لو اشتريت سيارة جديدة ، أو مستعملة، في إحدي الدول الأوروبية، أو في الولاياتالمتحدة، وأردت أن تعرف كل شيء عنها قبل أن تشتريها ، فإن ذلك شيء ميسور بمجرد أن تدخل رقم هوية السيارة VIN علي أحد المواقع (carfax.com) وتدفع رسماً معيناً.. في هذه اللحظة سيأتيك تقرير مفصل عن السيارة منذ خروجها من المصنع وحتي تاريخ شرائك لها .. ونوعية الحوادث لا قدر الله التي حدثت لها، والإصلاحات التي تمت بها، وعدد الكيلومترات التي قطعتها خلال تاريخها، وحالتها بصفة عامة.. إلي آخر المعلومات التي يحتاجها المشتري قبل إقدامه علي شراء السيارة .. ولو كنت باحثاً إعلامياً أو صحفياً علي سبيل المثال وأردت تقريراً مفصلاً عن موضوع ما تمت معالجته إعلامياً في أي بلد من بلاد العالم ، فما عليك سوي أن تحدد اسم الموضوع ، ونوع الوسيلة التي تقوم بدراستها (راديو ، تليفزيون ، صحافة ...) وأي تفصيلات أخري تريدها ، توسيعاً للموضوع أو تحديداً له ، وسوف يأتيك التقرير من خلال موقع معين علي الإنترنت في ثوان معدودة Lexis Nexus Database.. ولكن ادفع أولاً واعرف بعدها .. ولو أردت أن تعرف أي إحصائية تتعلق بأي جانب من جوانب الحياة علي سطح الكرة الأرضية ، فما عليك سوي أن تدخل علي موقع قاعدة بيانات معينة Lexis Nexus Statistical Databaseوما عليك سوي أن تدفع رسماً معيناً، وتحصل بعدها علي كل المعلومات والإحصائيات المطلوبة في ثوان قليلة. ولو أردت أن تتعرف علي بيانات أي استطلاع رأي عام تم إجراؤه في الولاياتالمتحدة منذ عام 1935 وحتي وقت قراءتك لهذا المقال .. وأن تحصل علي نسخة من الاستمارة التي تم تطبيقها، والملف الإحصائي الذي تم تحليله، فما عليك سوي الدخول علي موقع Roper Center التابع لجامعة كونكتكت الأمريكية، وأن تدفع الرسم المعلوم، وساعتها يمكنك الحصول علي إجابات عن أكثر من نصف مليون سؤال تم توجيهه إلي الشعب الأمريكي، وتم تخزينه في هذه القاعدة الضخمة. باختصار شديد.. أصبحت المعرفة في الوقت الحاضر سلعة قيمة يتم بيعها وتحقيق مكاسب عالية منها.. وأصبح الجهد المطلوب من البشر هو في إطار التحليل لا في إطار الجمع.. نحن نضيع أكثر من ثمانين بالمائة من وقتنا وجهدنا في تحقيق عشرين بالمائة من أهدافنا.. لا لشيء إلا لأنه لا يوجد لدينا صناعة المعرفة التي بدأها الغرب منذ عقود.. ونحن نحتاج إليها أكثر من ذي قبل.. علي الأقل في هذه المرحلة من حياتنا العلمية والمهنية.