الحركة الدرامية في مصر بوجه عام ليست في أفضل أحوالها، بل لعلي لا أتجاوز الحقيقة عندما أقول إنها مصابة بنوع من فقر الدم الإبداعي الحاد مما يهدد بفقدانها دورها الذي مارسته لعقود طويلة، ذلك الدورالذي ساهم في إثراء حياة المصريين بما كان يبعثه فيهم من بهجة وتأهيل عقلي وروحي وإحساس بالوحدة، وهو ذات الدور الذي قامت به في ترسيخ مكانة مصر في قلوب سكان المنطقة العربية. وبالحركة الدرامية أنا أقصد أولا المسرح ، ثم السينما ثم ذلك الوافد الجديد وهو التمثيلية التليفزيونية، هذا هو نهر الدراما العريض الذي يستحيل جريانه بغير أن يبدأ بالمسرح، إنه المعلم الأول لكل من يريد الإبحار في كل الفنون الدرامية الأخري. بالطبع نحن نجد أحيانا عرضا مسرحيا جيدا أو فيلما أو مسلسلا دراميا، غير أن ذلك يجب ألا ينسينا حقيقة مهمة وهي أن زهرة واحدة لا تصنع ربيعا، ونحن في حاجة إلي ربيع درامي دائم يعيد للمصريين البهجة وحب الحياة. هكذا نصل إلي حقيقة لابد من الاعتراف بها وهي أننا في حاجة إلي منظومة ثقافية جديدة يتولي شئونها مسئولون جدد يعيدون الاعتبار إلي المسرح بحب واهتمام حقيقيين بعد أن عانينا طويلا من مسئولين انشغلوا بأنفسهم وبنجاحاتهم الشخصية، مكتفين برفع الشعارات الكبيرة واللافتات العريضة التي يخفون بها عن الناس مبني المسرح بعد أن تحول إلي خرائب. هذا نوع من التغيير سيحدث حتما بقوة الحياة غير أنني أفضل له أن يحدث بقوة الوعي السياسي. الأستاذ محمد صبحي يقترح اقتراحات كثيرة ومن بينها أنه يطلب من النجوم أن يعملوا في المسرح من أجل إعادة الحياة إليه، لمدة عام واحد، وهذا اقتراح جيد غير أنه تجاهل سؤالا مهما وهو: يعملوا إيه؟ الممثل، أي ممثل، علي استعداد للعمل علي خشبة المسرح بغير أجر في حالة واحدة هي أن يقدم عرضا يغذي عنده احتياجا حقيقيا لفن التمثيل ذاته، أما أن يقف علي المسرح ليقدم أعمالا ليس لها صلة أصلا بالمسرح كفن، فالله الغني عن ذلك، ربما يوافق علي ذلك في مقابل رزمة من المال ولكنه أمر لا يسعده في كل الأحوال. وإذا كنت قلت لك بالأمس إنه في المسرح بالتمثيل يبدأ عملنا وينتهي به، وأن الضمان الوحيد للحصول علي مساحة التمثيل المغذية والمنعشة فلابد من نص مسرحي يكفل ذلك ويضمنه، والنص المسرحي يكتبه مؤلف مسرحي، تري من هو وأين هو المؤلف المسرحي هذه الأيام؟ ولكن إلي أن يحدث التغيير بقوة الحياة أو بقوة السياسة أو بدافع الرحمة، فالنجوم، نجوم الدراما المعروفون، عليهم أن يقوموا بدور أراه في غاية الأهمية وهو أن يقوموا بمد الجسور بينهم وبين طلبة المعاهد الفنية، علي كل منهم بعيدا عن تشكيلات النقابات ووزارة الثقافة أن يخصص ساعتين كل أسبوع للحديث مع طلبة هذه المعاهد متحدثا عن مشواره الفني ووجهة نظره في الفن، هذا مشروع أتقدم به إليهم وهو لن يكلفهم شيئا غير أن مردوده عالي القيمة علي كل الفنون الدرامية، لقد شاهدت أفلاما قصيرة كثيرة عن مثل هذه اللقاءات بين نجوم السينما العالمية وطلبة المعاهد الفنية في أوروبا واستمتعت بها بالفعل كما لوكانت أعمالا فنية. من الجميل أن يري الفنان أجيالا لا يعرف عنها شيئا ويتعرف علي طموحاتها وطريقة تفكيرها كما أنه من الجميل أن يجلس طالب الفن مع فنان حقق الشهرة والنجاح وذلك وجها لوجه في حوار حر عن الفن.