ينقسم المصريون إلي فريقين عندما يقيمون الأوضاع في مصر: فريق مؤيد للحكومة وآخر يناهضها. فالفريق المؤيد والمساند للحكومة يري أن مصر تشهد تغيرات ايجابية علي جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما الفريق المناهض للحكومة فيري أن الأوضاع لم تتغير كثيرا بل لعلها باتت أسوأ من ذي قبل. وفي الحقيقة فإننا في حاجة إلي عيون محايدة نري من خلالها طبيعة التغيرات التي يعيشها المجتمع المصري، عيون نستكشف من خلالها الفرق بين التجربة الحالية والأوضاع التي مررنا بها في الفترات السابقة . لعل أفراد المجتمع يختلفون حول مدي التقدم الذي تشهده البلاد في الآونة الأخيرة. فمؤيدو الحكومة ومناصروها يؤكدون أن مصر تسير بخطي ثابتة في المجالات المختلفة حيث حققت تطورا ملحوظا في مجال حقوق الإنسان والمرأة والبنية التحتية. كما أحرزت تقدما في النمو والاستثمار واستطاعت أن تتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تضررت منها كل دول العالم. والدليل علي هذا الطرح أن المجتمع الدولي اعترف بهذا الانجاز من خلال اختيار أحد أبرز الوزراء المصريين وهو الدكتور محمود محيي الدين مديرا للبنك الدولي. وفي المقابل فإن الجهات التي تتخذ مواقف مناهضة للحكومة تري أن الحريات مازالت مقيدة ومازال قانون الطوارئ حياً يرزق ولا ينحصر تطبيقه أحيانا علي الإرهابيين فحسب بل يتم تطبيقه علي الناشطين والمعارضين السياسيين. ويشير النقاد إلي أن الأحوال الاقتصادية في البلاد في حالة متردية، فأسعار معظم السلع تضاعفت والوقفات الاحتجاجية مازالت مستمرة في ميادين القاهرة، هذا فضلا عن الفساد والبطالة التي صارت واقعا يعاني منه أفراد المجتمع في كل أرجاء المعمورة. لا شك أن الآراء المؤيدة لسياسات الحكومة والمعارضة لها تحكمها الانتماءات السياسية والحزبية والأيديولوجية. فكل فريق يري الأمور من منظور معين وليس لديه القدرة لرؤية الأوضاع من منظور محايد. وهذا الانقسام في الرؤي جعل أفراد الشعب في حيرة من أمرهم حيث صارت الصورة غير واضحة أمامهم. لعل آراء محايدة ترد إلينا من هنا أو هناك تساعدنا في فهم ما يجري في مصر وتبين لنا هل فعلا تمر البلاد بتجربة التغيير. وفي ظني فإن ما يرصده الآخرون يعتبر أكثر صدقا لأنهم يرون الأشياء بعيون محايدة لا تحكمها اعتبارات أيديولوجية أو انتماءات حزبية.الغريب أن هذه التغييرات رصدها صحفي أمريكي يدعي «مايكل دان» في مقاله في مجلة الفورين بوليسي الصادرة في 23 يوليو 2010م تحت عنوان "هل يمكن أن تتغير مصر: مراقبة الأوضاع خلال الحقبتين الماضيتين؟" والسؤال: ماذا قال هذا الكاتب الأمريكي؟ يري الكاتب أن مصر في هذه الأيام أشبه بالبحر الثائر المليء بالأمواج وهي في الغالب أمواج اقتصادية وسياسية واجتماعية. ويستطرد قائلا: إذا نظرنا إلي أحوال مصر السياسية خلال العشر سنوات الماضية فإن المرء لا يصدق التغيرات التي طرأت علي هذه الساحة. لقد كان المصريون منذ عشر سنوات ماضية يحصلون علي المعلومات من خلال الإعلام الحكومي حيث كانت القيود تحاصر مناقشة الموضوعات الحساسة. أما الآن فالصحف المستقلة والحكومية والقنوات الفضائية لا تتردد في طرح القضايا التي كانت ممنوعة. ويبدي الكاتب بعض الملاحظات مفادها أن الصحفيين الشبان ينتشرون في ربوع المعمورة تماما كسائقي التاكسي. ومنذ عشر سنوات كان القائمون علي المنظمات الأهلية كجمعيات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي يتعرضون لمضايقات وكانوا يخشون من الاعتقال وكان آباؤهم يشعرون بالقلق علي سلامتهم. أما في الوقت الحالي فإن الرأي العام بات ينتبه لتصريحاتهم التي لا تجد الصحف والقنوات التليفزيونية غضاضة في نشرها. وبالإضافة إلي ذلك فإن مسئولي الحكومة يسمحون لهم بالتحدث إمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان حيث يردون علي تساؤلاتهم. ومن هذا المنطلق فإن العمل التطوعي اكتسب شرعية واحترام المجتمع ولم يعد يعاني من التهميش. ورغم أن الحكومة قد تعاقب صحفيا أو ناشطا سياسيا إلا أن المصريين باتوا ينظرون إلي هذا التصرف كعمل غير أخلاقي يفتقد إلي العدالة. خلاصة القول إن مصر تشهدا حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا تشهده أي دولة عربية في المنطقة ومن ثم فإن عربة التغيير قد انطلقت وأنها سوف تدهس من يعترض طريقها. كلنا أمل أن العربة تسير في الاتجاه الصحيح وأنها سوف تصل إلي غايتها في الوقت المناسب.