تتنوع مصادر الثروة في بلاد العالم وبقدر ما ينتج الشعب وبقدر ما يتقن في إنتاجيته، تظهر آثار النعمة علي أفراد الوطن، وعلي وسائل معيشته، حيث تزدهر الحياة ويعم الناس بالرخاء أو العكس تماما. وفي أشكال وألوان السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدول، هناك أنظمة فشلت، وأنظمة يقل فيها العدل وأنظمة يفترس فيها القوي الضعيف، وأنظمة لا لون لها ولا طعم، وينقلب الناس علي بعضهم كل ساعة وكل يوم، وأنظمة تحاول وتجتهد أن تنظم حياتها وتنظم تشريعاتها، وتسعي لبث روح الطمأنينة والاستقرار بين أرجائها وتسعي لتطوير آليات وأدوات اقتصادها، وإبداع سياسات جديدة تحفز علي الاستثمار وزيادة الإنتاج، وتسعي من جانب آخر بعض الشعوب لتطوير تعليم أبنائها وتهتم بمصحاتها ومستشفياتها وبنيتها الأساسية، وتفزع حينما تري تشوهاً في سلوك بعض أفرادها، حيث إن السلوك العام، هو مرآة للاستثمار، حيث تسعي تلك الدول لجلب مزيد من المستثمرين سواء في صورة سياحة وافدة أو استثمارات مباشرة مقيمة للمصانع والمزارع والخدمات، كل هذه الأنواع والألوان من الأنظمة الاقتصادية التي تلعب في إنشائها النظم السياسية فالعملة الواحدة ذات وجهين، وجه سياسي ووجه آخر متأثر جدا وهو الوجه الاقتصادي. ولعل تلك الأنظمة والألوان نقرأ ونسمع عنها عبر الإعلام المرئي والمقروء، ونطلق علي بعضهما، «نظام اقتصادي حر» و«نظام اقتصادي موجه» و«نظم اقتصادية قافزة»، فهي تجمع ما بين الاثنين، وشبهت بعض الدول بالنمور الآسيوية، والفهود اللاتينية، والقطط الخليجية وبالقطع هذه الأنظمة كلها، هي كتب مفتوحة لمن يريد أن يتعلم، ولمن يريد أن يطور أدوات وتشريعات وسلوك اقتصاد بلاده وشعبه وهذا منوط بالقائمين علي المحفظة الاقتصادية الوطنية، ولكن كل ذلك شيء وما أريد أن أشير إليه اليوم شيء آخر، حيث ينفرد شعب مصر بنوع آخر من ألوان الاقتصاد وهو اقتصاد التراحم والتكافل، فهو الاقتصاد المصري السري، الذي يضخ في شرايين الحياة الاقتصادية المصرية!. هناك فريضة إسلامية واجبة علي كل مسلم في أي مكان بالعالم (الزكاة)، ولكنها فريضة فردية يقوم بها المسلم عن نفسه وعمن يعول وتوجه إلي حيث يري كل حسب القواعد والسنة المحمدية، إلا أن التراحم بين المصريين شيء آخر، التراحم هو الاقتصاد السري في مصر، حيث بالقراءة المتأنية في نشاط الجمعيات الأهلية وأنشطة رجال الأعمال الاجتماعية وبعض الشخصيات القادرة ماليا نجد أن هناك شريانا اقتصادياً فاعلاً وهو التراحم، ويظهر ذلك جليا في أيام ومناسبات شهر رمضان الكريم، وفي أعياد المسلمين (أضحي وفطر) وفي أعياد «الميلاد المجيد وعيد الفصح» والأكثر من ذلك طيلة أيام العام فهذه حقبة «دخول المدارس» وهذه حقبة «امتحانات آخر العام الدراسي» وهذه حقبة «الصيف والعطش»! وهذه حقبة «الشتاء والبرد» وكلها أسباب لسريان الاقتصاد السري في مصر (اقتصاد التراحم)، زادنا الله رحمة بأنفسنا وبشعبنا!.