المعارض المصري لا يعارض السلطة بل يعاديها، هو ليس مختلفا معها لقضية ما بل هو ضدها، وهو في معاداته لها، لا يسعي لترشيدها للاستفادة من ثمار ذلك بل هو يحلم بأن تزول من الوجود، وهو في ذلك ليس معبرا عما يشعر به كإنسان فرد فقط، بل هو صادق مع نفسه ومع جماعته وهي الجماعة المصرية، اي ان كراهيته للسلطة هي كراهية عامة نابعة من عادات تفكيرية مكتسبة تحولت الي تفكير طبيعي سائد. هذه العادات التفكيرية التي وصفتها بأنها مكتسبة، اكتسبها عبر آلاف السنين من الحكم الاجنبي فتحولت الي صفات موروثة، هناك قوتان فقط علي أرض الوادي، الحكومة الاجنبية والشعب المصري، حكومة اجنبية تشعر انها تستحق ان تحلبه الي آخر قطرة، لتميزها وحسن طالعها الذي رزقها بهذا الشعب، وشعب مغلوب علي أمره عاجز عن الثورة علي حكوماته الأجنبية والتخلص من حكمها، هكذا تراكمت بداخله كل العوامل التي تجعله ضدها علي طول الخط، وفي نفس الوقت - وكوسيلة لحماية نفسه - عليه ان يتظاهر بغير ذلك، بل عليه ان يسعي لطلب القرب منها والاستفادة من مظلتها القادرة علي حمايته من عوادي الزمن، وهو السلوك الذي نراه بوضوح في النماذج التي تتمكن من ترك الصفوف الخلفية والتقدم الي الامام في جبهات كثيرة، وهم من نسميهم اختصارا بالمثقفين. ولكن المصريين يحكمون أنفسهم الآن.. نعم.. منذ متي؟ منذ حوالي نصف قرن فقط، اسمح لي أن أقول لك، وأنا اعرف انك ستختلف معي بشدة، نصف قرن من الزمان ليست كافية لتغيير جهاز المصريين النفسي الجمعي، موقفهم من السلطة هو نفس موقفهم الذي ساد لآلاف السنين، كراهيتها، والرعب منها، والحلم بالتخلص منها جملة «الواد ده بتاع السلطة» هي من أشهر الجمل التي تقال في مقاهي المثقفين، تقال لك لكي تحترس منه. كل ما قلته لك حتي الآن أمور طبيعة وان كانت سلبية، أما الأمر الخطير حقا فهو السؤال: لنفرض جدلا ان المصريين مازالوا يشعرون بأنهم محكومون بحكومة أجنبية، فهل حكومتهم المصرية، التي هي منهم، وكان أفرادها يوما ما أطفالا يلعبون في حواريهم، هل حكومتهم المصرية التي حكمتهم منذ خمسين عاماً فقط، تشعر بعواطف نفسية مضادة؟ يعني هل هي أو أفراد فيها «توحدت» بالأجنبي ورغبته في الاستمتاع علي حساب الشعب الذي شاء له حسن طالعه، أن يشترك في حكمه؟ الاجابة صعبة، وحتي لو كانت بالايجاب فما هي الطريقة الأكيدة لازالة هذا النوع الخطر من الموروث النفسي، الذي يحول المسئول في الدولة إلي شخص لا يكن احتراما حقيقيا للبشر، ويدفعه للتفرغ للاستمتاع بما يجلبه عليه منصبه؟ في اللحظة التي يتحول فيها شخص ما إلي رمز لسلطة ما، يبدأ المصريون علي الفور في إعلان كراهيتهم له، هذا هو بالضبط ما حدث مع الدكتور البرادعي، في البداية كان حلما وفي اللحظة التي تحول فيها إلي سلطة محتملة بدأ كل هؤلاء الذين قابلوه في المطار يهاجمونه، اسامة الغزالي حرب، مثقف ليبرالي تمكن من الحصول علي حزب، هذه مرحلة الحلم، بعدها تبدأ مرحلة السلطة التي يكرهه عندها اعضاء حزبه، وهو ما يحدث الآن، عدد من أعضاء الحزب يجمعون التوقيعات الآن لسحب الثقة منه.. إسراء عبدالفتاح، الشابة التي مثلت حلما للشباب يوما ما، والتي صنعت حركة 6 أبريل، فصلها اعضاء جماعتها لأنها تحولت لسلطة بعد أن دعتها السفارة الأمريكية لحضور العيد القومي.