عُرفَتْ مصر منذ قدم التاريخ بأنها دولة زراعية، وكانت هي سلة الغذاء للإمبراطورية الرومانية، وكان القمح والشعير والذرة والأرز، هي مصدر من مصادر الثروة لدي المستعمرين الذين استعمروا مصر منذ قدم الزمان، ونحن لا نطالب بأن تعود مصر سلة الغذاء لأوروبا أو لغيرها، ولكننا نطالب بأن نعتمد علي محاصيلنا الزراعية ولو بنسبة 80%، كما جاء في خطاب الرئيس مبارك أثناء أزمة الغذاء العالمية عام 2008، لا أكثر من ذلك!! ولعل من الواجب أن نوضح للشعب بأننا نعيش علي الأقل من 6% من أرض مصر، وليس معني ذلك بأن الأراضي الشاسعة مليون كليومتر مربع «مساحة مصر» - لا تضعنا في مصاف الدول الغنية بالأراضي، لأن اقتصاد الزراعة في مصر يعتمد علي المياه نحن أمام «اقتصاد مياه» وليست اقتصاديات أراض في مجال الزراعة، ومع ذلك، نجد العبث في التخطيط في مصر، بأن أكبر دولة صحراوية وبها فقر مائي، ولديها أكبر ملاعب جولف في منتجعاتها، تعتمد علي مياه نحن في أشد الاحتياج إليها. فملعب الجولف 15 حفرة تكفي المياه المستخدمة فيها لعدد خمسين ألف وحدة سكنية حينما نجد أن هناك حظرًا علي الفلاح المصري في زراعة الأرز والقصب ولا نزرع القمح لأن في ذلك إهدار للثروة المائية، في نفس الوقت الذي تسمح الحكومة بإنشاء ملاعب الجولف في المنتجعات السياحية، والتي للأسف لا يستخدمها أحد - من جانب آخر أي أن تلك الملاعب لا يوجد لها رواد أو لاعبون، فقط من أجل المنظرة، ومن أجل تسويق فيلا علي مسطح صحراوي قيمة الأرض فيها مائة جنيه للمتر من الحكومة، وتباع للمستهلك بعشرات الآلاف من الجنيهات للمتر الواحد، حيث وصل سعر الفيلا ألف وخمسمائة متر في منتجع القطامية إلي ما يقرب من خمسين مليون جنيه (أرقام معلنة)!! ولعل تقرير مجلس الحبوب العالمي الأخير، قد أعلن بأن أكبر دولة مستوردة للأقماح في العالم هي مصر، حيث نستورد 9.5 مليون طن قمح هذا العام حين كانت واردتنا العام الماضي 7.5 مليون طن، ويظهر أيضا في نفس التقرير أن واردتنا العام قبل الماضي كان 5.5 مليون طن - هذا معناه أننا نواجه دمارًا بقطاع الزراعة في مصر!! ونشاهد علي طول وعرض البلاد أراضي زراعية «بائرة» غير منزرعة - لأن هناك حظرًا علي الزراعات ذات العائد الاقتصادي علي الفلاح المصري. والمصيبة أننا نري الحكومة قد وضعت برنامجًا لدعم الصادرات الزراعية - للمصدر، وليس للفلاح المصري!!، هذا العبث في السياسات الزراعية المصرية تتطلب منا بأقصي سرعة وضع تصور لإنهاء تفتيت المساحات الزراعية ويجب علي الحكومة أن تجد وسيلة لتجميع الأراضي علي شكل تعاونيات أو غيرها من سبل وتقديم خدمات للري والتطهير والزراعة والحصد «الجني» علي شكل جماعي وعلي نطاق واسع، مع تعديل في نظم الري من الحياض إلي تنقيط أو الرش وأيضا مع خريطة تركيبية جديدة للمحاصيل مختلفة عما هو قائم اليوم، حيث إن سلة الحبوب يجب أن يعود الاهتمام بها (قمح وذرة وعدس وفول وشعير وأرز وفاصوليا) هذه هي مشكلة مصر الرئيسية تأمين غذاء شعبها!!