تقول القصة القديمة التي ظهرت في القرن الماضي لتشرح ببساطة عيوب الرأسمالية إن الفساد السياسي هو (عندما تلهو الرأسمالية بالقوي العاملة، وتكون الحكومة نائمة في سبات عميق، يصبح الشعب قلقا تائها مهملاً تماماً، ويصبح المستقبل غارقا في الجوع والقذارة).. أما كيف وصلت القصة الرمزية إلي تلك النتيجة التي تبدو صارخة، فلنبدأ من البداية حينما كان الولد الصغير يتصفح العناوين الكبيرة في الجريدة ولم يفهم معني الفساد السياسي، فسأل والده: ما معني الفساد السياسي؟ فأجابه: كيف أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذه السن أن تفهم هذا المصطلح.. ثم أخذ يفكر قليلا وقال لابنه: لكن دعني أقرب لك الموضوع.. أنا أصرف علي البيت لذلك فلنطلق علي اسم (الرأسمالية).. وأمك تنظم شئون البيت لذلك سنطلق عليها اسم (الحكومة).. وأنت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم (الشعب).. أما أخوك الصغير هو أملنا فسنطلق عليه اسم (المستقبل).. وأخيرا الخادمة التي عندنا فهي تعيش مما نعطيها من أجر مقابل عملها فسنطلق عليها اسم (القوي العاملة).. اذهب يا بني وفكر عساك تصل إلي نتيجة.. وفي الليل لم يستطع الطفل أن ينام، ولم يكن قد فهم شيئا من رموز أبيه الصعبة. فنهض من نومه قلقا وإذا به يسمع صوت أخيه الصغير يبكي.. ذهب إليه فوجده جائعا ويحتاج إلي تغيير حفاضته.. ولما ذهب ليخبر أمه، وجدها غارقة في نوم عميق ولم تستيقظ رغم محاولاته.. وتعجب أن والده ليس نائما بجوارها!! أخذ يبحث عن أبيه في كل أرجاء البيت فلم يجده.. ولما نظر من ثقب باب غرفة الخادمة، وجد أبوه هناك.. وفي اليوم التالي، كان الولد قد فهم تماما معني الفساد السياسي وأدرك مفهومه.. فقال لأبيه: لقد عرفت يا أبي معني الفساد السياسي.. فأجاب الوالد: ممتاز.. وماذا عرفت بالضبط؟ قال الولد: عندما تلهو (الرأسمالية) ب(القوي العاملة)، وتكون (الحكومة) نائمة في سبات عميق، يصبح (الشعب) قلقا تائها مهملاً تماماً، ويصبح (المستقبل) غارقا في الجوع والقذارة. وبالرغم من انقضاء عقود علي ظهور تلك القصة التي كان وراءها المعترضون علي الرأسمالية وبعض الاشتراكيين والماركسيون الجدد، لا تزال القصة وكأنها جديدة.. ولا تزال رموزها باقية وتفسيرها صالح للتطبيق.. والحال كما هو عليه في لهو أصحاب المال بحياة الفقراء ومشاعرهم وخيالهم وأحلامهم بل وطموحاتهم.. كما أن الحكومة المتزوجة من الرأسماليين الجدد تنام كثيرا نوما ثقيلا فلا تدري بأحوال الشعب ولا بحاضرهم ولا بمستقبلهم.. والشعب كالولد الصغير مازال حديث العهد يبحث هنا وهناك عن أمه وعن أبيه ويري المستقبل باكيا في أخيه الأصغر فتزداد حيرته ولا يستطيع التصرف بل يبقي مجرد مشاهد لما يحدث حوله. ولكن القصة بكل ما فيها تبدو أكثر بساطة بكثير مما يحدث في واقعنا المعاصر الذي زادت فيه القوي وتشابكت المصالح وقل الوضوح وانعدمت الشفافية.. نحتاج قصة جديدة أطول وأعمق وأكثر تفاصيل لتعكس حقائق زمننا.