تساؤلات حول قبول إسرائيل لهذه الخطوة وتأييد أوباما لها هذا الأسبوع ليس هادئا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي استعادت «سخونتها» في الواقع قبل عدة أسابيع وعلي خلفية الأحداث الدامية التي صاحبت الاعتداء الإسرائيلي علي قافلة أسطول الحرية، واقتياد السفن التي كانت تحمل مئات من الناشطين الأوروبيين والأتراك والعرب معتقلين إلي ميناء «أشدود» بعد قتل تسعة من المواطنين الأتراك بالرصاص، وما تلي ذلك من ردود فعل دولية وعربية وفلسطينية وإسرائيلية. ويحاول كل طرف حتي الآن «توظيف» ما حدث لصالحه في إطار الأبعاد المختلفة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وحتي داخل البيت الفلسطيني نفسه المنقسم بشدة، وزادته انقساما أحداث أسطول الحرية، حيث وجدت حماس نفسها في وضع أقوي بعد عاصفة انتقادات ضد إسرائيل، وتجمع رأي عام دولي رسمي وشعبي يضغط في اتجاه رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة، وهو ما تحقق جزئيا، إضافة إلي المطالبة بتحقيق دولي واعتذار إسرائيلي وإعادة السفن التركية المحتجزة وهو ما لم يتم حتي الآن، ويتسبب في أزمة إسرائيلية - تركية يجري حلها علي كل حال عبر الاتصالات السرية الحالية بعيدا عن الإعلام والرأي العام الغاضب في تركيا بصفة خاصة. السلطة الفلسطينية التي وجدت نفسها متهمة من قبل حركة حماس وأمام قطاع عريض من الشعب الفلسطيني في غزة علي وجه الخصوص، بالتخلي عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في ظل نجاح حماس في «تجييش» و«حشد» دعم محلي وعربي ودولي لها، تجد نفسها في موقف بالغ الصعوبة، في ظل عدم نجاحها حتي الآن في إحراز أي نتائج إيجابية من خلال المفاوضات غير المباشرة التي تجريها مع إسرائيل عبر الوسيط الأمريكي السيناتور «جورج ميتشل». والمثير أن مدير الشرق الأوسط دانييل شابيرو قد أشار إلي تحقيق تقدم كبير خلال تلك المفاوضات، وهو ما دعا السلطة الفلسطينية إلي أن تطلب من الإدارة الأمريكية تقديم إيضاحات حول هذه التصريحات الأمريكي خاصة أن تلك المفاوضات تستهدف التوصل إلي تفاهمات واتفاقات حول قضايا صعبة ومعقدة مثل وضع «القدس» والحدود النهائية وعودة اللاجئين والمياه والأمن والسيادة!. أبوالغيط:النتائج بعد عقد من الزمان وفي نفس الوقت جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط حاسمة نحو الإشارة إلي عدم تحقيق المفاوضات غير المباشرة أي نتائج مهمة ومؤكدا أن الوقت يمر، والنافذة المفتوحة تقترب من الانغلاق، في ظل النهج الذي يسير عليه ميتشل والذي لن يعطي أي نتائج إلا بعد عشر سنوات، مشيرا إلي أهمية تغيير نتائج العمل وبذل ضغوط من أكثر من جانب للوصول إلي حل، في ظل عدم كشف الإدارة الأمريكية عن خططها البديلة. نتنياهو في واشنطن واختارت الإدارة الأمريكية الانتظار حتي وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلي واشنطن، وهي الزيارة التي بدأت أمس من أجل مراجعة ما تم في المفاوضات غير المباشرة التي أجريت علي مدي خمس جولات، وما إذا كان الموقف يسمح الآن بالانتقال إلي المفاوضات المباشرة. واللافت للانتباه أيضا أن نتنياهو استبق زيارته لواشنطن بتصريحات يعلن فيها أنه يريد لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبدء مفاوضات مباشرة يتم بحث كل شيء خلالها. ويري الفلسطينيون أن تلك محاولة من جانب نتنياهو للبدء من جديد والتهرب من الرد رسميا علي الورقة الفلسطينية التي تضمنت اقتراحات محددة تم تقديمها إلي المبعوث الأمريكي جورج ميتشل، وتتركز أساسا حول ملفي الحدود والأمن باعتبارهما عصب أي اتفاق بين الطرفين، لأن أي اتفاق علي الحدود سيشمل معظم قضايا الوضع النهائي مثل القدس والمستوطنات والمياه. ووفقا لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط نقلا عن مصادر فلسطينية فإن اقتراحات عباس المكتوبة تتضمن إقامة دولة فلسطينية علي مساحة مائة في المائة من الضفة الغربيةوغزة وإجراء تبادل بنسبة 3.2% من الأراضي المقامة عليها مستوطنات لا يمكن إزالتها، يحصل الفلسطينيون علي أراض مساوية لها في منطقة الخليل. وتتضمن الاقتراحات انسحاب إسرائيل من القدسالشرقية باستثناء الحي اليهودي وحائط المبكي، علي أن تظل البلدة مفتوحة لكل الأديان، مع إقامة ممر آمن بين غزة والضفة. الخطة البديلة وفي ظل عدم وجود مساحة اتفاق حتي الآن وحدوث تقدم حقيقي في المفاوضات غير المباشرة فإن لكل الأطراف ما يسمي بالخطة «ب» أو الخطة البديلة في حال عدم التوصل إلي اتفاق. والخطة الإسرائيلية معروفة وهي مواصلة الاستيطان بعد انتهاء الإيقاف المؤقت في سبتمبر القادم، والاستمرار في تقطيع أوصال الضفة وتهويد القدس بالكامل، والاستمرار في حصار غزة ومنع حماس من تشكيل أي خطر علي إسرائيل، أما بالنسبة لموقف السلطة فهي تحقق أيضا تقدما كبيرا نحو بسط سلطة القانون ودفع عجلة التنمية في الضفة، وبناء مؤسسات الدولة، تمهيدا لإعلان الاستقلال من جانب واحد وفقا لخطة متصاعدة تكتمل في عام 2012، وهو ما يحظي باهتمام أوروبي بل وأمريكي نظرا لنجاحات رئيس الوزراء سلام فياض في هذا المجال بالتوافق مع سياسة محمود عباس الذي يسير في اتجاهين متوازيين في نفس الوقت، دعم مؤسسات الدولة في الضفة الغربية، واستمرار المفاوضات علي أساس برنامج وخطة واضحة تستند إلي شرعية ومرجعية عربية ودولية. وفي أعقاب عدم التجاوب الإسرائيلي مع المبادرة العربية التي تقوم علي الانسحاب الشامل والتطبيع الشامل تم الاتفاق في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في إطار الجامعة العربية العام الماضي وعلي خلفية الاعتداء الإسرائيلي علي غزة، باعتماد خطة اللجوء إلي مجلس الأمن لطلب اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية مستقلة علي الأراضي المحتلة منذ 1967 تطبيقا لقرارات مجلس الأمن نفسه والجمعية العامة للأمم المتحدة، وخطط السلام وأهمها خارطة الطريق المدعومة من الأممالمتحدة والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي أطراف هذه الخطة. ماذا سيفعل أوباما وتستند الدول العربية أيضا إلي سابقة إنشاء إسرائيل بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة كأول وآخر دولة تنشأ بقرار أممي، وتطمح في الدعم الأمريكي لهذه الخطوة، خاصة أن وعود أوباما بدعم إقامة دولة فلسطينية لم تجد أرضية واقعية لها. ويراهن العالم العربي علي أهمية استمرار الاتصالات مع الرئيس أوباما لدفعه نحو تنفيذ وعوده، وهو ما حدث خلال زيارة العاهل السعودي الملك عبدالله إلي واشنطن الأسبوع الماضي، ودعوة أوباما لدعم إقامة دولة فلسطينية حتي لو اقتصر الأمر اللجوء إلي مجلس الأمن في ظل المواقف الإسرائيلية الرافضة، وعدم رفض أوباما لهذا التوجه، ولكن أوباما لم يعلن أيضا عدم تأييده هذه الخطوة، رغبة منه في عدم إحراج الملك عبدالله وإغضاب الدول العربية، وبالتالي فقد وعد بأن تتم مراجعة كل الجهود التي قام «ميتشل» وأوعز إلي المسئول الأمريكي في الشرق الأوسط في البيت الأبيض «دانيال شابيرو» بالإعلان أن هناك تقدما قد حدث في المفاوضات غير المباشرة. وفي الواقع فإن أشد المتفائلين العرب لا يملك أسسا واقعية للرهان علي تأييد أوباما لإعلان الدولة الفلسطينية من خلال مجلس الأمن، وبالتالي فإن المناورات السياسية ستستمر في الأسابيع والشهور القادمة علي أمل توظيف أوضاع المنطقة، ورغبة الإدارة الأمريكية في التركيز علي كيفية إنهاء تورطها وفشلها في أفغانستان، ثم الاستعداد لمواجهة إيران في ظل فشل ضغطها السياسي، علاوة علي استمرار الوضع الهش في العراق، في الخروج بتسوية سياسية فلسطينية - إسرائيلية جديدة تحول دون تفجر الصراعات في مجلس الأمن.