«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: ما الذي جمع بين الراعي وبهاء وحمدان؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 05 - 2010

الفن يمكن أن يكون خلاصاً لمصر من القبح الذي يهدد كل ما فيها من سوء حظي أن جاءت شهادتي بعد شهادة فاروق شوشة لم يكن الراعي مستريحاً لإجراء حوار معه بمناسبة حصوله علي جائزة الدولة التقديرية كانت لدي جمال حمدان طريقة سرية في الطرق علي بابه حتي يفتحه لا أعرف إن كان الراعي قد عرف جمال حمدان أم لا؟ راهن بهاء علي الجمال كقيمة يمكن أن تخرج مصر من همومها وأحزانها طارد الراعي مقدمات القبح التي طالت بر مصر في أيامه الأخيرة
1- كل هذا البهاء:
كانوا ثلاثة. وأصبحوا الآن من الراحلين. فهل ينطبق علينا المثل الشعبي الذي يقول: ما يبقي علي المداود غير شر البقر. في منتصف شارع هارون بالدقي كان يقع بيت أحمد بهاء الدين. تحته جمعية تعاونية استهلاكية. من ذلك النوع الفاخر. بعده بقليل من نواحي ميدان الجيزة بيت علي الراعي. وإن كنت قد ترددت علي بيت أحمد بهاء الدين أكثر من مرة فإنني ذهبت إلي بيت علي الراعي مرة واحدة ووحيدة لإجراء حوار معه بعد حصوله علي جائزة الدولة التقديرية. ولم يكن مستريحاً لفكرة إجراء حوار معه بهذه المناسبة. ولم يكن محباً أن يدور الأمر حول الجائزة.
في بدايات هارون من نواحي شارع التحرير. كان هناك شارع أمين الرافعي المتعامد والمتقاطع مع شارع هارون وفيه كان يعيش جمال حمدان في شقة من حجرة وصالة من الدور الأرضي. وقد زرته في هذا البيت كثيراً. مخترقاً ظروف العزلة التي فرضها علي نفسه بعد أن دلني علي كلمة السر حتي يفتح لي بابه. من خلال طريقة الخبط أو النقر - كما كان يحب أن يقول - علي الباب.
لا أعرف إن كان جمال حمدان قد عرف الراعي أم لا. وإن كانت بينهما صلة من أي نوع. ولكن كانت هناك علاقة من طراز فريد بين حمدان وبهاء الدين. لا أعرف هل من حقي رواية فصولها وما جري فيها. أم أنه لا يجب علينا نحن الأحياء أن نزهو بنعمة استمرارنا في الحياة. بأن نتجول في ذكرياتنا مع من سبقونا إلي دار البقاء. أعترف أنه كانت هناك مشكلة غريبة وقعت بين حمدان وبهاء.
يبقي لي السؤال: ما الذي يمكن أن يجمع بين هذه الرموز والشموس والأقمار الثلاثة: الراعي، بهاء، حمدان.
يجمع بينهم الكثير. كانوا رموزاً في زمن العلالي وكانت شموساً حاولت مطاردة الظلام قبل أن يحل في بر مصر. وكانوا أقماراً حقيقية في ليل خلا من الليل. يجمع بين الثلاثة كلمة واحدة هي: الفن. كان بهاء محباً ومراهناً علي قدرة الجمال في استخراج أجمل ما في هذه الأمة. وكان علي الراعي يدندن بينه وبين نفسه بأغاني عبد الوهاب. وكان يطارد القبح الإنساني الذي ملأ بر مصر بالجمال. جمال الرواية وجمال المسرحية وجمال القصة القصيرة. وجمال الارتجال المسرحي. وجمال دراما الدم والدموع.
أما جمال حمدان فقد كان له جماله الخاص. فعلاوة علي أنه كان يغني - ولكن لنفسه - الطقاطيق القديمة. فقد كان رساماً من نوع نادر. كان يشغل وقت فراغه - دائماً وأبداً - بالرسم. بورتريهات له شخصياً. بل كان يرسم الخرائط التي يعتمد عليها. وكان يصمم أغلفة كتبه بنفسه، ويكتب الخط العربي الذي تقدم به ومن خلاله بعناوين مؤلفاته. بالفن وحده يمكن أن يكون خلاص مصر الراهنة من كثير مما تعاني منه.
هذا ما جاء في السطر الأخير في شهادتي المرتجلة عن علي الراعي. في ندوة أكثر من مهمة أقامتها لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة عن الراعي بمناسبة مرور عشر سنوات علي رحيله. ومرور تسعين عاماً علي ميلاده. وكان من سوء حظي أن جاءت شهادتي بعد شهادة فاروق شوشة. التي ألقاها بكروانية صوت المذيع. وغزارة إحساس الشاعر بشعر الحياة. وفيض ذكرياته مع علي الراعي. وأسئلته المهمة عن وقائع جرت في حياة علي الراعي. وملأت المسافة بينه وبين الآخرين الذين عاصرهم.
2- الوبر والمدر:
قبل السؤال المهم: لماذا يهجر الدكتور محمود إسماعيل كتابة التاريخ الإسلامي لكتابة نص روائي؟ لي قصة مع هذه الرواية. فقد فوجئت برضا عوض. صاحب دار رؤية يتصل بي. يطلب مني إرسال مخطوطة رواية عنده لكي أقرأها قبل النشر. لسبب بسيط أنني أحد شخوص - وليس أبطال - هذه الرواية. كانت الرواية هي: الوبر والمدر. وكاتبها هو الدكتور محمود إسماعيل. الذي عرفته فترة من الوقت في أوائل سبعينيات القرن الماضي. عندما تجاورنا في السكن في محطة حسن محمد بشارع الهرم. ثم تفرقت بنا السبل. هجرت الهرم إلي مدينة نصر. وهجر محمود الهرم إلي المغرب وعاد إلي المغرب لكي يستقر في المنصورة. بعيداً عن القاهرة. قال لي رضا عوض إن الدكتور محمود إسماعيل هو الذي طلب أن أقرأ الرواية قبل نشرها. وألا تنشر إلا بعد موافقتي عليها.
لن أحكم علي الرواية. وأيضاً أخجل من الكتابة عنها. ما دمت أحد الذين يظهرون من بين سطورها. أنا فقط أعجبني تحضر محمود إسماعيل وإصراره علي أن أقرأ النص قبل نشره. لذلك سأفك فقط لغز العنوان: ما الوبر وما المدر؟ ومحمود إسماعيل أتي بالتعبيرين من ابن خلدون. بالنسبة للوبر يقدم الرواية بما ذكره ابن خلدون عنه:
أعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم؛ إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش. فمن أهل الوبر من ينتحل الفَلحْ من الغراسة والزراعة.. ومنهم من ينتحل القيام علي الحيوان من الغنم والبقر والماعز.. يرعونها لنتاجها، واستخراج فضلاتها.. فكان اجتماعهم وتعاونهم في حاجاتهم ومعاشهم وعمرانهم من القوت والدفء؛ إنما هو بالمقدار الذي يحفظ الحياة، ويحصل بلغة العيش من غير مزيد عليه.
وأهل الوبر أقرب إلي الخير من أهل الحضر؛ لعزوفهم عن الترف وأسباب الشهوات واللذات.. وهم أقرب إلي الشجاعة، قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يكلونها إلي سواهم، ولا يثقون فيها بغيرهم.. صار لهم البأس خلقاً، والشجاعة سجية يرجعون إليها متي دعاهم داع، أو استنفرهم صارخ.
وسبب ذلك أن الإنسان ابن عوائده ومألوفه، لا ابن طبيعته ومزاجه. فالذي ألفه في الأحوال؛ صار خلقاً وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلة.. اعتبر ذلك في الآدميين؛ تجده كثيراً صحيحاً.. والله يخلق ما يشاء.
والبدو أقدم من الحضر، وسابق عليه، والبادية أصل، والأمصار مدد لها.
أما من هم المدر؟ محمود إسماعيل يبدأ ما يخص المدر بتعريف أيضاً من ابن خلدون. فالرجل وهو يكتب روايته الأولي. لا ينسي أنه أتي لكتابة الرواية من أرضية التاريخ الإسلامي. يكتب:
«المدر.. هم أهل البلدان والأمصار.. أهل سكون ودعة.. معاشهم ما فوق الحاجة من الغني والرَّفه.. استكثروا من الأقوات والملابس والتأنق فيها، وتوسعة البيوت، واختطاط المدن والأمصار للتحضر.. وحين تزيد أحوال الرفه والدعة؛ تجيء عوائد الترف البالغة مبالغها في التأنق في علاج القوت، واستجادة المطابخ، وانتقاء الملابس الفخمة في أنواعها؛ من الحرير والديباج وغير ذلك، ومعالاة البيوت والصروح، وإحكام وضعها في تنجيدها.. فيتخذون القصور والمنازل، ويجرون فيها المياه.. ويختلفون في استجادة ما يتخذونه لمعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو معاون.
وأهل الحضر تلوَّثت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق والشر، وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه، حتي لقد ذهب عنهم مذاهب الحشمة في أحوالهم.. لما أخذتهم به عوائد السوء في التظاهر بالفواحش قولاً وعملاً.
ألقي أهل الحضر جنوبهم علي مهاد الراحة والدعة، وانغمسوا في النعيم والترف.. فألقوا السلاح، وتنزلوا منزلة النساء والولدان؛ حتي صار ذلك خلقاً يتنزل منزلة الطبيعة».
3- بيتان في القاهره:
قد لا يعرف الكثيرون ما لم أكتبه عن علاقتي الأولي بصديق العمر جمال الغيطاني والصديق العزيز سمير فريد، كان بيت جمال الغيطاني من أوائل البيوت التي دخلتها. عندما كان يسكن في درب الطبلاوي بالجمالية. وفي فترة قريبة كان بيت سمير فريد من البيوت الأولي التي دخلتها. عندما كان يسكن في عمارة تملكها المحامية الشهيرة مفيدة عبد الرحمن. وظلت صلتنا مستمرة حتي انتقل للسكني في حي الزمالك. في شقة كانت يمتلكها عبد العزيز حسين، - أول وزير للتعليم في دولة الكويت -.
عندما لم تكن لديَّ مكتبة. قرأت معظم قراءاتي الأولي من مكتبة جمال الغيطاني. التي كنت ومازلت أعتبرها مكتبتي. ورأيت مكتبة سمير فريد سواء في بيته القديم في شارع الجيش. أو بيته الأحدث بالزمالك. وبهرني تنظيمها وكونها من أهم المكتبات التي رأيتها لمثقف عام وليس لمجرد ناقد سينمائي. لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟ لأن البيوت التي أدخلها تصبح لها حرمة علي نفسي. كأنها بيتي وأكثر. وأتردد كثيراً عندما أقترب من مناطق الخلاف مع أصحاب هذه البيوت، ولأن الأمر يتصل بخط أحمر في حياتي. لا أستطيع أن أتجاوزه. لا بد من الخلاف والاختلاف. لكن قبلهما لا بد من البدء من الماضي البعيد. وله في نفسي احترام يصل إلي حد القداسة.
هذه الذكريات الجميلة التي لم أكتبها بعد لا تمنعني من الاختلاف معهما حول موقفيهما من قضية التطبيع مع العدو الإسرائيلي. كما تبدت مؤخراً.
4- جمال الغيطاني وسمير فريد:
وما علاقة المعرفة بالتطبيع؟!
استخدم جمال الغيطاني وسمير فريد كلمة الغوغائية كثيراً. استخدمها جمال ثلاث مرات في عموده. «نقطة عبور» في افتتاحية العدد قبل الماضي من أخبار الأدب. واستخدمها سمير فريد مرتين في مقالين بعموده المهم في جريدة المصري اليوم. والذي أحرص علي قراءته رغم اختلافي مع كثير ممن يكتبون فيه. جمع بينهما الدفاع عن عرض فيلم فرنسي وليس إسرائيلياً كما كتب جمال. ولكن مخرجته مجندة في جيش الدفاع الإسرائيلي. بالتحديد مسئولة عن إدارة المونتاج بهذا الجيش الذي لم يفعل سوي العدوان علينا. مرة في فلسطين وثانية في لبنان. وثالثة في سوريا. ورابعة في مصر. لقد وصل ذراع هذا الجيش لضرب المفاعل النووي العراقي.
وبكل أدب وبعيداً عن الغوغائية التي يخشاها جمال. ولا يحبها سمير. أقول له إن المعرفة متاحة وممكنة بعيداً عن التطبيع. وكنا نعرف عن العدو في زمن الحروب العربية الإسرائيلية أضعاف ما نعرفه الآن في زمن الحدود المفتوحة. والسفارات ومكاتب التمثيل المقامة في أكثر من عاصمة عربية. كنا نعرف ولكن تحت شعار: «إعرف عدوك» ولم تتطلب هذه المعرفة إقامة علامات طبيعية مع هذا. إن جمال وسمير يطالبان بالحوار العقلاني بعيداً عن المواقف المطلقة حول القضية. وسؤالي هو: ما الجديد الذي قدمه العدو حتي نعيد النظر في مواقف لا بد من التمسك بها؟ هل قامت الدولة الفلسطينية؟ هل انسحب العدو من الجولان؟ هل أوقف العدو عدوانه المستمر والمتواصل علي كرامة مصر وشعبها؟ ألم يقرأ جمال ويقرأ سمير ما كتبته ولاء الشيخ في الصفحة الأولي من جريدة الدستور صباح الجمعة الماضي عندما أكد مصدر سوداني أن الإرهابي بنيامين نيتانياهو أرسل خطابات خطية لكل قادة دول حوض نهر النيل. يطلب منهم رفض الاستجابة للمطالب المصرية. وما فعله نيتانياهو يبدو مثل قمة جبل الثلج. التي تبدو للعين. لكنها لا تعكس ما تحت الماء.
أغرب ما قاله جمال في وصف المركز الثقافي الفرنسي. من أنه ليس قصراً للثقافة وليس قاعة في إحدي نقاباتنا. كل هذا معروف. ولكن وجوده المركز علي أرض مصر. يتطلب أن يراعي نشاطه مجمل المواقف العامة المصرية. وألا يخدش الحس الوطني. ولا يخترق الإجماع الحقيقي لجماعة المثقفين المصريين. هل يريد جمال أن يعرف وهل يريد سمير أن يعرف أن ما أصابني بالذهول في هذه المعركة؟ هو ما قاله السفير الفرنسي في القاهرة. عندما صرح بأن هذا المهرجان يعرض أفلاماً إسرائيلية منذ دورته الأولي. وهذا العام تنعقد دورته السادسة. ولم يعترض أحد من قبل. ثم يتساءل: ولماذا كان الاعتراض هذه المرة بهذه القوة؟
- إن كان كلام السفير صحيحاً. فلا بد من مراجعة تاريخ هذا المهرجان خلال ست سنوات هي كل عمره. لا يمكنني إنهاء هذه الكلمة من غير التوقف أمام حقول اللغة. لقد استدرجنا جميعاً إلي كلمة التطبيع. وهي كلمة مضللة. لأنها تعني عودة الأمر إلي طبيعته الأولي. الحق لم تكن بيننا وبينهم سوي بحار الدماء. وأشلاء الشهداء. والوطن الفلسطيني المغتصب. ثم إنني لاحظت تناقضاً بين العنوان الثابت لكلمة جمال والمحتوي. عنوانها: نقطة عبور. ولذلك لا يمكن أن تحتوي بداخلها هذا الدفاع عن إقامة علاقة مع العدو الذي ما زال عدواً. وإصراره علي العداء مستمر بين لحظة وأخري.
لا أنسي تحية المخرج والصحفي أحمد عاطف الذي لولا موقفه ما كنا عرفنا ما جري في المركز الثقافي الفرنسي. وفي مهرجانه الذي تقام دورته السادسة هذا العام.
5- عبد العزيز الهنائي:
زار مصر مؤخراً الصديق عبدالعزيز الهنائي، ولأن الطيران البريطاني كان مضرباً. فقد سافر إلي مقر عمله في لندن عبر باريس. اتصل بي وهو يجلس في القطار الذي يقطع بحر المانش بين أوروبا القديمة وبريطانيا. قال لي إنني أجلس في القطار وأقرأ في روايتك: قطار الصعيد. وكان قد قضي أسبوعاً في مصر. قابل فيه أصدقاءه ومعارفه ومحبيه. بعد أن نقل من القاهرة سفيراً لبلاده في لندن. بعد انتهاء عمله في القاهرة. التي قضي فيها تسع سنوات. وهي أطول مدة يمكن أن يقضيها سفير في أي بلد من بلدان العالم. وكنا نناديه «أبو عمر».
وصف الصديق أنا أقصده. مع معرفتي التامة بوصف الصديق الذي أورده أديب فرنسا أندريه مالرو عندما تكلم عن صداقته مع ديجول زعيم فرنسا التاريخي. حينما قال إن الصداقة تعني أن يجلس الصديقان معاً لبعض الوقت ويشعران أنهما متفاهمان في كل قضايا العالم حتي وإن لم ينطق أي منهما بحرف واحد.
عمر صداقتي بعبد العزيز الهنائي يوشك أن يقترب من ربع قرن من الزمان. بالتحديد من سنة 1986. وهذه أول مرة أرويها مع أنني تكلمت معه حولها أكثر من مرة. ولكنه التدوين الأول للحكاية. كانت قد ترجمت لي ثلاث روايات في الاتحاد السوفييتي السابق هي: الحرب في بر مصر، يحدث في مصر الآن، أخبار عزبة المنيسي. فكر اتحاد الكتاب السوفييت في دعوتي لزيارة موسكو للاحتفال بصدور ترجمة الروايات الثلاث، خاصة أن مسئول العلاقات مع الأدباء العرب في اتحاد الكتاب السوفييت إيجور يرماكوف لاحظ أن الروايات الثلاث صدرت متفرقة ونفذت. فأصدرت دار النشر «رادوجا» ومعناها النسر المحلق. وهي الدار التي كانت معنية بنشر ترجمات الآداب الأخري في موسكو. والدار أصدرت مجلداً فيه الروايات الثلاث.
وهكذا جاءت فكرة دعوتي لزيارة موسكو مع صدور الطبعة. ولكن المشكلة كانت عدم وجود سيولة من العملة الصعبة كانت في ذلك الزمان البعيد هي الدولار. وكان الدولار رمزاً للشيطان الأكبر أمريكا، وفوجئ يرماكوف باتصال من قبل سفير سلطنة عمان في موسكو. يعرض فيه أن يتولي تدبير سفري وإقامتي من ماله الخاص. لم يكن يعرفني. ولم أكن أعرفه. ولكنه كان قد قرأ من رواياتي ما دفعه لهذا التصرف. الغريب أن يرماكوف بعد أن أخبرني بالقصة ونحن في الطريق من مطار موسكو إلي فندق «راسيا» كان مضطراً لإبلاغي أنني لن أتمكن من رؤية سفير سلطنة عمان. لأنه تم استدعاؤه إلي بلاده خلال وجودي عندهم. وأخبرني يرماكوف أن نفس السفير قدم تمويلاً لإقامة مهرجان للأعمال المترجمة لتوفيق الحكيم إلي الروسية. وهكذا ظلت القصة معلقة أكثر من عقد من الزمان إلي أن أتي للقاهرة سفيراً لبلاده لدي مصر. ومندوباً دائماً لدي جامعة الدول العربية.
طوال سنوات وجوده هنا في القاهرة رأيت في منزله رموز الثقافة المصرية والعربية. كان لقائي الوحيد - وهذا مجرد مثال - مع الفنان عمار الشريعي عنده. واكتشفت فيه حكاء نادراً. وكانت سلطنة عمان قد أرسلت أربعة شبان للتدريب علي العزف الموسيقي وقد تولي تدريبهم الفنان عمار الشريعي. وهذه الليلة كانت احتفالاً بتمام المسألة.
سفير مثقف يعتبر رهانه علي الثقافة والمثقفين مسألة جوهرية في علاقات بلاده ببلادنا. وعندما زرت السلطنة في العام قبل الماضي. قبل أن تحول ظروفي الخاصة دون تلبية الكثير من الدعوات. هناك تعرفت علي الخطاب الهنائي. الشقيق الأصغر لعبد العزيز. كان عائداً لتوه من لندن، حيث نوقشت رسالته للحصول علي الماجستير في العلوم السياسية. وكان موضوعها: هل أثرت أحداث مذبحة الأقصر في تدفق السياحة البريطانية إلي مصر؟ وقد رجع الخطاب الصحافة المصرية التي تناولت الحادث. والصحافة البريطانية التي دارت حول آثار الحادث سياحياً في بلاد الإنجليز.
6- إليها ياأنا:
حوار لن ينتهي:
قلت لك: الكون ذكر؟/فقلت لي: الكينونة أنثي...
قلت لك: النور ذكر؟/ فقلت لي: بل الشمس أنثي...
قلت لك: أليس الكرم ذكراً؟/ قلت لي: الكرامة أنثي.
قلت لك: الشعر ذكراً؟ / فقلت لي: أن المشاعر أنثي...
قلت لك: أن العلم ذكر./ فقلت لي: المعرفة أنثي.
وقلت لك: الخيانة أنثي!/ فقلت لي: الغدر ذكر!
قلت لك: الخديعة أنثي./ فقلت لي: الكذب ذكر.
قلت لك: الحماقة أنثي./ فقلت لي: الغباء ذكر!
قلت لك: الجريمة أنثي./ فقلت لي: أن الإثم ذكر
قلت لك: البشاعة أنثي!/ فقلت لي: القبح ذكر.
قلت لك: الطبيعة أنثي./ فقلت لي: الجمال ذكر.
قلت لك: الدنيا أنثي./ قلت لي: القلب ذكر.
قلت لك: التضحية أنثي./ قلت لي: الصفح ذكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.