جامعة سوهاج ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    «المشاط»: نتطلع إلى تعزيز التعاون مع البنك الأوروبي لمواجهة التحديات المناخية    5 حالات يرفض فيها طلب التصالح في مخالفات البناء وفقا للقانون.. اعرفها    سعر طن الذرة الصفراء اليوم في مصر.. «الأوكراني» يسجل 11 ألف جنيه    مصر تبحث تعزيز التعاون مع التشيك فى مجالات التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى    ممثل جنوب أفريقيا بمحكمة العدل: نرحب بانضمام مصر في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل    نائب رئيس «المؤتمر»: مخرجات قمة البحرين رسمت طريقا واضحا للخروج من أزمات المنطقة    الاحتلال الإسرائيلي يواصل حربه على غزة وتقارير عن تحويله مُستشفى سرطان إلى قاعدة لعملياته    مؤتمر أرتيتا قبل الجولة الحاسمة: حلم أرسنال في يد وست هام.. ورسالة إلى مويس    رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني: نبحث تعليق مشاركة إسرائيل في المباريات الدولية    المصري يواصل تدريباته على ستاد الكلية الحربية استعدادًا لمواجهة انبي    الهلال السعودي يتعرض لضربة موجعة قبل الديربي أمام النصر    توماس توخيل يعلن رحيله عن بايرن ميونخ في هذا الموعد    توزيع منهج التاريخ على أسئلة امتحان الصف الثالث الثانوي 2024.. ذاكر بتركيز    حريق ضخم يلتهم 7 منازل و4 أحواش ماشية ويُصيب 4 أشخاص في سوهاج (تفاصيل)    بصورة نادرة.. كيف هنأ محمد إمام والده «الزعيم» بعيد ميلاده؟    ليلى علوي توجه رسالة لعادل إمام في عيد ميلاده: أهم نجوم القرن    أحمد السقا: أنا هموت قدام الكاميرا.. وابني هيدخل القوات الجوية بسبب «السرب»    ناقد فني ينتقد كتابة أحمد مراد مسلسل عن أم كلثوم    الإثنين.. مناقشة رواية بيت من زخرف لإبراهيم فرغلي بمبنى قنصلية    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    ما الفرق بين المقاصد الشرعية والوطنية؟ المفتي يُوضح (فيديو)    في اليوم العالمي لفرط ضغط الدم.. إرشادات للوقاية من «القاتل الصامت»    متحف البريد المصري يستقبل الزائرين غدًا بالمجان    بوتين: العملية العسكرية في خاركيف هدفها إنشاء منطقة عازلة    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    أوقاف البحيرة تفتتح 3 مساجد جديدة    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    رئيس جهاز دمياط الجديدة يستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل مدينة بالهيئة للعام الحالي    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    هشام ماجد ينشر فيديو من كواليس "فاصل من اللحظات اللذيذة".. والجمهور: انت بتتحول؟    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    الإنتهاء من المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلى لمبنى المفاعل بمحطة الضبعة النووية    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مساندة الخطيب تمنح الثقة    تناولها أثناء الامتحانات.. 4 مشروبات تساعدك على الحفظ والتركيز    كيف ينظر المسئولون الأمريكيون إلى موقف إسرائيل من رفح الفلسطينية؟    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    إحباط تهريب راكب وزوجته مليون و129 ألف ريال سعودي بمطار برج العرب    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله كمال يكتب عن معضلة القطاع: لا نريد غزة

حقيقة الخلافات بين وزير الخارجية أبوالغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان
حشد من المبررات يدفعنا إلي نظرة متعمقة في أوضاع غزة.. وتأثيرها علي مصر.. ونتائجها علي القضية الفلسطينية.
بالصدفة تزامن حدث "أسطول الحرية"، الذي تحول إلي مذبحة، مع مرور ثلاث سنوات علي انقلاب حماس الذي قسم الأراضي الفلسطينية إلي "ضفة وقطاع".
وفجرت المذبحة جدلاً دولياً حول الحصار المفروض علي القطاع، وفي ذات الوقت الذي فتحت فيه مصر معبر رفح إلي أجل غير مسمي.. فإن نفس الحملة التي تعرضت لها مصر بسبب الفتح المنظم للمعبر "ثلاثة أيام كل شهر.. ربما تزيد أحياناً" لم تزل قائمة.
وبينما انضمت تركيا إلي محور "قطر سوريا ومعهم إيران"، المناصرين لحماس ولو كان علي حساب مناصرة القضية الفلسطينية، فإن الأصوات التي تريد إلقاء عبء غزة علي مصر من داخل إسرائيل عادت لتطل من جديد.. ومن المذهل أن تلك هي نفسها رغبة حماس كما بان في الأيام الأخيرة.
وفي حشد المبررات التي توجب التعامل مع معضلة غزة بالتحليل، طفت مجدداً وعن عمد "مسألة المصالحة"، التي استدعت موقفا معلنا من الخارجية المصرية.. سرعان ما أدي إلي هجوم عليها.. وادعاء بأنها بعيدة عن الملف الفلسطيني.. وأن الملف في يد المخابرات.
النقطة الأخيرة تثور بين حين وآخر، لاسيما علي لسان قادة من حماس، أو أقلام من هنا وهناك، وقبل يومين صرح محمود الزهار، الذي وصف ذات يوم بأنه وزير لخارجية فلسطين، بأن "أبوالغيط يدلي بتصريحات تستفز الناس.. والملف الفلسطيني لم يعد في يد الخارجية".. وقد قال ضمن ما قال: علاقتنا جيدة بالمخابرات.
• الخارجية والمخابرات
دعنا ننه هذه المسألة التي تستهدف إحداث وقيعة مستحيلة في الداخل المصري، وتمثل تدخلاً سافراً من حماس في الشأن المصري قبل أن نمضي قدماً في مناقشة التفصيلات، ففي كثير من الأحيان.. نسمع هذا الكلام.. ويردده مناصرو حماس في مصر.. إلي الدرجة التي توحي بأن هناك خلافات في الرؤي بين المخابرات المصرية والخارجية المصرية.. وهذا كلام ساذج إلي حد كامل.. للأسباب التالية:
• السياسة الخارجية المصرية ليست ملكا لمؤسسة بعينها، وإنما هي نتاج عمل مؤسسات مجتمعة، لكل دورها، ولكل مهامها، في إطار منظومة معقدة يقودها الرئيس حسني مبارك ويضع لها الخطوط الاستراتيجية للتحرك.
• أستطيع القول: إنني أستمع، مع غيري من الزملاء.. وفي مناسبات مختلفة.. إلي تصورات الموقف من قائد منظومة السياسة الخارجية.. زعيم البلد ورئيسها.. سواء كان ذلك علناً ومتاحاً أو ليس للنشر.. وتدهشني فيما بعد درجة التطابق.. حين أستمع إلي تصورات كل من وزير الخارجية أحمد أبوالغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان: الأهداف واحدة.. التحليلات متطابقة.. التخوفات واحدة.. الرؤي متماثلة.. وبالتحديد في الملف الفلسطيني بطريقة أميز من غيره.
• من الطبيعي أنه حين تستمع إلي وزير الخارجية فإن زوايا رؤيته تختلف عن زوايا رؤية رئيس المخابرات، لكن المحصلة الاستراتيجية المصرية واحدة.. وهي التي قررها الرئيس الذي يصل مراده حين يطرح رؤيته بطريقة مرتبطة بمكانته وخبرته واتساع أفق اطلاعه وتعدد زوايا تحليله.
• اليقين الكامل، ولعل هذا يؤذي محاولات ساذجة للوقيعة البلهاء، أن العلاقة بين المؤسستين "المخابرات والخارجية" تتمتع بقدر هائل من النضج، والعلاقة بين الوزيرين علي المستوي الشخصي تتميز بقدر مذهل من التفاهم.. في إطار تحقيق المصلحة المصرية الاستراتيجية.. وهذا طبيعي جداً في دولة متناغمة وناضجة.
في هذا السياق صرح السفير حسام زكي المتحدث الرسمي للخارجية إلي صحيفة الشرق الأوسط يوم أمس معلقاً علي تصريحات الزهار: "بأن هذه الأساليب مكشوفة لدق أسافين سبق لحماس أن حاولتها أكثر من مرة دون أن تنجح، وإذا كان الزهار يتصور أنه بهذا الأسلوب سوف يسترضي أي جهة مصرية لكي تسمح له باستخدام المعبر فإن هذا لن يفلح وهو يعلم مقدار العلاقة الوثيقة التي تربط ما بين القائمين بالإشراف علي العلاقة مع فلسطين".
• الدولة والعصابة
في ضوء هذا لا ينبغي علينا أن ننجرف إلي تفاهات أراد أن يفجرها محمود الزهار الخارج من الجب بعد اختفاء طويل، بأن نقول إنه لم يزل للخارجية المصرية دور في الملف الفلسطيني.. أو أشياء من هذا القبيل.. هذا كلام فارغ.. يمثل طليعة حملة متوقعة.. لها علاقة موضوعياً بتصدي الخارجية المصرية للطرح الذي ظهر بعد زيارة عمرو موسي إلي غزة.. وقيل فيه: إنه يمكن لحماس أن توقع علي وثيقة المصالحة المصرية بين حماس وفتح، إذا ما أضيف إليها ملحق جديد.. وعلق وزير الخارجية ناسفاً الفكرة وقال إنه لا تعديل في الوثيقة.. بملحق أو بدونه.. ولها أي تصريحات الزهار علاقة بمسألة يعتقد أنها شخصية.. إذ رفض وزير الخارجية أن يلتقيه حين عين الزهار وزيراً لخارجية حماس.
إن حماس ليست علي قدر مصر.. لا توجد ندية.. ومن ثم يكون من الخطأ أن أقول: إنه علي الجانب الآخر فإن هناك خلافات عميقة بين الزهار وإسماعيل هنية.. كما أن هناك خلافات بين حماس في القطاع وحماس التي تعيش في دمشق، وأضيف: إن آخر شخص علي وجه الأرض يريد للحصار أن يرفع عن غزة هو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس.. لأن هذا يعني أنه سوف يتاح لحماس في غزة وضعية لن تكون متاحة له في دمشق.. ويمكن أن يستقبل إسماعيل هنية ضيوفه كرئيس للوزراء.. بينما مشعل يحصي النجوم في دمشق.. هذا كلام لا يقال.. لأن المقارنة هنا غير موضوعية.. بين الدولة والفصيل.. بين المؤسسات والعصابات.. بين رجال الدولة والمتآمرين علي قضية وطنهم.
• المصالح المصرية
فلنعد إلي التحليل الواجب بشأن معضلة غزة التي تفجرت من جديد.. الصحيح أنها لم تكن قد انتهت.. لكن وقائع "مذبحة أسطول الحرية" والإهانة التي تعرضت لها تركيا ولم ترد حتي اليوم أعطتها قدراً إضافياً من الزخم.. بعد مايزيد علي عام ونصف العام علي حرب غزة. إن ما يحكم تحليلي هو تحقيق المصلحة المصرية.. ولكن ماهي؟
• مصر معنية ومرتبطة بضرورة الوصول إلي تسوية في القضية الفلسطينية باعتبارها، وهو التوصيف الذي تصر عليه مصر منذ 60 عاما، جوهر عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
• إن تحقيق التسوية يمثل مصلحة أكيدة للدول العربية، عموما، ولمصر خصوصاً، في ضوء ليس فقط التضحيات التاريخية التي أدت إلي فقدان 120 ألف شهيد مصري، ولكن أيضاً في ضوء أن بقاء الوضع الظالم يقوض أحلام التنمية والتطور.. ويهدر حقوقاً تاريخية.. ويضيف أسباباً للإرهاب.
• إن إنقاذ عملية السعي للتسوية من المماطلات الإسرائيلية المتعمدة دائماً ينقذ الأراضي الفلسطينية من عملية تفتيت تمضي علي قدم وساق.. والتهام متتالٍ.. ينذر بأنه لن تكون هناك أرض تقام عليها الدولة الفلسطينية.. ما يعني أن هناك من يريد تذويب الحقوق الفلسطينية بإهدار الوقت والتهام الأرض.. وللأسف فإن هناك بين الفلسطينيين من يساعد علي ذلك.. وتكتسب حركة حماس صفة التآمر الساعي إلي هذا الاتجاه بإصرارها علي تقسيم الأرض الفلسطينية.
• إن هذه التسوية تبعد عن مصر احتمالات التهديد الاستراتيجي التي تلوح من حين لآخر.. بشأن سعي أطراف إلي إلقاء عبء غزة علي الأراضي المصرية.. وهو الطرح الذي تفجره إسرائيل وتسعي إليه.. وقد قال به مؤخراً وزير المواصلات الإسرائيلي ولم يكن ذلك جديداً.. وقالت به أصوات ودراسات إسرائيلية أخري.. بحيث يمكن توقع أن هذا أحد الاحتمالات الاستراتيجية الإسرائيلية التي ينبغي وأدها.
بقية المقال ص 7
فرق جوهرى بين "الفتح السياسى" و"الفتح الإنسانى" لمعبر رفح
• إعطاء غزة لمصر
من المزعج علي وجه التأكيد أن بين الأطراف العربية من لا يجد أي غضاضة في الترحيب بتلك الفكرة الشريرة.. ولا يجد فيها مانعاً.. وتردد أصوات من خارج المنطقة نفس الفكرة الإسرائيلية الداعية إلي دفع الضفة الغربية في اتجاه الأردن.. ودفع غزة في اتجاه مصر.. لكن المخجل.. والمؤسف.. والمهين.. أن يقول ذلك أيضا وبصراحة محمود الزهار القيادي في حماس فرع غزة الذي صرح قبل يومين بأنه لا يريد ارتباطا سياسيا بمصر.. ولكنه من أجل السعي إلي إنهاء الارتباط الاقتصادي بين إسرائيل وقطاع غزة يريد ارتباطا اقتصاديا بمصر. إن مايقوله هذا هو في حد ذاته أحد أوجه المخطط الاستراتيجي الحقير الذي تطالب به إسرائيل نفسها.. وكما أنه ضد المصالح التاريخية الفلسطينية فإنه يمثل تهديدا استراتيجيا لمصالح مصر.. إذ لن يكون حل القضية بعد كل هذه السنوات علي حسابنا وعلي حساب أرضنا وعلي حساب سكاننا.. وعلي حساب استقرار مصر.. التي لا تريد إضافات ديموجرافية أو جغرافية.. ولا يمكن أن تضحي باستقرار مكوناتها الاجتماعية لصالح هناء إسرائيل.
غني عن القول أن مصر تقدم كل جهدها من أجل الشعب الفلسطيني، ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن يزايد علي دماء وأرواح 120 ألف شهيد، أو علي الجهد المضني الذي تبذله مصر وفق أجندة المصلحة العربية الحقيقية وليس المصالح المزايدة الشفوية.. وتحتفظ مصر في هذا السياق بدور لا يمكن أن ينازعه أحد.. وفي يوم الأربعاء الماضي حين حضرت اجتماع الهيئة البرلمانية للحزب الوطني في مجلس الشوري مع الرئيس مبارك سمعته يقول: دور مصر رئيسي.. وهناك أصحاب أدوار فرعية.. وأدوار للشهرة.
إن جميع التحركات التي تلت انسحاب إسرائيل من غزة، ثم انقلاب حماس علي السلطة الفلسطينية في يونيو 2007، ثم اندفاع الحشود السكانية من قطاع غزة نحو مصر في بداية 2008، ومن بعد ذلك نشوب حرب غزة في نهاية نفس العام وبداية 2009، إنما تقود إلي نفس السيناريو الهادف إلي إضافة غزة إلي سيناء.. وفي فترات خلال تلك السنوات كانت حماس تصوب صواريخ معدومة القيمة نحو إسرائيل.. فتجدها إسرائيل ذريعة.. لكي تقوم بعمليات عسكرية تمشط بها مناطق بعمق يزيد علي 16 كيلو مترا في قلب القطاع.. لكي تضيق علي السكان.. وبالتالي يندفعون نحو مصر.. ويكون هذا هو الخيار الجديد.. وبدلا من أن تتفاوض مصر من أجل التسوية وإعلان الدولة.. فإنها تبدأ من أجل التفاوض علي إعادة مئات الآلاف إن لم يكن أكثر من الفلسطينيين إلي أراضيهم.
• الارتباط الاقتصادي
لقد انبنت خطة حماس منذ وقع الانقلاب في يونيو 2007 علي هذا الأساس الذي كشفه محمود الزهار ربما دون أن يقصد.. أي الانفراد بقطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس.. وليس رفع الحصار عنه من قبل إسرائيل.. وإنما الدفع في اتجاه تحقيق الارتباط الاقتصادي بين غزة ومصر.. والتغافل عن كل المعابر الاخري الخمس مع إسرائيل.. لأن أيديولوجية حماس تقوم علي أساس إنهاء هذه العلاقة الاقتصادية.. ومن ثم كانت مسألة معبر رفح هي محور الاهتمام الدائم.. ولقد لاحظ الجميع تصرفات حركة حماس إبان حرب غزة.. فبدلا من أن تواجه هجوم إسرائيل فإنها ركزت علي أن تهاجم مصر.. وتطالب بفتح المعبر علي مصراعيه.. لعل هذا يوفر الفرصة التي تريدها لتحقيق الارتباط الاقتصادي مع مصر.
والارتباط الاقتصادي بين غزة ومصر، وفق ما يريده الزهار، يعني أن حماس تريد الانفراد بالقطاع إداريا.. وأن تعلن من خلاله إمارتها.. علي أن تحمل فوق أكتاف مصر.. وتعفي الاحتلال الإسرائيلي من مسئولياته.. وهو أمر يفسر لنا لماذا تصر مصر علي توصيف القطاع بما هو عليه "أنه محتل" وأن احتلاله يفرض علي إسرائيل مسئوليات محددة لا يمكن إلقاء أعبائها علي الآخرين.. إذ ليست مصر هي التي تحتل القطاع.
• خسائر مصرية
ومن الواجب أن نعترف أن مصر قد خسرت علي مستوي السمعة كثيرا بسبب الحملة المهولة التي وصمتها بالمشاركة في حصار غزة عن طريق معبر رفح.. ومن الواجب الإقرار بأن آلة مصر الإعلامية لم تنجح في أن توضح أن غزة لها ستة معابر وليس معبرا واحدا.. وأن هذا المعبر الواحد كان مفتوحا طوال الوقت.. بأسلوب منظم.. بطريقة مختلفة عما هو عليه الآن.. وأن إصرار مصر علي هذا التنظيم له علاقة بحرصها علي إبقاء قطاع غزة في الأحضان الفلسطينية وحتي لا تجدها حماس وإسرائيل فرصة لكي تقصي غزة عن أرض فلسطين.. ولكي لا ينتهي مشروع الدولة الفلسطينية إلي الأبد.
وعلي الرغم من أن المعبر كان يفتح كل شهر لثلاثة أيام.. أحيانا مرة وأحيانا مرتين.. إلا أن التقصير الإعلامي لم يكن يظهر هذا.. ويجسده.. خاصة أنه في العام الماضي شهدت مصر عمليات مزايدات متنوعة أبرزها قوافل جورج جالاوي التي كانت تحدث صخبا كبيرا.. ومن بينها كذلك قافلة أسطول الحرية التركي التي وإن سعت إلي بعض الأضواء لصالح الدور التركي المزعوم إلا أنها كانت تصب في اتجاه تحقيق خطوات لتنفيذ مخطط إسرائيل بإقصاء القطاع نحو مصر.. "ترانسفير جغرافي" بعد قيامها من قبل بعمليات "الترانسفير البشري" بإبعاد عدد من الفلسطينيين من أرضهم.
لكن مصر، ومنذ أشهر، كانت قد بدأت في تغيير تعاملها مع مسألة المعبر، بعد أن وصلت إلي صيغة تؤدي إلي تحقيق الأهداف الإنسانية للشعب الفلسطيني، وبدون أن يسبب هذا خسائر استراتيجية لمصر أو ينفي عن القطاع صفته كأرض محتلة هي في ذات الوقت جزء من الأرض الفلسطينية الشاملة.
هكذا ارتفع عدد مرات فتح المعبر في كل شهر، وفي ذات الوقت فإن مصر استخدمت قنواتها مع إسرائيل في تمرير كميات متصاعدة من المعونات الي القطاع.. خصوصا عبر معبر العوجة المعروف من جانب إسرائيل باسم كرم أبوسالم المخصص لنقل الأحمال والمنقولات وليس البشر.. وفي اللقاء الأخير بين نتانياهو ومبارك في مصر كانت هناك اتفاقات بشأن خطوات محددة في هذا الشأن.. وفرت تفاعلات ما بعد واقعة أسطول الحرية فرصا لدفع المزيد منها.. ومن ثم وجدت مصر أن الفرصة صارت مواتية لتنفيذ "فتح منضبط" للمعبر في رفح.. إلي أجل غير مسمي.. وهو أجل لا أعتقد أنه سوف يسمي.. إلا إذا حدث تطور استراتيجي يؤثر علي المصالح الفلسطينية أو المصالح المصرية.
ومن المدهش أن هذا الفتح المستمر الذي استفادات منه قطاعات فلسطينية واسعة لم يوقف الحملة الإعلامية المسيئة علي مصر.. وعلي كل حال لم يكن هدف الفتح هو وقف تلك الحملة.. وإنما المساعدة في تلبية الاحتياجات الانسانية للشعب الفلسطيني.. وسبب استمرار الحملة هو أن طريقة الفتح المصرية للمعبر تأسست علي مبررات إنسانية وبطريقة لا تؤدي إلي تغيير في الوضع السياسي.. بمعني واضح فإن مصر حققت للمعبر "فتحا انسانيا" وليس "فتحا سياسيا".
إن هذا يعني أن المعبر مفتوح من أجل الشعب الفلسطيني.. وليس من أجل القتلة الذين ارتكبوا الجرم في حق الجنود المصريين علي الحدود.. وأنه لن يستفيد منه انقلابيو حماس.. وأنه لن يكون متاحا من خلاله منح شرعية لحركة انقلبت علي السلطة الشرعية.. وهو ما أزعج حركة حماس وانعكس علي تصريحات حماس.. وتتبدي في الحملة المستمرة علي مصر.. بدون مقابل موضوعي إعلامي مصري.
• الوثيقة والملحق
من جانب آخر، وبخلاف مسألة المعبر، صعدت إلي السطح مجدداً مسألة "المصالحة"، خصوصا بعد زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي إلي "غزة"، تلك الزيارة التي وصفها الزهار بانها كانت "مرتبكة"، لأن موسي لم يقم بزيارة أي من مقرات الحكومة المقالة التي تتبع حماس.. ولم تؤد زيارته إلي إضفاء شرعية علي حركة حماس، وكان مقرراً أن يزور بعده الضفة الغربية لكنه أجل هذا إلي وقت لاحق.
بالتوافق ما بين حماس التي لم ترضها ترتيبات زيارة موسي، ورؤي دمشق، وأنقرة، والدوحة، وقناعات أيديولوجية للأمين العام، كان أن ظهرت في الساحة تصريحات بشأن التعامل الجديد مع وثيقة المصالحة المصرية بين كل من حماس وفتح.. وقالت حماس أنها تريد إضافة ملحق جديد للوثيقة بما يؤدي إلي توقيعها.. وهو مارفضته مصر علي لسان أبو الغيط.. علي الرغم من أن مصر لم تمانع بداية هذا الجهد.. " مادام يحقق مصالح الشعب الفلسطيني والمصالحة الصادقة وليس محاولة تحقيق مصلحة طرف علي حساب آخر، وإسباغ شرعية علي حماس".. لكن البعض سارع بالقول أنه يجب ان ترفق بوثيقة المصالحة ملحق للتفاهمات بين الطرفين الفلسطينيين.. وقالت مصر: (القاهرة لا تعارض أي تفاهمات بين الأطراف الفلسطينية إذا ماحققت مصالح الشعب الفلسطيني ووحدته.. أما غير ذلك فإنه لابد أن تكون لها كلمتها".
وقد وصف مصدر مصري الجدل حول هذا بأنه: "فقاعة هواء لإعطاء انطباع كاذب للشعب الفلسطيني ولكنه لا يعبر عن رغبة حقيقية في المصالحة.. والهدف هو الإطاحة بالوثيقة من أجل الملحق".. ولمن لا يعرف فإن الوثيقة المصرية التي لا تقبل مصر التوقيع إلا عليها بدون تعديل نتجت عن اجتماعات خمس لجان ضمت كل ممثلي الفصائل الفلسطينية لمدة أشهر في القاهرة.. إلي أن تم استخلاص الوثيقة بصياغات الأطراف الفلسطينية.. وجاء خالد مشعل إلي مصر، حيث أقر بأنه سوف يوقع عليها.. ثم سافر من القاهرة إلي كل من طهران ودمشق.. وعاد بعدها ليقول أنه يطلب تعديلات علي الوثيقة.. وعطل إتمام المصالحة.
• شرعية لا تسوية
والحقيقة التي لا مناص منها في المواقف هي كما يلي:
• حماس تريد الشرعية لإنقلابها ولا تريد المصالحة.
• أهدرت حركة حماس كل فرص التوقيع علي الوثيقة بكثير من الحجج في مناسبات مختلفة منها مسألة الملحق الأخيرة.
• لن تنال حماس أي شرعية إلا من خلال الاتفاق علي المصالحة وبالوثيقة المصرية.. وقتها يكون المتاح أمام الأطراف الفلسطينية توحيد الصف.. وأن يكون تمثيل الشعب الفلسطيني أمام المفاوض الإسرائيلي واحدا لا يقبل الطعن.. وبحيث لا يجد أبو مازن نفسه خلال التفاوض مطعونا في مكانته وقدرته علي تنفيذ أي اتفاق.
• يؤدي التفتيت الحالي علي المستوي السياسي إلي تفتيت علي مستوي الأرض.. ومن ثم القضاء علي فكرة الدولة الفلسطينية ويتيح مزيداً من الفرص أمام الاستيطان الإسرائيلي لالتهام مزيد من الأراضي الفلسطينية.
• انتهي مشروع المقاومة في غزة.. بعد مضي ثلاث سنوات علي وجود حماس في القطاع.. وتحولت إلي "نضال الصمت".. إذ لا تريد حماس أن تسبب أي إزعاج لإسرائيل يؤدي إلي تقويض وضعها الحالي.. وقد ادعي الزهار أن المقاومة مستمرة وهو كلام يخالف الواقع.. ومن ثم لا تفاوض الفلسطينيون ولا هم قاوموا.
إن ما يبدو واضحا للغاية هو أن حركة حماس إنما تريد أن تسعي إلي مصالح ضيقة للتنظيم الذي تمثله.. بأن تخوض جدلا حول مجموعة من السيارات التي يريد أن يشحنها الأتراك إلي قيادات حماس عبر قافلة تسمي إغاثة بقيادة جورج جالاوي.. أو بناء بعض القصور لقيادات الحركة في القطاع كما صار يلحظ المواطن الفلسطيني من حوله.. أو الانغماس في مضاربات الأراضي بين نفس تلك القيادات.. أو كما جري في وقت سابق استغلال المعبر في تمرير أموال إلي أطراف في حماس تعبر بها من رفح معبأة في حقائب دون أن تعلن مصدرها أو أوجه إنفاقها.
وبالتالي فإن واقع المماطلات الإسرائيلية المستمر، الذي يعوق التفاوض من أجل التسوية، سواء كان مباشرا أو غير مباشر، إنما يجد مساعدة حقيقية من جماعة حماس.. مدعومة بالأطراف التي تساندها علي المستوي الاقليمي والعربي.. مايشكك جوهريا في مدي وطنية حماس أو مدي إخلاصها للمصالح الفلسطينية.
[email protected]
www.abkamal.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.