مجدداً أراني أعود لمناقشة موضوع الطاقة وجهود الحكومة المصرية الرشيدة في إطار خطط التعامل مع واقع مستقبلي سيواجهنا خلاله إن لم تكن بدأت بالفعل تحديات توفر الطاقة لا سيما الكهربائية. فخلال الأسبوع الماضي كانت العاصمة الأمريكية تشغي بالاجتماعات وحفلات الغداء والعشاء علي هامش الاجتماعات الدورية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقد جمعتني الصدفة للجلوس بجوار مسئول كبير وكان حديثنا كله حول مصر، ووجدتني اذكر تصريحات لرئيس الوزراء د. أحمد نظيف قالها الشهر الماضي وأكد فيها أن مصر لم تعد بحاجة لقروض البنك الدولي بعد تطور اقتصادها وزيادة حجم الاستثمار بها. وأن كل ما تحتاجه مصر الآن مساعدات في مجال التنمية البشرية، ولكنني صدقت بما ذكره المسئول الأممي الجالس إلي جواري من أن حجم القروض التي حصلت عليها مصرفي العام الحالي وصلت إلي 2.3 مليار مقابل 955 مليوناً في العام 2009 ، واستلفت نظري أيضاً حديث الجالسين حول المائدة عن مشروع توليد الطاقة الشمسية الضخم والذي بموجبه ستضمن مصر ومعها عدة دول عربية شمال أفريقية حاجة دول أوروبا من الطاقة. وهو المشروع الذي ما أن اعلن الاتفاق المصري - الأوروبي حوله حتي سارع البنك الدولي وعلي الفور بتأمين قروض تنفيذه. وبغض النظر عن كون مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة هي أفضل ما يمكن لإنسان هذا العصر الحصول عليه، وهو ايضا ما نشدنا بتفعيله منذ عدة أسابيع، إلا أن تفاصيل المشروع تحديدا ومشاريع موازية متعلقة بتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تطرح تساؤلات وعلي حكومتنا الرشيدة الاجابة عنها، فهذه القروض المليارية في نهاية الأمر ليست مجانية. ولكنها قروض بفوائد سيتحملها المواطن المصري، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن نتساءل عن الفوائد التي ستعم علي هذا المواطن المطحون أصلا، فهل سيحصل المواطن علي حقه من طاقة بديلة نظيفة بسعر رخيص، أم أن مشاريع تخصيص الخدمات المفترض أنها عامة وحكومته ستقضي علي أمل حصوله علي طاقة بديلة بسعر تفصيلي ولم لا فالشمس شمسه وهل سيترك الحبل علي الغارب للقطاع الخاص لإدارة استثمار كهذا ومن ثم الاستفادة منه ومدفوع بتكلفته وديونه وفوائده من جيب المواطن الغلبان! وهل فعلا سيستمتع نفس المواطن بقرار الحكومة تخصيص ملايين من الأفدنة المملوكة للدولة أي للشعب المصري وبدون مقابل أو بطرحها للمستثمرين بنظام حق الانتفاع!، وماذا عن المياه المستخدمة لتوليد الطاقة الشمسية في وقت تواجه فيه مشكلة داهمة في المياه!! هل سيسدد الشركاء الأوروبيون، ودعونا من القول «الأوروبي» بأن المياه الناتجة عن تكثيف المياه المستخدمة لاستخراج الطاقة يمكن استخدامها للشرب وهذه مسألة تحتاج لشرح من المتخصصين في البيئة والصحة فمشاريع مثل تلك بقدر أهميتها الكبري إلا أنها تصبح مجرد «سبوبة» استثمارية عائدها الأكبر يصب في مصلحة المستورد أي الشمال الأوروبي الغني، وأيضًا لصالح المستثمرين بغض النظر عن جنسياتهم. سؤال آخر تفرضه هنا إجراءات بدأت منذ فترة في واشنطون وداخل البنك الدولي حول الأولويات أي توفير فرص العمل في تلك المشاريع العملاقة التي ستتم علي أرض مصر فهل ستثمن حكومتنا هذه المرة الصالح القومي علي ما عداه وتطلب وضع شروط تمنح الأولوية في الوظائف لأبناء البلد، أم سترتدي قبعة الخواجة وتستقدم عمالة وظيفية من الخارج من إيطاليا وألمانيا علي سبيل المثال «كما سمعت هنا». نحن نريد توضيحًا شافيا من القائمين علي صنع القرار في حكومتنا وهو التوضيح الذي نرجو ألا يكون وكالعادة مجرد تطمينات بعبارات مضخمة حول التنمية وبأن القروض المأخوذة من البنك الدولي الذي لا يلقي بالعصافير لصالح مشاريع متنوعة للطاقة، وبأن الشراكة مع الشمال ستعود علي مصر بفرص عمل.. إلخ. نريد إجابات واضحة تشرح تحديدا حجم استفادة المواطن المصري من مثل هذا المشروع الضخم المعروف باسم مشروع الطاقة الشمسية لجنوب المتوسط والأهم نريد تأكيداً علي حصول مصر علي نسبة أساسية من ناتج الطاقة وأنه في حالة دخول القطاع الخاص الاستثماري في المشروع فإن دافع الضرائب المصري بفضل جهود الوزير اللامع يوسف بطرس غالي لن يتحمل فوائد قروض لم تكن موجهة لصالحه في أغلبها، لأنه ببساطة ودون تأمين مصالحنا القومية لن يجد المواطن سوي خفي حنين وترديد ربما أغنية من بقايا الزمن الجميل وهي حلاوة شمسنا، لكن حينها فإنها ستكون حلاوة لغيرنا. * مديرة مكتب روزاليوسف فى واشنطن