس فيها جمعيات المجتمع المدني دورها في رصد كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالانتخابات. من الملاحظ أن بعض البيانات التي أعلنت في هذه الانتخابات قد تبدو غريبة ومتناقضة، لعل القارئ قد لا يصدق أن عدد الناخبين المقيدين في الجداول الانتخابية في الجولة الأولي في إحدي محافظات الوجه القبلي بلغ أكثر من مليون ونصف المليون ناخب حضر منهم نحو400 ألف ناخب بينما عدد الناخبين المقيدين في الجولة الثانية في نفس المحافظة بلغ نحو 753 ألف ناخب حضر منهم حوالي 148 ألف ناخب، أما في إحدي محافظات الوجه البحري فقد بلغ العدد الإجمالي للناخبين المقيدين في إحدي الدوائر الانتخابية 106077 مواطنا غير أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم بلغ 107240 ناخبا أي هنالك أكثر من ألفي شخص قاموا بالتصويت بدون وجه حق، من المعروف أن هذه السلبيات التي يمكن تلافيها في الانتخابات القادمة تحدث في كل انتخابات العالم بما في ذلك انتخابات الرئاسة الأمريكية التي شهدت في عام 2000م خروقات وانتهاكات غير مسبوقة لدرجة أن المحكمة العليا هي التي حسمت النتيجة النهائية، لذلك يتعين علينا التركيز علي الجوانب الإيجابية لتجربة الانتخابات البرلمانية. قد يتفق معي الكثير من القراء أننا خرجنا من هذه التجربة الانتخابية ونحن فخورون بقضائنا الشامخ الذي لا مثيل له في الدول العربية، لقد دحضت الأحكام القضائية التي صدرت قبل وبعد الانتخابات مقولة إن الحكومة المصرية تتدخل في أحكام القضاء وهي مقولة روج لها الحاقدون والمتربصون لهذا البلد، لقد أصدر القضاء الإداري أكثر من ألف حكم قضائي خاص بإدراج مرشحين في الكشوف وتغيير صفة مرشحين من عمال إلي فئات وأحكام بوقف الانتخابات في 11 دائرة في الإسكندرية وفي 9 دوائر بمحافظة كفر الشيخ وعدد من دوائر المنيا وأسيوط وسوهاج والوادي الجديد و11 دائرة بمحافظة الدقهلية، كما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بوقف الانتخابات في دائرة بندر شبين الكوم بالمنوفية وفي دائرة إيتاي البارود بالبحيرة وبالدائرتين الأولي والثانية بمحافظة الإسماعيلية، أما في محافظات الشرقيةوالمنيا وبني سويف وكفر الشيخ والقليوبية والمنصورة فقد أصدرت محكمة القضاء الإداري بها 176 حكما يؤكد تزوير وبطلان الانتخابات، هذا بالإضافة إلي أحكام ببطلان إعلان نتيجة الانتخابات في 10 دوائر بمحافظات القاهرة والجيزة و6 أكتوبر، لقد أثبتت التجربة الانتخابية أن قضاءنا يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية وهذا يعطينا الأمل في مستقبل أفضل لأبناء هذا الوطن. لا أعتقد أن هنالك دولة عربية تسمح لجمعية من جمعيات المجتمع المدني لكي تراقب انتخاباتها البرلمانية أو الرئاسية ثم تقوم بإعداد تقرير عن سير الانتخابات بها أو ترصد الانتهاكات والمخالفات التي تحدث في صناديق الاقتراع، قد يكفينا فخرا أن مصر بها جمعيات مدنية تهتم بالشئون الداخلية كالجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي التي رصد مراقبوها الانتهاكات والمخالفات سواء في الجولة الأولي أو الثانية، لقد رصد مراقبو الجمعية في الجولة الأولي عدد 44 مخالفة تتعلق بإرهاب الناخبين وعدد 121 حالة عنف انتخابي وعدد 83 حالة لشراء أصوات الناخبين والرشاوي الانتخابية وعدد 134 حالة تسود بطاقات التصويت وعدد 106 حالات تصوت جماعي وعدد 9 حالات سرقة صناديق انتخابية أو إتلاف وعدد 76 حالة غلق للجان الانتخابية لبعض الوقت أو قبل الساعة السابعة مساءً وعدد 65 حالة طرد لمندوبي المرشحين، من المؤكد أن قيام جمعيات المجتمع المدني برصد هذا العدد من المخالفات والانتهاكات لهو أكبر دليل أن الحكومة أوفت بوعدها بالسماح لهذه الجمعيات بمراقبة سير الانتخابات ومن ثم فإننا لسنا في حاجة إلي أي رقابة دولية. كم كنا نتمني أن تسلط الأضواء علي هذه الجوانب الإيجابية للتجربة الانتخابية. وكم نتمني أن يقوم أي كاتب أو مفكر يدلو بدلوه في الأحداث التي تقع في مصر بالاطلاع علي تعليقات القراء. لعله سيفاجأ بأن كل القراء مفكرون وعلي درجة كافية من الذكاء ولديهم القدرة علي التمييز بين كلمة الحق وكلمة الباطل. قد يكون كاتب اليوم ككاتب الأمس ولكن قارئ اليوم ليس كقارئ الأمس.