الإنسان، ذلك المخلوق المليء بالإدراك والتمييز والحرية والاختيار والطاقة والحركة والانطلاق والسيطرة والتسخير والبحث والإبداع والعبقرية، هل هذه المزايا التي حظي بها الإنسان من بين جميع المخلوقات جعلته يعرف أصله؟ أو من أين أتي؟ ولماذا أتي؟ وإلي أين يمضي؟ هل عرف هذا الإنسان نفسه؟ وهل فهم نفسه؟ وهل عرف لماذا هو هنا فوق سطح هذا الكوكب؟ وهل عرف لماذا جاء أو جيء به؟ وهل عرف إلي أين يصير؟ وهل يهمه أو يفيده في شيء أن يعلم كيف جاء؟ ولماذا جاء؟ وإلي أين يصير؟ وهل يضره شيء لو لم يعلم؟ وهل يضره شيء لو علم؟ وهل ينتفع بشيء لو علم؟ وهل ينتفع بشيء لو لم يعلم؟ وهل تلك المزايا التي حصل عليها أدخلت إليه الغرور؟ أم أن تلك المزايا وجدت لاختباره؟ وبالتالي هل هو مغرور ممتحن؟ وهل استمد غروره من حريته؟ إن أجوبة كل هذه الأسئلة قد قادت الإنسان حتما إلي الاعتراف في بادئ الأمر بأن هناك إلهاً خالقاً للإنسان وللكون من حوله، ولكن الناس انقسموا إلي قسمين: القسم الأول: الفارون إلي الله: هؤلاء القوم آمنوا بالله بالوراثة، صدقوا بأن هناك إلهاً خلقهم ورزقهم وأنهم سيعودون إليه بعد الممات ليجازيهم علي إحسانهم بالجنة ويعاقبهم علي إساءتهم بالنار، ثم جعلوا الله متكأم وسندهم وملجأهم، لا يهتمون بشيء في الحياة لأنهم يعتقدون أن الله يمدهم بالطعام والشراب والأموال وهم نائمون في بيوتهم علي فرشهم لا شيء يزعجهم لا شيء علي الإطلاق، فهم يرددون ليل نهار مفرداتهم المعهودة: خليها علي الله اللي عايزه ربنا هيكون ربنا عايز كده اللي من نصيبك هيصيبك كله علي الله ربنا الرزاق كله بإرادة الله اجري بابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش محدش يقدر ربك يفرجها يمنع إرادة الله ربك مش رايد ارمي حملك علي الله محدش بياخد غير نصيبه هذا أمر الله. فألقوا بباب الله بلواهم وآمالهم وعجزهم وكسلهم وتخلفهم وجهلهم وفشلهم وسقوطهم وتراجعهم وخذلانهم وضعفهم واستسلامهم وخنوعهم وذلهم، ومنذ أن خرجوا إلي الحياة وهم منتظرون أن تفتح لهم أبواب السماء فتهبط عليهم البركات، أو تنشق لهم الأرض فتخرج لهم الخيرات، فهم منتظرون حتي الممات، فالله لديهم يحب المرض والمرضي، والفقر والفقراء، والمسكنة والمساكين، والحاجة والمحتاجين، والذل والمذلولين، والجراح والمجروحين، والعزلة والمنعزلين، والانكسار والمنكسرين، والهم والمهمومين، والحزن والمحزونين، والإفلاس والمفلسين. فهم واثقون تمام الثقة بأن هناك إلهاً خالقاً لهذا الكون ومدبراً له وإليه سيؤول مصير الخلائق حتما وأنهم سيموتون، فإن لم يحظوا بالنعيم والخيرات والمناصب والأموال في هذه الدنيا فحتما سيحظون بها بعد الممات، لأنهم صبروا علي الفقر والمرض والذل والحاجة!! ولم لا؟ والله كما يرونه له المشيئة المطلقة والإرادة المطلقة ونحن البشر ليس لنا من الأمر شيء سوي التقلب بين إرادة الله ومشيئته. وغداً الفرون من الله