مساء الخير.. سنتناول الليلة ما أثير مؤخرا عن فنجان القهوة المظبوط الذي عرض الرئيس المرحوم أنور السادات أن يقوم بعمله للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وذلك قبل وفاته بساعات، وهنا يهمني أن أتوقف لحظات لأؤكد أنه لا يوجد بين الوثائق ما يؤكد أنه قام فعلا بعمل هذا الفنجان، كما أن شهود الواقعة جميعا أكدوا أن السادات لم يدخل مطبخ مقر الرئيس عبد الناصر في فندق هيلتون النيل في ذلك اليوم، أما حكاية أنه دخل المطبخ لكي يعد لنفسه ساندويتش عسل وطحينة، فهي الأخري حكاية كاذبة لم يقم عليها أي دليل ولم تتحدث عنها أي وثيقة، الوثيقة الوحيدة التي أحتفظ بها هي دي قرب شوية بالكاميرا من فضلك إقرار من مجلس إدارة شركة هيلتون العالمية، ومعها إقرار من المسئولين عن إدارة فرع مصر، أن جناح الرئيس جمال عبد الناصر لم يكن فيه عسل وطحينة في ذلك الوقت. أعود لموضوع فنجان القهوة، هناك قواعد تحكم عملية تقديم القهوة للحكام في مصر بداية من حكم الأتراك، المسئول عن عمل القهوة كان يسمي قهوجي باشا، وهو منصب رفيع ويتسم بقدر كبير من الخطورة، لست أتحدث عن البعد الأمني فيه، بل أتكلم عن مواصفات صنع القهوة ذاتها، إن القهوة المظبوطة مثلا تتطلب موازنة دقيقة بين كمية البن والسكر وحجم المياه في الكنكة ثم الوصول إلي نقطة الغليان ثم الابتعاد لعدة ثوان عن مصدر النيران ثم العودة بالكنكة مرة أخري إلي مصدر النيران، وبالمناسبة نار البوتاجاز أو السخان الكهربي لا تصلح لعمل القهوة المظبوط، الفحم فقط هو ما يصلح، وطبعا أفضل أنواع الفحم هو ذلك القادم من غابات فنلندا، أي خطأ في مراعاة هذه العناصر تهدد بألا تطلع القهوة مظبوطة ويترتب علي ذلك إن من يشربها يصاب في عقله بحالة عدم انضباط ربما تجعله يتخذ قرارات متسرعة تترتب عليها مصائب سياسية كما حدث في عصر السلطان عبد الحميد وربما يتسع لي الوقت لأحكيها لكم في حلقات مقبلة. لا توجد بالطبع مدارس أو جامعات يتخرج فيها قهوجي باشا، بل يتم اختياره بواسطة خبراء بينما هو في مرحلة الطفولة ليكون صبيا، بعدها يكلف بعمل الشاي تحت إشراف أستاذه، وهو عادة يبدأ بعمل الشاي الكشري ثم السادة، ثم بالنعناع، ثم بالقرنفل، ثم الشاي حليب بوسطة ثم ينتقل إلي الشاي حليب ميزة ثم ينتقل إلي مرحلة القرفة والجنزبيل والسحلب ثم يرقي إلي أوسطي قهوجي، وفي النهاية يتم تدريبه علي عمل القهوة المظبوط بعد شهرين علي الأقل من عمل القهوة السادة ثم القهوة الزيادة ثم القهوة علي الريحة.. ثم أخيرا القهوة المظبوط وهي موضوع حديثنا الليلة. ولكن يسبق ذلك كله مرحلة طويلة من البحث والاهتمام، فمن الممكن أن يكون الرئيس السادات هو أعظم من يصنع القهوة في التاريخ ، وربما يكون دافعه لعمل القهوة للرئيس عبد الناصر هو أكثر الدوافع نبلا، ولكن السؤال هو: كيف يضمن سلامة هذا البن وجودته؟ التأكد من جودة البن، ثم الاطمئنان إلي طريقة تحميصه ولعدم ضياع الوقت، سأخصص حلقة للحديث عن الطريقة السليمة لتحميص البن الرئاسي، ثم طحنه إلي أن يتحول إلي ذرات دقيقة، كل ذلك يتطلب عملا دءوبا من كتيبة من البشر المتخصصين، لابد من مصدر جيد لشراء البن، بشرط أن يتم ذلك في سرية، من المحتم ألا يعرف البائع من سيستخدم هذا البن، ثم مرحلة التحميص.. تصبحوا علي خير.