لم يعد للمصريين حلم اكبر من ايجاد مشروع قومي يؤمن به الشعب المصري ويلتف حوله يستوعب قدراته ويستثمر طاقاته وتستطيع الحكومة ان توظفها لمصلحة مصر.. فمنذ بناء السد العالي في الحقبة الناصرية لم يتم العثور علي فكرة تشحذ الهمم خلفها رغم الجهود التي بذلتها الحكومات المتعاقبة في البحث عن مشروع كبير تتوحد خلفه الصفوف غير انها لم تفلح لاسباب منها ما يتعلق بالطرح نفسه ومنها مايتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها مصر علي مدي السنوات ال40 سنة الماضية ومنها ما يتعلق بالشخصية المصرية وما طرأ عليها من تغيرات ايديولوجية.. ومما لاشك فيه ان ازمة رغيف الخبز التي تعاني منها مصر وتوفيرا لجموع المواطنين هي اكثر ما يشغل بال الحكومة واكبر تحد تواجهه.. ومن هذا المنطق وشعورا بمسئوليتنا تجاه الشعب المصري وحكومته تطرح الاهرام المسائي في هذا التحقيق تجربة حية تمت في احدي قري محافظة الغربية( كفر سبطاس) لانتاج رغيف خبز يعتمد في مكوناته علي المحاصيل المصرية ويغنينا تماما عن استيراد القمح الذي اصبح صداعا في رأس المصريين حكومة وشعبا نظرا لشدة حاجتنا اليه وعدم قدرتنا علي الاستغناء عنه كمكون رئيسي لرغيف الخبز في الوقت الذي لانستطيع ان نحقق الاكتفاء الذاتي منه علي الاقل قبل عشر سنوات مما بسبب ازمة دائمة داخل الدوائر الحكومية لتذبذب اسعاره تارة.. وانخفاض انتاجه العالمي كما حدث بعد حرائق روسيا وأنارة ثانيه واضراره الصحية( القمح الملوث) وتارة ثالثة وتهدف التجربة الي انتاج رغيف بلدي( خالص) يخلصنا من اسر استيراد القمح ويحرر قرارنا السياسي الذي يظل مرهونا بسياسات الدول التي تتحكم في غذائنا ونستطيع من خلاله ان ننتج قوت يومنا حتي نملك حريتنا.. فهل يصلح رغيف الكرامة ان يصبح مشروعا قوميا لمصر!! الدقيق البديل في البداية يقول الدكتور ابراهيم درويش أستاذ المحاصيل بزراعة المنوفية والباحث الرئيسي لمشروع رغيف الكرامة بدأنا التجربة عام2004 وكان الهدف الرئيسي من ورائها هو السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من رغيف الخبز في ظل الانتاج المتذبذب من القمح الذي يوفرمابين50-60% من احتياجاتنا كل عام كما تهدف ايضا إلي زراعة الأراضي الهامشية المالحة بمحصول الشعير وهو من عائلة القمح أي من العائلة النجيلية لذا فمكوناته أقرب ما يكون إلي القمح وهناك دول كثيرة تعيش علي رغيف الشعير مثل روسيا وليبيا وبعض البلاد العربية والجدير بالذكر أن العرب والمصريين القدامي كانوا يعيشون عليه أيضا. وأوضح أن تجربة رغيف الكرامة تقوم علي خلط نسبة من25 30% من دقيق الشعير بدلا من الذرة وباقي النسبة من القمح أي بمعدل الثلث شعير والثلثان قمحا وأجرينا التجربة بالفعل بإحدي الجمعيات الأهلية بعد ان اجرينا العديد من البحوث وطبقناها علي( كفر سبطاس) إحدي قري محافظة الغربية ووزعنا الدقيق المخلوط علي معظم اسر القرية وقمنا بصناعة جميع أنواع المخبوزات ومنها رغيف العيش العادي ليخرج لنا خبز له خواص ممتازة وطيبة ومقبولة تسويقيا وذات مذاق وجودة عاليين فضلا عن كون دقيق الشعير أفضل من دقيق الذرة ولكن الفرق بينهما أن الذرة محصول صيفي لذا فزراعته لا تعوق زراعة القمح بينما القمح والشعير كلاهما محصول شتوي وبالتالي كان لابد من توجيه زراعة الشعير للمناطق الساحلية والصحراوية لأنها أنسب له فضلا عن كونه يتحمل الملوحة والجفاف ولا يستهلك مياها. وأشار درويش إلي أن التجربة لها شقان أحدهما أكاديمي يتمثل في مجموعة البحوث التي تم إجراؤها علي الشعير واعتمدتها وزارة الزراعة أما الشق الآخر فهو مدني يتمثل في الجمعية التي تبنت تنفيذ المشروع من الألف إلي الياء ووقع علي عاتقها تعريف وتوعية الناس بقيمة الشعير وتسويق الدقيق الجديد, وقد لاقت التجربة نجاحا كبيرا وأعلنا ذلك في مؤتمر حضره العديد من المسئولين والأكاديميين ومازالت هناك أسر كاملة داخل وخارج مصر تعيش علي هذا الدقيق المخلوط ولكي يتم تعميمه لابد أن تأخذ الدولة قرارا بذلك لذا أناشد المسئولين أن يتبنوا هذه الفكرة لأنها الخلاص من مشكلات أمن قومي تهدد مصر باستمرار..ويطالب د. درويش بتعميم التجربة علي مستوي المزارع البسيط ولرسم رؤية يعتمد الفلاح فيها علي رغيف العيش الذي يصنعه بنفسه وليس بالاعتماد علي رغيف المدينة..مؤكدا أن الشعير يمكن أن يصعد بالإقتصاد الزراعي المصري إلي القمة. محصول شتوي ويقول الدكتور عبد الفتاح الزناتي أستاذ الهندسة الوراثية بزراعة المنوفية أنه من الناحية العلمية وبشكل عام ليس هناك أدني مشكلة من إضافة دقيق القمح لدقيق الشعير ولكن بنسب معينة حيث أن الاختلاف بينهما يكمن في نسبة البروتين ومادة الجليادين التي تعطي مطاطية وجودة وعرق لرغيف العيش ونسبتها في القمح أعلي بكثير من الشعبر..مشيرا إلي أن بذور الشعير العادي وقت حصاده تشبه بذور القمح إلا أن نسبة زراعته في مصر قليلة لأنه محصول شتوي مثل القمح وبالتالي من الأولي أن نزرع قمحا فضلا عن أن السائد عن الشعير أنه محصول حيواني وترفيهي علي الرغم من أنه صحيا أكثر فائدة للإنسان. وأكد الزناتي أنه يمكننا زراعة الشعير في المناطق الجبلية والصحراوية القريبة من الدلتا لكونه من المحاصيل التي تتحمل الجفاف والتغيرات المناخية وأيضا في الساحل الشمالي اعتمادا علي مياه الأمطار التي تسقط مرة واحد كل عام. الراعي الرسمي وتقول الحاجة عزيزة شاهين رائدة اجتماعية مشاركة في المبادرة والمتكفلة بجميع الجوانب المالية للمشروع أننا نظرنا لمشروع رغيف الكرامة من عدة زوايا اولهاإجتماعية حيث يناسب الفلاح البسيط وسياسية حيث يمكن تنفيذه بقرار من وزارة الزراعة, واقتصادية لأنه يرحمنا من استيراد القمح, ودينية لأنه رحمة بالناس وله فوائد صحية عديدة وقدمنا للناس نموذجا حيا من الدقيق المخلوط بثلث شعير وثلثي قمح, وكان كفر سبطاس هو منطقة تنفيذ التجربة وأقمنا سرادقا كبيرا جدا يحوي جميع أنواع المخبوزات من عيش شامي وبتاوي وفطائر وعيش شماسي وخاص وغير ذلك من المخبوزات فضلا عن حساء التلبينة وحضر المؤتمر السادة وكلاء الوزارات المعنية ورؤساء الجمعيات الخيرية والأهلية وحوالي15 دكتورا أكاديميا من المتخصصين في زراعة القمح والشعير وعلي رأسهم طبعا الدكتور إبراهيم درويش صاحب المشروع, كما قمنا أيضا بنشر الفكرة بين المصريين في الخارج وهناك بالفعل أكثر من ألف أسرة مصرية تعيش علي هذا الدقيق المخلوط..وذكرت أنها واحدة من تلك الأسر حيث تزرع الشعير في أرضها الخاصة وتطحنه مع القمح بالنسب المذكورة وتعيش عليها منذ2004 أي منذ نجاح التجربة مؤكدة ان الرغيف الجديد غير مكلف وصحي في آن واحد. وتطالب الحاجة عزيزة بضرورة تنظيم برنامج توعية لتوضيح قيمة الدقيق الجديد للفلاح والمستهلك والمزارع وفي الأماكن الراقية علي حد سواءوتضيف أيضا لابد من وجود آليات من وزارات الزراعة والري والتضامن الاجتماعي للمساعدة في نشر المشروع واعتماده وعمل مخابز خاصة لهذه النوعية من الدقيق تسمي بمخابز الكرامة مشيرة الي ضرورة إزالة جميع المعوقات والعراقيل التي تقف ضد تعميم المشروع الذي يمثل بما لايدع مجالا للشك كما تقول النجاة لمصر كلها في ظل الأزمات المتلاحقة التي تمر بها لكونه مشروع النجاح والكرامة بحق. شاهد من أهلها ويقول مسعود عارف موظف أن أسرته عاشت لمدة شهر علي شيكارة الدقيق المخلوط الذي وزع علي اهالي القرية حينما بدأت التجربة ولا أخفي أننا في هذا الشهر تناولنا أفضل أنواع العيش ربما يكون مذاقه مختلفا بعض الشيء عن العيش العادي إلا أنه كان صحيا عنه غير ان الأطفال لم يتقبلوه في البداية كباقي أطفال القرية قبل ان يتعودوا عليه بعد ذلك. .. حلم الاكتفاء الذاتي.. وعندما طرحنا الفكرة علي سهير عبد الوارث ربة منزل أجابت بأنها تتمني لو أن هناك بديلا لأن رغيف العيش البلدي لايصلح للإستخدم الآدمي وليس لدي كل مواطن إمكانية شراء العيش الغالي. ويقول المهندس فايز هاشم العضو المنتدب لشركة مطاحن غرب ووسط الدلتا ان الفكرة تم طرحها منذ سنوات مع أفكار أخري كخلط دقيق القمح بدقيق الأرز ولكن كلها تنفذ لعدم توافر الإمكانات والتجهيزات اللازمة للدقيق البديل.. مشيرا الي أن وزارة التضامن الاجتماعي هي الجهة المنوط بها اعتماد الأبحاث حول تلك الأفكار بمشاركة الشركة القابضة للصناعات الغذائية حيث يقومان بإجراء التجارب علي الدقيق الجديد وتصنيع عدد من المخبوزات والعجائن للتأكد من صلاحيته مثلما حدث مع فكرة إضافة دقيق الذرة للقمح.. مرحبا بأي فكرة جديدة تعتمدها الوزارة وتكون في صالح الدولة والمواطن البسيط. لأصحاب المخابز رأي ويقول المعلم أحمد القماص صاحب مخبز طباقي انه وباقي المعلمين علي أتم استعداد لانتاج العيش بالدقيق البديل مادام سيغنينا عن الاستيراد ويحفظ لنا كرامتنا ويصلح للاستخدام الآدمي فهذا مانتمناه.. مرحيا بالدقيق البديل ويتمني أن يتم إرسال شيكارة لكل مخبز ليتم تجريبه علنا أمام المواطنين للتأكد من نجاح المشروع..معددا الكوارث التي حلت بصناعة الخبز من جراء استخدامهم أقماحا مسرطنة والدقيق المهرب والغرامات الكبيرة المفروضة عليهم وظهور مايسمي مخابز التكتك غير المرخصة والتي تبيع الرغيف بنصف جنيه للمواطن بعد شراء الدقيق من السوق السوداء فضلا عن سوء التخزين للدقيق الحالي وعدم وجود رقابة علي المخازن ولا علي الصنايعية..مطالبا بضرورة إجراء اجتماع عاجل الغرفة التجارية يجمع أصحاب المخابز البلدية والطباقي والمسئولين في وزارة التضامن الاجتماعي وعلي رأسهم الوزير علي المصيلحي للاستماع لشكاواهم ويتفق معه المعلم خليفة خطاب صاحب مخبر طباقي بالمرج مستطردا أنه يعمل بالمهنة منذ أكثر من ثلاثين عاما ويدرك جيدا أن الجمهور يقبل علي شراء وتناول العيش الطباقي المسعر. ب20 قرشا للرغيف لأن العيش البلدي المدعم أبو شلن لا يصلح للاستخدام الآدمي, وعلي الرغم من علم المسئولين بذلك إلا أنهم ضاعفوا علينا الغرامات وتمدنا وزارة التضامن بعدد12 شيكارة دقيق استخراج76 بسعر خمسين جنيها للشيكارة الواحدة, بينما تمد المخابز البلدية بحوالي40 شيكارة استخراج82 بسعر80 جنيها للشيكارة الواحدة, ولا يجد إقبالا من الناس ويباع معظمه بالسوق السوداء والباقي يباع كعلف للبهائم والمواشي, مؤكدا أنه لاتوجد أزمة دقيق إنما لدينا أزمة في تقدير الأمور وعدم عدالة في توزيع الدقيق الذي يذهب في النهاية للماشية.. مطالبا بغلق مخابز التكتك التي تعمل بدون تراخيص ورفعت أجر الصنايعي من50 جنيها إلي150 جنيها مع ضرورة فرض الرقابة عليها. يؤيده في ذلك المعلم محمود حسن صاحب مخبز بلدي حيث يضيف أن أي حل يغنينا عن استيراد القمح ويجعلنا نملك قوتنا فنحن نرحب به ونساعد في نشره حتي لو كلفنا الكثير في بدايته.. فإن نجحت تجربة خلط دقيق القمح بالشعير وخروج منتج مفيد وصالح فنحن أول من ينادي بتعميمه, لكن المشكلة أن في مصر ما يسمي ب مكاتب العمولات وبعض وكلاء الوزارات يحاربون الفلاحين وينادون بالاستيراد لما في ذلك من مصالح شخصية.. مؤكدا أن الأزمة التي نعيشها حاليا بسبب سوء اتخاذ القرارات فبعد الأقماح المسرطنة تم حرق القمح الروسي واضطررنا لاستيراد120 ألف طن من فرنسا بأضعاف الثمن لانقاذ الموقف مؤكدا انه في حالة نجاحنا في صناعة رغيف من انتاجنا مائة بالمائة حتما سنكون أسياد قراراتنا.. ذاكرا بعض المشكلات التي تواجه أصحاب المخابز من فرض غرامات غير عادلة فضلا عن ظهور شركة المصريين التي من المفترض أنها تقوم بتسلام العيش من المخابز وتوصيله للجمهور وهذا مالم يحدث.. متشككا في إمكانية موافقة وزير التضامن علي اقتراح حضور اجتماع الغرفة التجارية للاستماع لشكوي أصحاب المخابز, معللا ذلك بأن الوزير دائما ما يطلق عليهم لقب الحرامية. مرحبا بالشعير.. ولكن ويعقب عبدالله غراب رئيس الشعبة العامة للمطاحن والمخابز بالاتحاد العام للغرف التجارية بأنه يرحب بأي دقيق بديل إذا نجحت التجربة وبأي حل يمكن أن نوفر عن طريقه القمح ونكون في غني عن استيراده ليس هذا فحسب بل اننا علي أتم الاستعداد للمشاركة والمساهمة في إجراء الدراسات اللازمة لاتمام التجربة البديلة مادام من شأنها حل الأزمة, ذاكرا أن هناك دراسة أجراها مركز البحوث الزراعية حول إمكانية خلط دقيق القمح بدقيق الشعير بنسب معينة, ولكن تبقي المشكلة في إمكانية قبول الذوق المصري للبديل الجديد, حيث أن المصري بطبيعته تعود علي أكل العيش الطري خاصة وأن انتاج الدقيق البديل لن يكون بنفس مذاق وجوده الدقيق العادي فليست كل الحبيبات تتقبل الخلط مع دقيق القمح وقد رأينا ذلك عند خلط الذرة بالقمح فكان الناتج غير مرض أيضا للذوق المصري.. وتساءل غراب لماذا لا نتوسع رأسيا في محصول القمح؟ بحيث نعمل علي تحسين قيمته وعلو الانتاجية من سلالات جديدة عن طريق الأبحاث والدراسات ونرفع انتاجية الفدان من18 إردبا إلي22 أردب أو أكثر بدلا من التوسع الأفقي والبحث عن الشعير أو الذرة كبديل للقمح. ويوضح غراب أن هناك مشكلة منذ عام1980 تتلخص في عدم وجود صوامع تخزين للقمح والغريب أننا قبل ذلك العام كنا جميعا في قري مصر لا نستغني أبدا عن تلك الصوامع التي تحافظ علي المحصول حتي يصل لمشتريه والأغرب أن جميع مزارع الولاياتالمتحدةالأمريكية بها صوامع للمحاصيل المنتجة, لكن في مصر مازلنا نخزن القمح في شون ترابية لذا تجد القمح مخلوطا بالتراب والرمل أو المطر وكأن هذا أمر طبيعي لذا لابد من التفكير في استراتيجية محكمة نرتب فيها أولوياتنا وكيفية الوصول بالقمح تدريجيا إلي أعلي انتاجية مقترنا ذلك بالبحوث العلمية والدراسات الميدانية والتطبيقية, مطالبا الدولة بالاهتمام بالبحث العلمي الزراعي لأنه أساس النهضة القادمة. وردا علي اقتراح أصحاب المخابز بعمل اجتماع يجمعهم بوزير التضامن والمسئولين, يقول غراب ان الفكرة ليست مرفوضة خاصة أن همهم في ذلك هو المواطن العادي غير ان هناك تجاهلا لرأي المستهلك, ويضيف: نعم رأي أصحاب المخابز والمصانع والتجار مهم لكن الأهم هو رأي المستهلك النهائي فمن الأحري لنا أن نخلق ثقافة جديدة لدي هؤلاء الناس كي يستطيعوا تقبل الأمور واستيعاب التغيرات التي تحدث حولهم من ارتفاع أسعار الدقيق وبالتالي العيش والتأرجح في ميزان المعادلات الكثيرة التي نعيش في إطارها.. موضحا أن الدولة استطاعت استيعاب أزمة طوابير العيش منذ عام ونصف العام حتي فاجأتنا حاليا الأزمة الثانية بعد احتراق القمح الروسي والاستيراد من فرنسا بأضعاف الثمن وتكلفت الدولة ملياري جنيه زيادة من ميزانيتها لكي تحافظ علي سعر الرغيف العادي للمواطن كما هو مدعم. وجهة نظر بديلة ويقول الدكتور محمود صقر نائب رئيس أكاديمية البحث العلمي: نريد تبني وجهة نظر تقوم علي اعادة اكتشاف محاصيل جديدة أكثر ملاءمة للبيئة المصرية وإلقاء الضوء عليها واستخدام البيوتكنولوجي لتحسين الصفات الغذائية في محصول ما( قمح أو ذرة أو أرز أو شعير). وذلك أسهل وأوفر بكثير من أن أجعله يتحمل الجفاف والملوحة أو أن يروي بمياه البحر.. لذا عندما فكرنا في تبني محصول الشعير وإجراء الأبحاث المتصلة به كان بهدف تحسين قيمته الغذائية للاستفادة منه لاسيماوأنه يلائم البيئة المصرية ويتحمل الظروف القاسية وإنتاجه وفير فيكفي حاجة السكان. وأضاف أن مصر من الدول ذات المخصصات المائية المحدودة جدا في ظل تزايد عدد السكان الذي يتوقع أن يصل إلي الثلث في عام2025 أي نحتاج قبل أن نصل لهذا العام أن يكون انتاجنا ايضا زاد الثلث لكي يكفي في الوقت الذي يعاني فيه الجيل الحالي أصلا من فجوة غذائية بمقدار50%.. لذا فكرنا في الشعير ذلك المحصول الاستراتيجي الذي يتميز بقيمة غذائية عالية ويمكن زراعته في أماكن الملوحة وتحمل الجفاف وتغير المناخ ولا يستهلك مياها ويمكن زراعته في مصر بالساحل الشمالي الغربي وفي سيناء. وأكد أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن القيمة الغذائية للشعير تفوق القمح بكثير من حيث الألياف والمعادن والحديد ومحتواه من الانزيمات المفيدة جدا لصحة الانسان.. ولكن عيبه أننا لا نستطيع أن نجرد الكثير من أنواعه من غطائها كما في القمح وأيضا تجد أن نوعية الدقيق الناتج ليست بنفس مذاق دقيق القمح وليس لعجين الشعير نفس قوام وعرق دقيق القمح مما يؤثر علي الصناعات الغذائية التي تتطلب مواصفات معينة للمخبوزات علي وجه الخصوص, وهذا ما دعا إلي فكرة خلط دقيق بالشعير لحل تلك المشكلة. وأرجع صقر سبب عدم انتشار زراعة الشعير في مصر رغم قيمته الغذائية العالية, إلي أنه اقتصاديا ليس له سعر في السوق العالمية وعائده قليل وكذلك صناعاته.. لذا قام العلماء باستنباط سلالة مهجنة جديدة من الشعير ذي الجودة العالية وهو الشعير العاري غير المغطي. فجوات وحلول ويستنكر د. صقر ان بلدا بحجم مصر في ظل موارده المحدودة للمياة وتعرضه لفجوة غذائية والاتجاه للاستيراد, كيف له ونحن في عام2010 أن نستخدم طرقا بدائية في الزراعة والري ويكون المحصول الرئيسي فيها هو الأرز؟! ويتساءل أيهما أقرب للمنطق زراعة الموز الذي يحتاج لمياه مستمرة أم زراعة النخيل مثلا الذي يلائم البيئة المصرية ويدخل في العديد من الصناعات ويعيش علي أبسط الأشياء؟! مؤكدا أن المياه الموجودة بمصر تكفي للزراعة والري وتحقيق الاكتفاء الذاتي إذا تم الاعتماد علي تلك المحاصيل التي نعيد اكتشافها من جديد وتحتوي علي كل القيم الغذائية. مشيرا إلي أن الشعير يحتاج لمزيد من الدراسات والبحوث لتحسين خواصه وقيمته الغذائية بشكل أكبر وهذا متاح لنا وقد يكون منجاة من الكارثة أما أن نبحث عن محصول يروي بمياه وندرس كيفية زراعته بمياه مالحة فهذا مالا نقبله أو نصدقه ومستحيل وإذا صح فسيكلفنا الكثير والكثير والا لم تكن هناك دواع للصراعات حول مياه الأنهار ومنها نهر النيل إذا صدق الزعم أن البحر يمكنه أن يحل محل النهر في الزراعة.. ومن هنا يجب أن نعي جيدا أن الحرب القادمة هي حرب مياه ولابد أن نكيف أنفسنا علي تحقيق الاكتفاء الذاتي بأقل موارد مائية ممكنة وذلك بالبحث عن محاصيل مناسبة للبيئة المصرية ثم تحسين القيمة الغذائية لها فهذا أسهل وأبسط وأرخص بكثير من غيرها.. محبذا بعض المحاصيل مثل التين والزيتون والنخيل والشعير وبجانبهما تربية الجمال فكما نعلم جميعا فإن الجمل يتحمل العطش والعمل لمدة طويلة. الساحل الشمالي.. يكفي ويقول إبراهيم فاضل خبير جغرافي: لو نظرنا للساحل الشمالي من إقليم مريوط شرقا وحتي حدودنا مع ليبيا غربا سنجد مساحة تقدر بحوالي نصف مليون فدان فلماذا لا تزرع بالشعير كما حدث قديما خاصة أن الشعير ينمو علي أقل كمية مياه متحملا ظروف البيئة القاسية؟!.. وإذا نظرنا أيضا علي حدود مصر الشرقية من رفح إلي العريش نجد المياه الجوفية والأمطار الشتوية, ومن ناحية أخري يتميز الشعير بقيمة غذائية أعلي من القمح فماذا لو صنعنا رغيفا مكون من40% قمحا و60% شعيرا وذلك يوفر لنا بلا أدني شك كميات هائلة من القمح والأسمدة والمياه ويكفي الاستهلاك المحلي فضلا عن كونه غذاء صحيا ومفيدا. وفي تلخيصها لنتائج بحث ماجستير عن روما وضريبة القمح المصري, تقول أسمهان أبو الاسعاد معيدة بآداب المنصورة أننا نستورد أقماحا سامة والتاريخ يؤكد أن مصر كانت سلة غذاء روما. مشيرة إلي أن المقصود بالغذاء في العالم القديم هو الخبز المصنوع من القمح أو الشعير, وعلينا ملاحظة أنه كلما ارتفع مستوي المعيشة والتقدم الحضاري للشعوب فضلت خبز القمح.. ومعلوم ما للقمح كسلعة استراتيجية من أهمية قصوي في وقت السلم والحرب, حيث لا تجود زراعته سوي في أماكن محددة في العالم القديم كانت مقصورة علي الأودية الطميية التي تعتمد علي الري النهري في الزراعة مصل مصر, أو الاقاليم التي تتبع مناخ البحر المتوسط والتي تتميز بسقوط الأمطار بقدر يسمح بنمو الحبوب مثل إيطاليا وشمال إفريقيا. وبالطبع كانت تفضل الزراعة النهرية لأن تذبذب كمية الأمطار أو الجفاف يمكن أو يسبب مجاعة أما الزراعة النهرية فهي أقرب إلي الثبات. وأوضحت أن مصر كانت أهم الدول التي تزرع وتنتج القمح بكميات كبيرة وقد فطنت كل امبراطورية ناشئة في العالم القديم لأهمية مصر وغني موارها الطبيعية وموقعها الفريد وسهولة النقل منها وإليها.. ومن يملك مصر يملك مفاتيح الثروة والقوة في العالم القديم لذلك كانت مصر مطعما للغازين والمحتلين من فرس ويونان ورومان وغيرهم علي مر العصور. وأضافت أسمهان أنه من المثير للسخرية هذا والتناقض العجيب فبينما اشتهرت مصر قديما بأنها سلة غلال روما, واصبحت الآن لاتزرع سوي أقل من نصف احتياجاتها من القمح والباقي تستورده من الولاياتالمتحدةالامريكية وهو ما سيهدد الأمن القومي المصري يوم ما وخلصت أسمهان إلي أنه إذا قارنا الحاضر بالماضي فيمكن استخلاص بعض الدروس المستفادة التي تساعد في حل مشكلات الحاضر, فلماذا لايصنع الآن المصريون الخبز المصري القديم, وهذا الحل ممكن أن يقي مصر علي الأقل من استيراد القمح من الدول الأخري وأخيرا.. فمصر التي كانت تطعم العالم في استطاعتها أن تكفي احتياجاتها من الغذاء!! والحل في أيدينا فهل نترك بلادنا تخضع لسيطرة إقتصادية خارجية أم نحارب من أجل وجود حلول بديلة؟!.