قال لي محدثي - وهو أحد المسئولين الكبار بالكنيسة بعد مشاهدته لحلقة من البرنامج التليفزيوني «من قلب مصر» الذي تقدمه المذيعة اللامعة «لميس الحديدي» وكنت ضيفاً عليها، متسائلاً كيف تسمح لنفسك بأن تختلف مع قداسة البابا المعظم؟ قلت: كيف تقول هذا.. أنا لم أختلف مع قداسة البابا وإنما اختلافي كان مع وكيل المجلس الملي العام. قال محدثي: ألا تعلم أن المجلس الملي والمجمع المقدس ما هما إلا صدي لصوت البابا.. نعم فلقد أكد قداسته في حديثه مع السيدة / لميس الحديدي بأحد اللقاءات علي الهواء: إننا لا نأخذ قراراتنا بالأغلبية ولكن بالاجماع (طبعاً سواء في المجمع أو المجلس) وبالتالي فاختلافك مع وكيل المجلس هو اختلاف مع صدي صوت قداسة البابا بالطبع. قلت: من فضلك اشرح لي أوجه الاختلاف. قال محدثي: إنك تتهم المؤسسة الكنسية بأنها أحد أسباب عدم مشاركة الأقباط في الحياة السياسية لكونها أصبحت مؤسسة دينية اجتماعية سياسية. قلت: إنه ليس اتهاماً وإنما بحث في مجموع الأسباب التي أدت إلي عجز المشاركة السياسية للأقباط التي يأتي في مقدمتها الدولة التي ظلت لفترة طويلة تأمم العمل السياسي خلال فترة عبد الناصر، ثم تديين السياسة ورفع شعارات دينية في العمل السياسي خلال فترة السادات، وثانيها الكنيسة التي احتضنت أبناءها داخلها وقدمت لهم جميع الأنشطة الاجتماعية والسياسية فضلاً عن التربوية والدينية فأصبح الشاب القبطي لا يعرف سوي الكنيسة لكي يمارس فيها كل الأنشطة الدينية، التربوية، الاجتماعية، الترفيهية وحتي مظاهراته باتت داخل الكنيسة، فمتي وأين يمارس المشاركة السياسية، وثالث الأسباب هو شخصية القبطي نفسه الذي لم يكسر الشرنقة ويخرج ليمارس حتي ولو لاقي متاعب، ولأنه بدون مشاركة لن تحل مشاكله ويعترف بعضويته في الوطن لأن المشاركة لا تمنح، ورابع هذه الأسباب هم شركاء الوطن من المسلمين العقلاء، الذين تخلوا عن واجب الأكثرية في تشجيع الأقلية علي المشاركة وإزالة الخوف من نفوسهم. قال محدثي: كل ما قلته مقبول إلا فكرة أن الكنيسة أصبحت مؤسسة دينية اجتماعية سياسية لأن هذا يخالف ما يقوله قداسة البابا في هذا الصدد، ومن يختلف مع قداسة البابا فهو خارج الإيمان وسيكون مصيره الاستبعاد، أو التهميش أو الشلح (التجريد من الدرجة الكهنوتية) أو الحرم ( الطرد من الكنيسة وممارستها). وهذه بعض الأمثلة: - الانبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات اللاهوتية العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي الراحل، وقد اختلف مع البابا في: 1 - أنه لا يري في زواج الزوج لأخت زوجته المتوفاة أي غضاضة أو مانع لأنها من القانون الروماني والمنع ليس مسيحياً. ثانياً: نقد لائحة انتخاب البطريرك التي أتي من خلالها قداسة البابا. ثالثاًً: الاختلاف في بعض المفاهيم الخاصة بالروح. رابعاً: نقده اللاذع للكلية الإكليركية مستشهداً بالأسقف الألماني هانوفر الذي قال «إذا كان الجامعي أقدر علي الرعاية وتفهم لاهوت المسيح من خريجي الكلية اللاهوتية فإما أن تكون الكنيسة القبطية في حالة احتضار لا تدرك قيمة الرعاية أو أن يكون الأقباط احياء بدون علم اللاهوت». بعدها تم فصل معهد الدراسات القبطية عن اسقفية البحث العلمي أي عزل الانباغريغويوس واستبعد من كل أنشطته وتم تهميشه إلي أن توفي. وهناك الأنبا صموئيل (اسقف الخدمات العامة والمسكونية) الذي استشهد مع السادات في حادث المنصة والذي كان حاصلاً علي أعلي الأصوات في انتخابات البابا البطريرك والذي حصل علي وعد من قداسة البابا بأن من يصبح بطريركاً يعين الآخر نائباً للبطريرك وطبعاً لم يتم تنفيذ الوعد بل همش تماماً واستبعد هو والأنبا اثناسيوس اسقف بني سويف والانبا يؤانس (اسقف الغربية) لأنهم قبلوا عضوية اللجنة الخماسية لإدارة الكنيسة فترة عزل قداسته بدير الأنبا بيشوي. وهناك الأب متي المسكين العالم اللاهوتي الذي لا يمارس والذي تدرس كتبه في الجامعات الأرثوذكسية بالخارج، ومفجر نهضة دراسة الآباء بالكنيسة القبطية فضلاً عن أنه الأب الروحي لقداسة البابا الحالي قبل رهبنته وفي بدايات الرهبنة.. اختلف مع قداسة البابا في بعض الموضوعات اللاهوتية فاتهم بالهرطقة دون محاكمة أو حتي ايضاح ما هي أخطاؤه. قلت لمحدثي: ربما كل أمثلتك تسرد لأشخاص يحملون درجة كهنوتية وبالتالي فله سلطان عليهم. قال محدثي: لا بل أيضاً العلمانيون لم يسلموا من قرارات العزل والاستبعاد والدكتور المرحوم يونان لبيب رزق استبعد فترة طويلة والسبب هو مقال كتبه الدكتور بمجلة المصور قارن فيه بين قداسة البابا والشيخ الشعراوي. ود. وليم سليمان قلادة الذي ظل حتي نهاية حياته مستبعداً وهو الأجدر برئاسة قسم القانون الكنسي بمعهد الدراسات والسبب اتهامه بأنه من تلاميذ متي المسكين وأنه حباً في متي المسكين اطلق علي ابنه اسم «متي». ود. سليمان نسيم أستاذ التربية الذي استبعد لأنه طالب بأن تعود تبعية معهد الدراسات الاسقفية البحث العلمي أي تحت رئاسة الأنبا غريغوريوس، كما طالب بإعادة نظام الأقسام إلي الكلية الإكليركية وإصدار لائحتها التي ما زالت حتي الآن تعمل بدون لائحة كما أنه ليس بها أستاتذة متخصصون كما طلب بإلغاء التشكيل الحالي للمجلس الاكليركي وإعادة تكوينه بناء علي رغابة الشعب والبدء في وضع قانون جديد للمحاكمات يضمن تحقيق العدالة لمن يحاكم أمامه.. فاستبعدف من منصبه وتم تهميشه.. والأستاذة المؤرخة ايريس حبيب المصري لأنها أصدرت طبعة منقحة بعد المراجعة التاريخية واستبعاد الخرافات والأساطير من كتاب السنكسار (حياة القديسين) الذي يقرأ بالكنائس بحكم دراستها التاريخية إلا أن قرار قداسته هو منع توزيع الكتاب وإصدار قرار مجمعي بجلسة 28 مايو 1988 «بأنه لا يجوز أن يقوم أي شخص علماني بعمل سنكسار جديد» كما تم استبعادها من التدريب بقسم التاريخ الكنسي بمعهد الدراسات. ناهيك عن اختلافه مع د. ميلاد حنا والدكتور جورج حبيب بباوي وحرمه بدون اتهام أو محاكمة. قلت لمحدثي: ما هذا الذي تقوله أتريد أن ترهبني لكي لا أتكلم أو أقول الحقيقة؟ قال محدثي: لا توجد حقيقة خارج البابا فلقد أصبح الحقيقة الوحيدة: ألم يقل إنه يقبض علي الكنيسة بقبضة الحق وهو المرجعية الوحيدة والمفكر الوحيد واللاهوتي الوحيد والمؤلف الوحيد، والمعلم الوحيد بل هو أيضاً الكنيسة كما قال عن نفسه في حديث تليفزيوني إنني أنصحك باتباع نصيحة عاموس النبي «لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء». قلت لمحدثي: لا أريد الصمت، لأنني أفهم أن نجاح الأب في تربية الأنباء هو إعداد الأبناء ليستقلوا عنه فكرياً، وكم يفرح قلب البابا بأن يختلف معه أحد أبناءه لأنني لا أشك في أبوته كما أنه لا يشك في بنوتي، وما بين الأبوة والبنوة رباط من المحبة التي تطرد الخوف خارجاً، والمحبة تستلزم الحرية لأنه لا توجد محبة بدون حرية والحرية تقبل الاختلاف وإلا أصبحت عبودية وليست بنوة والله خلقنا إحراراً ودعم فينا الحرية، والحرية هي التي تؤكد صورة الله فينا ولذلك قال يوحنا ذهبي الفم إن «الغاء الحرية يقتل صورة الله».