لأنهم بدأوا لتوهم طريق الإبداع والكتابة، بل وطريق الحياة أيضا، باعتبارهم كتاب شباب، قررنا في "روزاليوسف"، أن نفسح لهم مكانا علي مدار عدة أيام، لنلتقي وقرائنا بهم، نتعرف معهم علي آرائهم وأفكارهم تجاه كتاباتهم، وتجاه حياتهم المعاشة، وعالمهم الأدبي من حولهم، مدفوعون بالرغبة في الاقتراب منهم في عصر ازدحمت فيه الكتابات بشكل، قد يجعل من الصعوبة بمكان متابعتها عن قرب، لعل اقترابنا منهم يفتح لهم نافذة تعرفهم علي القارئ وتعرف القارئ بهم، أو يمثل نقطة إضاءة لهم في مشروعهم الإبداعي. رغم أنه مازال طالبا يدرس بقسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن الكاتب أحمد عوني خرج في مجموعته القصصية الأولي "قلق مزمن" الصادرة عن دار "شرقيات" إلي الحياة العملية، ليعرض لنا في قصصه وضع الطبقة الوسطي في مجتمع يراه شديد الطبقية، وليكتب عن أصدقائه دون أن يرسم ملامحهم الكاملة مؤمنا بأن الكاتب لا يجب عليه أن يظهر في كتاباته بشكل ذاتي، "روزاليوسف" التقت أحمد عوني فكان هذا اللقاء. في رأيك ما الذي يمكن أن يكون مصدرا للقلق المزمن؟ - لا يوجد مصدر واحد محدد للقلق، وإنما تركيبة متكاملة، القلق من المحيط حولك بكل صراعاته، وأن تحاول اكتشاف ذاتك واستقلاليتك وسط حرب شرسة، أن تعيش كابن طبقة وسطي في مجتمع شديد الطبقية لا تستطيع فيه بسبب وضعك أن تكون الفائز أو المهزوم، أن تنتمي سياسيا للطبقات الشعبية دون أن تتمكن من الانحياز بالكامل لهم بسبب أنك مقيد بأعباء طبقتك وأفكارها، ألا تملك في نفس الوقت حلم للصعود الطبقي مثل ما يشبهونك ألا تتمكن من الانتماء لأي مجموعة في المجتمع، وفي نفس الوقت لا تتصالح مع الوحدة، أن تحارب كونك نمطا من أنماط المجتمع، فتبحث عن الاستقلال، وتكتشف في منتصف الطريق أنك لا تفعل شيئا سوي الانتقال من نمط إلي آخر... إلخ. لماذا لا تستسلم شخصيات قصصك لهزائمها رغم يقينها من عدم جدوي المقاومة؟ - يمر الراوي في قصص المجموعة بمواقف صغيرة عابرة، قد لا تكون مهمة لخلق أي دراما، لكن بسبب أن الراوي في مرحلة جدل وأزمة، يكون تأثير الحدث عليه داخليا عظيما، ويطرح عليه أسئلة لا نهاية لها فيلجأ لحل الموقف عن طريق استخدام الفانتازيا بداخله، ولأنه يوقن إنه لا يستطيع التأثير فيما هو خارجه، وأن الوضع القائم لا جديد فيه، يخلق عالما داخليا يكون فيه البطل ويفكر ويتحرك ويحل العقد، وكأن اللجوء للفانتازيا هنا هو تأكيد للهروب والهزيمة. هل شكلت شلة الأصحاب ملامح شخوص أبطالك؟ - في كثير من الأحيان، حتي إن بعضهم ظهر في القصص باسمه الحقيقي، كنت أتحدث عن عالمي الشخصي وشلة الأصحاب جزء من هذا العالم، لم أكن أعني أن أحكي عنهم بقدر وجودهم في القصص كرموز لأفكار معينة قد تتناقض أو تتفق أو حتي تتشاجر مع أفكار ومشاعر الراوي، وعموما أري أن وجود شخصيات حقيقية قريبة مني يخلق في الكتابة حميمية وتوترًا مفيدًا ويجعل محاولة حسم الأفكار والاختلافات والمواقف عن طريق السرد أكثر جدية. هل تعتقد أنه لا حياة للنص دون حضور كاتبه خاصة أننا نشعر وكأننا نقرأ سيرة ذاتية موزعة بين القصص؟ - بالتأكيد، لكن التحدي الحقيقي هو كيف تجعل ذاتك تنصهر في الموضوع، أنا ضد مفهوم حضور الكاتب بشكل ذاتي، علي الكاتب أن يقتطف من سيرته الذاتية ما يتماس مع المجموع من حوله، الخبرات المشتركة والأسئلة التي تسألها بشكل فردي ولكنك بحسك تشعر أن آخرين يسألونها، الفكرة هي الانتقاء حتي لا تتحول نصوصك إلي خبرات شخصية لا تعني أحدًا سواك، وعلي الجانب الآخر ليس من الضروري أن يحضر الكاتب في السرد بشخصه كي نعتبره حاضرا في النص. رغم نجاحك في مس الأعماق الإنسانية، لماذا يبدو الوجود النسائي باهتا؟ - تعاملت في النصوص مع النساء كفكرة مجردة، فالراوي لا يمر بأزمة مع امرأة بذاتها كي أضيف لها ملامح إنسانية، وبالتالي يكون موقفي منها شخصيا وخاصًا، الحقيقة أن الراوي يحاول الهروب من كونه نمطا، يبحث عن ذاته وسط الجموع، ولهذا فهو يسعي إلي تنميط الجميع من حوله، فيتحدث بشكل مطلق عن النساء، المثقفين، الأغنياء، والفقراء، تعامل الراوي مع كل هؤلاء البشر عن طريق التنميط والتجريد كمن يريد أن يوقف العالم للحظات ويحيل البشر إلي تماثيل كي يستطيع هو الحركة والتفكير بحرية. ألم تقلق عند اختيارك "القصة القصيرة" من الابتعاد عن الضوء المسلط علي "الرواية"؟ - لا يقلقني هذا التفاوت في التسليط الإعلامي، فأنا أتعامل مع الكتابة ك"نص" أيا كان قالبه، وربما أنتقل من القصة لكتابة الرواية أو حتي الشعر، لكن هذا مرتبط برغبتي الفنية دون أن تدخل "تجارية الأدب" و"التسليط الإعلامي" في حساباتي، خاصة أن موضة "زمن الرواية" مرتبطة بما يحدث الآن من تسليع للأدب، الآن المكتبات داخل الكافيهات الفخمة والجمهور يقرأ الرواية أكثرًا فلابد لآلة الصناعة الجديدة أن تخلق من كتاب الرواية نجوما، وهذا للأسف يفسد الكاتب الشاب، فمعظم ما قرأته من روايات شابة جديدة في مصر أشعر أنها قصة وتم مد خيوطها لتصبح رواية دون حاجة فنية لذلك. لمن تقرأ ولمن تكتب؟ - تبهرني كتابات ماركيز وخوليو كورتاثر وألبرتو مورافيا، وفي مصر أتأثر بتكثيف لغة إبراهيم أصلان، وجدلية حكي يوسف إدريس، وشعرية كتابات محمد عبد النبي الشابة، لكن تظل أكثر الأعمال المصرية قربا لي ومطاردة لمشروعي هي رواية "ورود سامة لصقر" لأحمد زغلول الشيطي، و"بيرة في نادي البلياردو" لوجيه غالي.