نتائج الانتخابات تمثل حتي الآن، وقبل الجولة الثانية.. الإعادة، كارثة لمنظومة كاملة من أصحاب المصالح الذين بنيت منافعهم علي وجود كتلة كبيرة من المنتمين للتنظيم غير الشرعي المعروف باسم الإخوان.. ومن ثم، فإن الصخب الذي سوف يثور حول هذا لن يقف عند حد ردود أفعال الخاسرين المنزعجين.. وإنما سوف يمتد إلي قدر كبير من الدوائر التي تجد في ذلك تحديًا مذهلاً لها. لقد انبنت شبكة مذهلة من المصالح الإعلامية والسياسية علي وجود هؤلاء في البرلمان.. وهذه الشبكة تنهار.. صفحات في جرائد سوف تختفي.. لن يكون عليها أن تتغني يوميًا بقول نائب من هذا التنظيم أو تصريح له.. لن تجد اعتصامًا لنواب علي باب مجلس الشعب.. لن يكون لنفس النوع من النواب أن يخرجوا إلي شاشات التليفزيون ليتحدثوا بصفات اكتسبوها في انتخابات سابقة ويقولون إنهم معارضة.. لن يمكنهم أن يذهبوا إلي السفارات بصفاتهم النيابية أو يستغلوها في السفر إلي الخارج تحت أستار الحصانة. عشرات من الكتاب انبنت مقومات وجودهم علي تتبع أخبارهم.. وتحليل أقوالهم.. ونقل تصريحاتهم.. بل وبناء دراسات عما سمي بالإسلام السياسي المعتدل أو التطور الفكري للإخوان.. لن يكون لديهم نفس الزخم.. لن يتمكنوا من الحديث عن وجود تحٍد لنظام الحكم في مصر مما يوصفً بأنه أكبر كتلة معارضة.. كما لن يمكن لهؤلاء الاقتصاديين الذين تحركوا تحت غطاء الوجود السياسي للإخوان أن يحققوا نفس المكاسب والأرباح التي كانت تتوافر لهم من خلال معلومات يتيحها هؤلاء النواب أو ما شابه. بعض من هؤلاء، بالإضافة إلي نواب تحالفوا معهم، شاركوا في مؤتمرات، ونظموا فعاليات، وكونوا شبكات علاقات، بالاستعانة بصفاتهم في البرلمان المصري.. حلفاء حزب الله.. ومؤيدو سوريا.. ونجوم العلاقات مع إيران.. كل هذا انهار.. ليس لأنه قد تم تدبير ذلك لهم.. ولكن لأنهم لم يلبوا احتياجات ومتطلبات الناخبين فأطاحوا بهم. لقد أقيمت الحسابات علي أن نتائج 2005 تعني أن النظام في مصر يسقط وأنه سوف يتبدل في لحظة، وأن التيارات الجماهيرية الجارفة سوف تقضي عليه وتغير شكل الحكم في مصر.. ومن ثم فإن هناك من اعتقد أن التحالف مع الإخوان سوف يقوده إلي صدر الحكم في مصر.. وأن الإخوان ورقة رهان علي المستقبل.. وها هم يخرجون من الساحة بطريقة شرعية ومن خلال تنافس حقيقي.. لا الجماهير غضبت أو الناخبون قالوا إن هذا يخالف إراداتنا بل إن ما جري هو ما يتسق حقاً مع الرأي العام وتوجهاته. الإخوان ليسوا أغلبية في مصر، كما أنهم ليسوا 20% من الشعب المصري كما ادعت تحليلات ساذجة طوال السنوات الماضية.. هذا تنظيم لديه القدرة علي أن ينظم نفسه.. وأن يحول أقليته إلي ظاهرة إعلامية ولو لم تعبر عن الواقع السياسي.. إن قدرة الإخوان علي حشد بضعة آلاف من الأنصار من دوائر مختلفة لكي يذهبوا إلي دائرة بعينها في لحظة ما للمشاركة في مسيرة لا يعني أبدًا أنهم أغلبية في هذه الدائرة.. هذا شكل مصطنع.. ثم إن ترديد الهتافات والأدعية من خلال مكبرات الصوت في ساعات الفجر وأثناء عمليات الفرز لا يعني أبدًا أن هذا الصخب يعبر عن كل الناس.. فالملايين في البيوت نائمون ولا يتفاعلون مع هذا الموقف المنظم. شبكة المنافع تضررت.. وسوف تزيد مضارها خلال الفترة المقبلة.. ومن ثم فهي في حالة ارتباك وتوتر.. وتريد أن تعيد ترتيب أوراقها.. وحتي تفعل هذا فإنها سوف تعبر عن غضب وتلقي الاتهامات يمينًا ويسارًا.. وسوف تطعن في شرعية العملية الانتخابية وفي نزاهتها.. لأن هذا ضد حساباتها.. وسوف يستمر هذا حين تدرك أن المستقبل لن يكون في صالحها وأن مواقفها تضررت تماماً وأن كل ما كان يقيم أودها لم يعد له وجود. ويقول بعض الناس إن البرلمان المقبل سوف يخلو من المعارضة رغم زيادة عدد أعضائه.. وأعلق علي هذا بأمرين.. الأول هو أن النتائج لم تكتمل بعد.. وأن الإعادة سوف تكشف عن حقيقة صورة مجلس الشعب.. والثاني أن تلك ليست مسئولية الحزب الوطني.. هذه مسئولية القوي السياسية الأخري التي لم تبذل نفس الجهد من أجل أن تكسب أو تعزز مكاسبها. إن الأوضاع السياسية لا ينبغي أن تقام علي منطق التسول وأنه علي الحزب الوطني أن يترك مساحة للآخرين.. إن ترك المساحات هو نوع من التواطؤ.. ويعني وجود صفقات ضد إرادة الناخبين.. ولا تبيح أي قاعدة سياسية في أي بلد في العالم مثل هذا النوع من الأمور.. كما أنه ليس من المقبول أبدًا أن يتم لكي تمنح الانتخابات شهادات نزاهتها من الخاسرين. ثلاث ملاحظات جديدة لابد أن نضيفها في هذا السياق: • الحزب الوطني الذي واجه نقدًا عنيفًا في انتخابات 2005، وقيل إنه لملم شتات أغلبيته بضم المستقلين، انتبه إلي ثغرات تنظيمه ومواقفه وأعاد ترتيب شبكة علاقاته، واختيار مرشحيه، ومن ثم فإنه حصد مقابل الجهد الذي بذله.. وله الحق في ذلك. • الأحزاب التي خاضت الانتخابات في مواجهته لم تكن علي نفس القدر من المسئولية ولم تبذل نفس الجهد، ولم تسع إلي الناخبين بطريقة جيدة، ولم تقدم بدائل، ولم تطرح برامج، ولم تراع شبكات العلاقات الاجتماعية، والأمثلة كثيرة جدًا.. والنتيجة طبيعية للغاية. • لابد ألا نتجاهل أبدًا أن في مصر تيارًا مدنيا صاعدًا وينمو يرفض بالفعل مشروع الدولة الدينية، ويري فيه خطرًا علي مستقبل البلد، وقد عبر هذا التيار عن نفسه في هذه الانتخابات.. فضلاً عن أن نواب الإخوان قد حققوا خسائر مهولة نتيجة لأنهم فقدوا القدرة علي استخدام الشعار الديني ولم يوجهوا الناخبين بعبارة الإسلام هو الحل. www.abkamal.net [email protected]