بقلم : أحمد حجاج انتهت معركة الانتخابات السودانية من رئاسة وبرلمانية وحكام ولايات ومجالس محلية، وكانت بالفعل من اهم الانتخابات التي شهدتها افريقيا في السنوات الاخيرة ولقيت اهتماما محليا وإقليميا بل ودوليا بدرجة غير مسبوقة نظرا لوجود مصالح وايديولوجيات متعارضة من جهات مختلفة. طبعا الاهتمام المحلي كان الاقوي ليس فقط لوجود حزب حاكم قوي ومنتشر إلي جانب احزاب معارضة تقليدية ودينية بعضها تاريخي والاخري علمانية، ولكن هذه الانتخابات تعد بمثابة بروفة لما قد يواجه السودان في اقل من سنة بشأن تقرير المصير لأهل الجنوب طبقا لاتفاقية السلام الشامل لعام 5002 ولكن يبدو ان الجميع قد فضل ان يؤجل ذلك ويتظاهر انه امر غير عاجل ولكل حادث حديث مع انه لايفصلنا عن هذا الموعد الا اشهر قليلة. فكرت احزاب المعارضة كثيرا هل تدخل الانتخابات أم تقاطعها. أعلن اغلبها ان لم يكن كلها في باديء الامر استعداده لخوض هذه الانتخابات وتحدي حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ ربع قرن وخاصة الرئيس البشير وشغلت هذه الاحزاب تحالفا وان كان في رأيي هشا حيث لم يكن يجمعها الا معارضة الحزب الحاكم وكان لكل منها حساباته الخاصة وبالذات الجبهة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب التي كانت تعتبر ان الانتخابات وان كانت هامة، الا انها ليست حيوية بالنسبة لها فالاهم هي يناير 1102 موعد الاستفتاء. وفجأة أعلنت هذه الاحزاب مقاطعة الانتخابات ولذلك يتساءل الكثيرون عن اسباب انسحاب مرشح الحركة في الانتخابات الرئاسة فجأة بعد ان كان قد بدأ فيها بقوة. ومع انه لم يكن متوقعا له ان يهزم الرئيس البشير في معركة الرئاسة، الا انه مع ذلك كانت لديه قواعد لا بأس به تتجمع حولها الاصوات المعارضة للحزب الحاكم حتي انه حصل علي مليوني صوت بالرغم من انسحابه. أما الاحزاب الاخري وخاصة حزب الامة فقد كان الخاسر الاكبر في رأيي ولم تفلح عملية اندماج جناحي الحزب المتعارض في اللحظة الاخيرة. حزب الامة حزب هام وتاريخي وله قواعد شعبية وكان هو الذي يقول الحكم قبل ثورة الانقاذ عام 6891، ولكن هناك اجيالا عديدة نشأت خلال العقود الاخيرة وغير مرتبطة بالاحزاب التقليدية. الملاحظة الهامة هو ان الانتخابات مرت في عمومها بسلام وبدرجة لم يكن يتوقعها اكثر المتفائلين من الطبيعي ان تهتم المعارضة في اي بلد- ان الانتخابات تم تزويرها وان هناك عمليات غش كبيرة لانجاح مرشح معين، ولكن وبكل الموضوعية فان انسحاب المعارضة الجماعي فيما عدا الحزب الوطني الديمقراطي وهو ايضا حزب تاريخي سوادني مثل حزب الامة، واعطي الحزب الحاكم الفرصة والحجة لكي يقول انه لم يعد بعد انسحاب هذه المعارضة في حاجة إلي اي عمليات غش فضلا عن ان غالبية الشعب السوداني حتي ولو كانت غير مقتنعة ببعض سياسات الرئيس البشير والحزب الحاكم، توقن ان البلاد مقبلة علي تحدي هام قد يؤدي إلي انفصال الجنوب ولذلك فهي تخشي من الفوضي التي قد تنجم عن ذلك وتفضل البقاء مع من تعرفه. كان المراقبون الدوليون منقسمين ومع ان بعضهم خاصة الغربيين مثل الرئيس الامريكي السابق كارتر والاتحاد الاوروبي قالوا ان الانتخابات لم ترق إلي المستويات الديمقراطية المعروفة، الا انهم اقروا ان النتائج تعكس إلي حد كبير رغبات الذين صوتوا اما الصحافة المعادية للسودان في الولاياتالمتحدة والغرب فقد اتهمت الحكومة بالتزوير وهاجمت الرئيس اوباما لسكوته علي هذا التزوير في رايها. ولكنها لم تعد مقنعة او مؤثرة كما كانت في السابق اذ ان ممثل الرئيس اوباما الشخصي في السودان شاهد وراقب العملية عن كثب. وقد فوجئت هذه الاوساط ايضا بعمليات العنف التي حدثت في الجنوب والتي راح ضحيتها كثيرون. بل يقال ان الحزب الحاكم قد فوجيء كذلك بحجم التصويت لصالحه فان اعلان فوز الرئيس البشير بنسبة 86٪ قد تكون اقل من النسبة الفعلية التي حصل عليها. هذا الفوز للرئيس البشير لايقوي من موقفه داخل السودان فقط وإنما في مواجهة العالم الخارجي بل والمحيط الاقليمي وخاصة تجاه محكمة الجنايات الدولية التي يصر المدعي العام فيها علي القبض عليه بتهمة الابادة الجماعية في دارفور. والآن إلي التحدي الكبير في يناير1102 يعتقد الكثيرون ان هذا التحدي سيواجه اهل شمال السودان، فقط وهذا صحيح إلي حد ما ولكن سيواجه الجنوبيون ايضا وبدرجة متساوية تجعلهم يتساءلون هل صالحهم بالفعل الانفصال عن السودان وتكوين دولة مغلقة تفتقر إلي الكثير من مقومات الحياة مع وجود صراعات قبلية مزمنة اودت بحياة آلاف البشر قد يتساءلون ايضا اليس من الافضل لهم البقاء في سودان موحد قوي يتمتعون فيه بكل حقوق المواطنة بدلا من المغامرة بمستقبل غير مضمون قد يدفعهم اليه البعض، وهذا بالفعل حاصل نحو الانفصال ولكنني واثق انهم في قرارة انفسهم يعيدون حساباتهم وحبذا لو عمل اهل الشمال وخاصة الخرطوم علي جعل خيار الوحدة بالفعل جذابا. ولكن في النهاية يجب اعطاء الجنوبيين الفرصة الكاملة لكي يصوتوا بارادتهم الحرة في استفتاء يناير 0102 الي جانب ذلك اصبح موضوع انهاء أزمة دارفور امرا ملحا حتي تركز كل الجهود علي موضوع الوحدة. هناك هيئات غريبة عديدة بدأت تعيد حساباتها اذ هي تخشي من تدهور الاوضاع بعد الاستفتاء ليس فقط في السودان ولكن في الدول المجاورة له، ولذلك فإن مجموعة الازمات الدولية وهي مؤسسة هامة في اوروبا نصحت حكومة جنوب السودان مؤخرا بعدم التسرع بإعلان الاستقلال فور الاستفتاء بل الانتظار ثلاث او اربع سنوات حتي يمكن بناء مؤسسات الدولة والتفاوض مع الشمال لان هناك مسائل هامة وحساسة لازالت معلقة خاصة اقتسام الثروة فحقول البترول مثلا هي في الجنوب ولكن انابيب البترول وتنقله عبر الشمال إلي بورسودان. طبعا مصر ليست غائبة وهي تراقب بكل دقة ولا تريد ان تتدخل وعلاقاتها مع الجميع طبيعية ولاتحابي فئة ضد اخري، وارجو ان نستمرفي ذلك وعدم الانزلاق إلي تأييد طرف معين ضد اطراف اخري، ولكن في النهاية كلمة تهنئة إلي الشعب السوداني الذي اقبل علي المشاركة في هذه الانتخابات التي قد لاتكون مثالية ولكنها خطوة تاريخية تحسب له.