عندما هبطتُ إلي مدينة مونتريال للإقامة بها كان هذا الشخص من أوائل الذين تعرفت عليهم. كان يُعتبر مرجعاً في كل ما يخص مونتريال بعد هجرته إليها قبل عشر سنوات. والحقيقة أنه قد أسرني منذ البداية بخفة دمه وسرعة بديهته وقدرته علي أن يجعلك تعتقد أنك أهم إنسان في الحياة. ساعدني في الحصول علي سكن مناسب وطلب مني ألا أتردد في سؤاله إذا احتجت أي شيء. وأعترف بأنني رغم مصادقتي وتعرفي في كندا علي الكثيرين، فإنني لم أجد مثيلاً لهذا الشاب في التفاني والإخلاص. ونظراً لامتلاكه ورشة لغسيل السيارات فقد سألته بما له من خبرة عن أفضل سيارة أشتريها. لم يتردد في إثنائي عن فكرة شراء سيارة جديدة، فلما سألته لماذا؟، قال: لأنها ستكون مرتفعة الثمن و لن تستطيع أن تعود بها إلي مصر دون أن تدفع رسوماً جمركية باهظة. ما العمل إذاً يا صديقي؟ هكذا سألته. قال: أنت تحتاج إلي سيارة مستعملة حالتها جيدة تستخدمها ثم تبيعها عندما تهم بالرحيل. في اليوم التالي تلقيت منه مكالمة يبشرني فيها بالعثور علي سيارة ماركة أولدزموبيل بحالة ممتازة. وهكذا قمت بشراء السيارة من صاحبها مقابل أربعة آلاف دولار فقط بفضل هذا الصديق الجميل. بعد يومين شعرت بحشرجة في المحرك وهبوطا في السرعة فهرعت إلي صديقي الذي هوّن من الأمر وطلب مني أن أترك له السيارة ليصلحها عند ميكانيكي يعرفه، ثم فاجأني في أريحية تليق به وقدم لي مفتاح سيارته الشيروكي لأستعملها حتي تعود سيارتي. في اليوم التالي عاد بسيارتي وقدمها لي ومعها فاتورة بأربعمائة وثمانين دولاراً، فلما استهولت المبلغ قال لي: يا صديقي أنت في كندا ولست في مصر..هل ظننت أنك ستدفع أربعين أو خمسين دولاراً؟. شعرت بالخجل وقلت له: معك حق. بعد أسبوع بركت السيارة ورفضت الحركة بينما كنت في الطريق لمكتبي، وطبعاً استغثت بالمنقذ الذي حضر علي الفور ومنحني سيارته كالعادة. بعد يومين عادت السيارة ومعها فاتورة بخمسمائة وعشرين دولارًا. لم أشأ أن أبدو ساذجاً مرة أخري فدفعت دون تعليق. وظل الأمر هكذا لمدة ستة أشهر ترددت عليه فيها أكثر من عشرين مرة ودفعت آلاف الدولارات، وصار جلياً بالنسبة لي أنني تعرضت لخدعة وأن السيارة كانت في النزع الأخير عند شرائي لها، لكنني لم أعرف ماذا أفعل. و في إحدي نوبات غضب السيارة وحشرجتها في الطريق قمت بطلب صديقي كالمعتاد لكنه كان مسافراً خارج المدينة. مضيت بالسيارة وهي تعرج أبحث عن ميكانيكي، حتي لمحت واحداً فتوجهت إلي ورشته. ظل الرجل يعمل بكل همة لساعة كاملة ثم سلمها لي ومعها فاتورة بعشرين دولارًا!. نظرت إلي الفاتورة في دهشة وسألته كم المبلغ؟ قال: كما هو مكتوب عشرون دولارًا. قلت في بلاهة: وهل يوجد في كندا تصليح سيارات بعشرين دولارًا؟ فرد في دهشة: ماذا تريد مني بالضبط.. هل تحب أن تدفع مائة دولار؟! قلت له وفي حلقي غصة: إن أقل فاتورة دفعتها كانت أربعمائة دولار. غرق الرجل في الضحك وقال: هنيئاً للنصابين بزبون مثلك.. إن السيارة نفسها لا تساوي هذا المبلغ. عند عودة صديقي طلبت منه أن يبحث للسيارة عن مشترٍ وقلت له إنني سأقبل ربع ما دفعته فيها. وطبعاً لم يكن من الممكن أن يعثر علي مغفل يقبل دفع ألف دولار في مصيبة كهذه!. عرضتها بأي ثمن فلم أجد من يدفع فيها مائة دولار. أردت أن أتركها في الشارع وأجري بعيداً عنها فحذروني من المخالفة لأنها مسجلة باسمي. أخيراً قمت بالاتصال بشركة تقوم بسحب السيارات لوضعها في مقبرة الخردة ودفعت لهم مبلغاً مالياً مقابل تلطفهم بقبولها وتخليصي من هذا الكابوس. أما الصديق فلم أعد أراه بعد أن غابت السيارة التي كانت تربطه.. بفلوسي!.