كتب: كيمنيوم بورترايت في غضون شهرين سيولد في أفريقيا دولة جديدة وهي الأولي منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية، فمن المتوقع قيام سكان جنوب السودان في التاسع من يناير المقبل بالتصويت علي الاستفتاء لتحديد ما إذا كان جنوب السودان سيصبح دولة مستقلة بذاتها أم لا. وتشير التوقعات نحو ميل الأغلبية الساحقة إلي تأييد الانفصال ولكن ضمان أن التصويت يكون حرًا ونزيها وسلميا هي عملية شاقة. ويأتي الاستفتاء تتويجا لاتفاقية السلام الشامل التي وقعت في 2005 لكتابة النهاية لطريق طويل من الصراع الدموي وانهت أطول حرب أهلية في افريقيا، فالحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان راح ضحيتها 2 مليون شخص. بدأ تسجيل الناخبين هذا الأسبوع ولكن لا يزال جنوب السودان أبعد ما يكون عن الاستعداد لمثل هذا الاستفتاء، بالطبع فالتصويت في منطقة أكبر من كاليفورنيا ولا يوجد بها سوي 40 كيلو مترًا من الطرق الممهدة مهمة ليست هينة، فيحتاج جنوب السودان إلي مراقبين للانتخابات وشاحنات وأجهزة كمبيوتر وقائمة طويلة من الاحتياجات. وثمة تحد آخر بين الجنوب والشمال ألا وهو الحدود، فبموجب اتفاق السلام عام 2005 كان من المفترض أن يتم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب خلال ستة أشهر ولكن هذا لم يحدث حتي الآن، فأغلب ثروة السودان النفطية يقع علي الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب وهو ما يجعلها منطقة مضطربة للغاية، فلم يتوصل حتي الآن لاتفاق بشأن تقسيم عائدات النفط الذي يقع معظمه في الجنوب. وليست الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها من يستفيد من كتابة النهاية للصراع بين الشمال والجنوب فالصين هي الأخري تحصل علي 7% من احتياجاتها من النفط الأجنبي من السودان بل وتمتلك حصة تبلغ قيمتها 40% في شركة النفط التابعة للحكومة في السودان فأي قتال علي حقول النفط سيهدد احتياجاتها من النفط. وكثيرًا ما يثار الاتهامات حول افريقيا بأنها لم تفعل كل ما يكفي لمساعدة نفسها ولكن دول الجوار للسودان هي التي عملت بجهد علي مدار خمس سنوات للتأكيد علي حفظ السلام بين الجانبين والاستعداد للاستفتاء. فقادت كينيا المفاوضات التي تمخض عنها نهاية القتال والتوصل لاتفاق السلام لعام 2005، كما استغرق الأمر خمس سنوات من الدبلوماسية المكوكية بين جوبا والخرطوم لوضع جنوب وشمال السودان علي المسار الصحيح، كما وفرت كينيا 35.000 مدرس ابتدائي لجنوب السودان الذي لطالما عاني من الاهمال وانتشار القتال والصراعات، وليس هذا فحسب ولكن أيضا قدمت كينيا بعضًا من أفضل العاملين فيها في مجال الخدمة المدنية لمساعدة جوبا. وما يدعو للأسف هو ما كان عليه الوضع من غياب دور المجتمع الدولي علي الساحة، فالآن فقط بدأت الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من الدول الغربية الأخري في الاهتمام بمشكلة السودان، فحضر الرئيس الأمريكي باراك أوباما اجتماعا رفيع المستوي نظمته الأممالمتحدة بشأن السودان علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المنصرم، فضلاً عن تزايد عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في المنطقة بشكل ملحوظ. كما أن جنوب السودان في حاجة عاجلة لاهتمام متواصل من المجتمع لإجراء استفتاء ناجح وذات مصداقية وهو الأمر الذي يتطلب فيه أفعالاً ليس مجرد كلمات دبلوماسية فهو يتطلب موارد وتمويلاً وخبرة لمواجهة التحديات اللوجستية في تسجيل الناخبين وإقامة صناديق الاقتراع ومساعدة الأشخاص لذهاب للاستفتاء وفرز الأصوات. وتعي كينيا جيدا مغبة فشل السودان في إنهاء الصراع بين الجنوب والشمال، فخلال الحرب الأهلية في السودان اضطرت كينيا لاستقبال 2 مليون لاجئ سوداني وهو ما خلق نوعًا من التوترات العرقية هناك وأثر بدوره علي الاقتصاد لذا فتريد كينيا تجنب العودة إلي القتال والصراع وانتشار حالة من الفوضي فتعاني كينيا من الصومال علي حدودها فهي ليست في حاجة لصومال أخري. وبغض النظر عما ستسفر عنه الأيام المقبلة، فمن الأهمية بمكان أن العالم يحترم إرادة الشعب السوداني وإذا انتهي الأمر ببزوغ فجر دولة جديدة في أفريقيا فلتنعم بالشرعية، فلا يجب أن تكون جنوب السودان هي أول أمة ولدت دولة فاشلة فنحن لا يزال بمقدورنا أن نحول بين وقوع ذلك فقط إذا أولي المجتمع الدولي المنطقة المزيد من الاهتمام خلال الاشهر المقبلة. مدير مبادرة نمو افريقيا بمؤسسة بروكينجز نقلا عن لوس انجلوس تايمز ترجمة - مي فهيم