المقاطعة سلاح ضعيف للغاية إذا لم يتوافر لها زخم الأغلبية، بمعني أن المجموعات الصغيرة حين تقاطع العمل السياسي العام مثل الانتخابات النيابية، من باب الاحتجاج علي أوضاع لا تعجبها فانها تكون قد آثرت الانسحاب الفعلي وترك الساحة للآخرين لعجزها عن حشد الأغلبية اللازمة لانجاح المقاطعة، ولو كان لديها الأغلبية اللازمة لانجاح المقاطعة لاستخدمتها في المشاركة والفوز . الأغلبية عامل مهم للغاية لمن يريد التأثير في مجريات الأمور سواء عن طريق المشاركة أو المقاطعة. لهذا السبب ولأسباب أخري أقل أهمية كان قرار حزب الوفد بعدم مقاطعة الانتخابات قرارا صائبا وفي محله تماما ليس لتحقيق مصلحة لحزب الوفد فقط وانما لدعم التحرك السياسي نحو وضع قواعد عادلة ومحترم للعمل السياسي الحزبي في مصر. قلت إن الوفد اتخذ قرارا بعدم المقاطعة ، ولم أقل انه اتخذ قرارا بالمشاركة نظرا لأن الأصل في الوظيفة والهدف هو المشاركة أما المقاطعة فهي انسحاب من الوظيفة والهدف وخذلان لكل من علق آماله علي الحزب أيا كان الغرض في نفسه. تقول التقارير الصحفية إن قرار الوفد اتخذته جمعيته العمومية بعد موافقة 504 أعضاء ومعارضة 407 أعضاء أيدوا مطلب المقاطعة . شارك في الاقتراع 923 عضوا من أصل 1757 عضوا في الجمعية العمومية ممن يمتلكون حق الاقتراع، في حين بلغ عدد الأصوات الباطلة 12 صوتا. يبدو من النتيجة أن هناك جناحا لا بأس به في الحزب يميل الي المقاطعة لكن الأغلبية قررت المشاركة، السلوك الديمقراطي يكمن في مؤازرة المؤيدين والمعارضين لسياسة الحزب التي أقرتها الجمعية العمومية، وهذا ما سوف نعرفه في القريب حين تظهر تداعيات قرار ديمقراطي لا يحظي بالاجماع ولا الأغلبية الساحقة. في أسباب دعمه لمشاركة الحزب قال رئيس حزب الوفد د. السيد البدوي شحاتة إن الحزب سيكون خصما قويا وعنيدا في الانتخابات البرلمانية، ولن يسمح بتزييف ضمير الأمة، من جهته، صرح السكرتير العام للحزب منير فخري عبد النور بأن المقاطعة ستبعد الحزب عن المسرح السياسي لمدة خمس سنوات. أضاف أن المشاركة هي قبول بالنظام الانتخابي الحالي الذي لا نوافق عليه، وأكد أن حزبه يطالب بإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية. ما قاله السكرتير العام يستحق التنويه بأنه رؤية ناضجة ومتطورة للعمل السياسي الحزبي الذي يقبل بحكم الأغلبية ولكنه لا يوافق عليها ومن ثم يسعي الي تغييرها بالطرق الديمقراطية، أي بالمشاركة الايجابية الفعالة في العمل العام. مما يؤسف له المحاولات الرخيصة لتفسير قرار حزب الوفد بأنه نوع من المهادنة أو التطبيع مع الحزب الحاكم، وأزعم أنها محاولات استفزازية رخيصة لأن الحزب الحاكم حزب مصري يقود حركة الاصلاح السياسي بالفعل رغم التحفظات والاعتراضات ورغبة البعض في استبعاده بحجة أنه طال به الأمد في الحكم . لكن الطريقة المثلي لتطوير الحياة السياسية من وجهة نظرنا هي عدم المقامرة بمصالح الشعب دون التأكد من نضج القوي السياسية المرشحة لتبادل السلطة يوما ما. كان حزب الوفد من بين أربعة أحزاب طالبت الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بضمانات لنزاهة الانتخابات، لكن الحزب الحاكم قال إن الضمانات متوافرة في وجود اللجنة العليا المكونة بحكم القانون للإشراف علي الانتخابات وكذلك بوجود إشراف قضائي جزئي ، لكنه قبل ببعض المطالب الأخري مما اعتبره المراقبون تطورا مهما في العلاقة بين الحزب الحاكم وبين المعارضة، ليس من باب عقد الصفقات الانتخابية ولكن من باب ازدياد القناعة داخل أروقة الحزب الحاكم بضرورة المضي قدما في تطوير الحياة السياسية وتوفير مناخ أكثر ملاءمة لتحسين الممارسة الديمقراطية. قال رئيس الوفد إن الضمانات التي أعلنها الحزب الوطني لا تصل إلي طموحات الوفد، لكنها بداية للاستجابة لرأي المعارضة وتحقيق الديمقراطية ومشاركة الأحزاب في القرار السياسي في مصر. ونفي وجود صفقات مع الحكومة أو الحزب الوطني مؤكدا أن الوفد لا تفرض عليه قرارات من خارجه، ولا يتأثر بالإرهاب الفكري ضد أعضاء الحزب الذي يمارسه بعض الناشطين المطالبين بالتغيير من خارجه. ان الضمانة الحقيقية لنزاهة الانتخابات هي حث الناس علي المشاركة والبحث في سبل تسهيل التصويت وليس في طلب المقاطعة وترك الساحة للبلطجية.