في الحقيقة أن الحال العام في مصر لا يبشر بكثير خير ولا أريد أن أقول لا يبشر بخير لأن التشاؤم ليس من هدي الإسلام بل المطلوب هو التفاؤل، ومع التفاؤل يكون الأمل والامل من الإيمان وبه تتجدد الحياة ويستمر النشاط الحيوي للإنسان، كما أن التفاؤل أحد وسائل منع الاكتئاب والتشاؤم عكس ذلك تماماً، والحديث الغالب الآن من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية يصب في بوتقة واحدة مفادها أن المستقبل في مصر لا يبشر بخير، ومع هذا الصخب والضجيج الإعلامي والتدخلات الخارجية والداخلية في الشأن العام المصري يصعب علي الناس قبول ما سأكتبه الآن، فالإسلام لا يعترف بالمعارضة السياسية ولا يقرها بل يدينها وإنما يقرّ الإسلام المناصحة وفرق كبير بين المعارضة وبين المناصحة فماذا عن حقيقة الاصطلاحين في وسط هذا الضجيج وهذا الصراخ: أولاً: المعارضة السياسية بالمفاهيم المعاصرة تدخل تحت منازعة الامر أهله أي منازعة ولاة الأمر، لأن المعارضة القائمة تدعو لإسقاط النظام القائم بأي وسيلة لذا لا نجدها تقر للنظام القائم بأي فضيلة أو بأي إيجابية بل كل أعمال النظام القائم في نظر المعارضة سلبّية سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو التنموي فصار الاصل عند هؤلاء علي اختلاف شعاراتهم الدينية أوالعلمانية هو الرفض والاعتراض والإثارة، قد أتفهم انتقاد بعض السياسات السلبية والتي لابد منها لأن النظام القائم في مصر يقوده بشر ولابد من الأخطاء، لكن أن تكون كل المواقف والاعمال الحكومية في أسفل الاسفلين كلها سوداء في ليلة ظلماء علي صخرة صماء فهذا لا يقره دين ولا يقبله عقل، فإذا عدت إلي التأصيل الشرعي والفقهي لهذه الممارسات لوجدت أن توصيف هذه المعارضة القائمة يندرج تحت فكر الخوارج حيث خرجوا أيام الخليفة الراشد الشهيد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- برغم ما عرف في عهده -رضي الله عنه- من زيادة الرخاء وكثرة الاموال، حتي قيل أن الجارية بيعت بوزنها ذهباً ومع ذلك تآمروا عليه وقتلوه شهيداً، ثم تنامي فكر الخوارج وصار لهم منظور فكري يتلاعب بالنصوص الشرعية فحملوا السلاح وقاتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، واستمر شرهم من قرن إلي قرن دعواهم واحدة وأصولهم واحدة وأهدافهم واحدة فالتكفير شعارهم والسلطة هدفهم والدماء سبيلهم ولا يختلف الخروج بالكلام عن الخروج بالسلاح لان حمل السلاح لا يتحقق إلا بفكر وقوده الكلام، فما دليل ذلك من الشرع: 1- قال تعالي: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم» النساء:59 . 2- روي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصي الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني). 3- وروي ابن أبي عاصم وصححه الالباني من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه ((لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب). 4- وروي البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: ((بايعنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - علي السمع والطاعة في السر والعلن وعلي النفقة في العسر واليسر والأثرة وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن نري كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان)). والأحاديث الصحيحة في تحريم منازعة ولاة الأمر كثيرة ومشهورة في دواوين السنَّة، وأصول هذا الأمر مؤصلة بوضوح من خلال كتب عقيدة أهل السنَّة والجماعة ولكن مع هذه الهوجة وهذه الضوضاء والأصوات العالية ضاع هذا الأصل وزاد الأمر صعوبة أن غالب دعاة الإسلام الآن علي كافة ألوانهم تلوثوا بفكر الخوارج ثم جاءت الديموقراطية بالحرية المنفلتة التي سيطرت علي الساحات الإعلامية والفكرية بمصر وأعطت لفكر الخوارج فرصًا كبيرة للانتشار والسيطرة علي عقول كثير من الشباب بل والسيطرة علي عقول كثير من الناس. فخلاصة القول الذي سيضيع مع زحمة هذا الضجيج السياسي أن الإسلام لا يقرّ منهج المعارضة القائمة سواء باسم الدين أو باسم العلمانية ويعتبر هذه المفاهيم من معطيات خوارج الماضي شاء من شاء وأبي من أبي. أما المناصحة فهي التي يقرّها الإسلام في التعامل مع ولاة الأمر فهي كما جاءت في النصوص التالية: 1- روي مسلم في صحيحه من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). 2- روي أصحاب السنن من حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ((ثلاثة خصال لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله والنصيحة لولاة الأمور ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم). 3- وروي الإمام أحمد وابن أبي عاصم والحاكم والبيهقي وصححه الألباني: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك وإلا كان أدي الذي عليه)). إذن خُلاصة القول في ذلك: أن من رأي من ولاة الأمر معصية أو مخالفة أو سياسة لا ترتقي إلي المصالح المعتبرة فعليه أن يناصحهم فيما بينه وبينهم والمناصحة لا تتصور إلا برحمة ورفق وصدق أما المناصحة التي يصاحبها غلّ أو إثارة أو كذب لا تسمي نصيحة وإنما تسمي سفهًا وسوء خلق، كما لا تكون النصيحة علانية بل في إطار مجالس ولاة الأمر سواء في مكاتبهم أو مجالسهم النيابية أو الشورية علي وفق ما هو مقرر سياسياً. ورغم أنني مدرك لغربة كلامي هذا وأن المقام يحتاج إلي تفصيل أكبر ليدرك الناس حقائق الأمور والتي هم لها منكرون إلا أن ذلك لا يمنع من بيان ما أعتقد.