تؤكد لنا أول مادة من مواد قانون المحاماة.. أن «المحاماة مهنة حرة.. تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة.. وسيادة القانون.. وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم»، وتؤكد ذات المادة أن المحاماة مهنة يمارسها المحامون وحدهم علي استقلال، ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون. ولأن حق الدفاع من الحقوق الدستورية، ومن حقوق الإنسان، فلقد ولد هذا الحق - أي حق الدفاع - مع الإنسان، وكان من لوازم المجتمع والخصومات، لهذا نشأت المحاماة في مصر منذ لائحة مجلس تجاري الإسكندرية عام 1854، ثم لائحة المحاكم المختلطة عام 1875، ثم لائحة المحاكم الشرعية عام 1880 وبعدها المحاكم الأهلية عام 1883، حيث بدأ بعدها تنظيم مهنة الوكلاء أمامها «المحامون» وإعداد جداول محكمة استئناف مصر الأهلية، وصدور لائحة المحامين أمام المحاكم الأهلية في 2 ديسمبر 1888 وهي أول وثيقة رسمية تعبر عن المحاماة والمحامين، بعدها جاءت لائحة جديدة عام 1893 ساوت بين المحامين أمام المحاكم الأهلية والمختلطة «الأفوكاتية»، وأنشئت أول جماعة أو «نقابة للمحامين» في مارس عام 1876 حيث انتخبت لجنة كان من بين أعضائها سعد زغلول لإعداد لائحة للمحامين.. والتي صدرت بها الأمر العالي في ديسمبر 1888، استمرت حتي صدر أول قانون للمحاماة رقم 26 بتاريخ 1912/9/30 وتولي منصب أول نقيب إبراهيم الهلباوي في 1912/11/1 الذي حصل علي 307 أصوت من 333 صوتًا وهو عدد المحامين وقتئذ!! أي أننا أمام مهنة شامخة.. وعظيمة.. وتحمل رسالة سامية يضطلع بها محامون عظام كانوا قدوة علي مر الزمن.. وكان من بينهم رجال القضاء والصحافة وأساتذة الجامعات والبرلمانيون ومسئولون كبار.. كان منهم عبدالعزيز باشا فهمي.. أحمد لطفي.. مكرم عبيد.. عبدالرحمن الرافعي.. محمد صبري أبوعلم.. مصطفي البرادعي.. عبدالفتاح الشلقاني.. عبدالعزيز الشوربجي.. أحمد الخواجة.. كل هؤلاء من الرعيل القديم.. وغيرهم الكثير لا يتسع المقام لذكرهم جميعًا، وأعتذر لمن لم أذكرهم بالاسم، لكنهم جميعًا كانوا يعبرون عن المحاماة وعن المحامين جميعًا ورموزًا وقدوة.. وقد تركوا لنا تراثًا عظيمًا في ممارسة مهنة المحاماة.. وتقاليدها العريقة وعلاقتهم بالقضاء.. وكانت لهم مواقفهم الوطنية علي مر التاريخ. وفي نصوص الدستور تقول لنا المادة 56 إن إنشاء النقابات يجب أن يكون علي أساس ديمقراطي، وأن النقابة لها الشخصية الاعتبارية، وأن القانون ينظم مساهمتها في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية.. ورفع مستوي الكفاية بين أعضائها وحماية أموالها، وأنها - أي النقابة - تقوم بمساءلة أعضاء عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية، والدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونًا لأعضائها. وفي قانون المحاماة الحالي فإن الباب الثاني جمع حقوق المحامين في خمس عشرة مادة، كما جمع واجباتهم كذلك في خمس عشرة مادة بالتمام والكمال، فكان من بين حقوق المحامي أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب للمهنة.. وتعزيز ضمانات أداء عمله ومنها جواز القبض عليه أو الحبس الاحتياطي في جرائم الجلسات.. وألا ترفع الدعوي العمومية إلا من النائب العام أو من ينوب عنه من المحامين العامين الأول، وأنه لا يجوز القبض عليه أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أعضاء النيابة، وأنه يجب اخطار النقابة الفرعية، وأن يعاقب من يتعدي عليه أثناء قيامه بأعمال مهنته أو بسببها بالعقوبة المقررة لمن يرتكب هذه الجريمة ضد أحد أعضاء هيئة المحكمة، وأنه لا يجوز الحجز علي مكتبه.. وغيرها من الضمانات والحقوق الأخري. ومن بين واجبات المحامي التي وردت في الخمس عشرة مادة الأخري.. أن يلتزم في سلوكه المهني والشخصي بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة وجميع الواجبات التي يفرضها القانون والنظام الداخلي للنقابة ولوائح وآداب المهنة وتقاليدها، ومخاطبة المحاكم بالتوقير اللازم، وأن يعمل علي أن تكون علاقته بأعضاء الهيئات القضائية قائمة علي التعاون والاحترام المتبادل.. ومعاملة زملائه أيضا بقواعد اللياقة وتقاليد المحاماة، وأن يمتنع عن ذكر الأمور الشخصية التي تسئ إلي خصم موكله أو اتهامه بما يمس شرفه وكرامته.. وألا يدلي بتصريحات أو بيانات عن القضية المنظورة التي يتولي الدفاع فيها، أو يبث أمورًا من شأنها التأثير علي سير العدالة لصالح موكله أو ضد خصمه، ولا يتخذ وسائل الدعاية أو الترغيب أو استخدام الوسطاء أو الإيحاء بأي نفوذ أو صلة حقيقية أو مزعومة، ولا يضع علي أوراقه أو لافتة مكتبه أي ألقاب غير اللقب العلمي.. ودرجة المحكمة المقبول أمامها، كما يمتنع عليه كذلك استخدام أي بيان أو اشارة إلي منصب سبق أن تولاه!! يا سبحان الله. إذا كانت هذه النصوص الدستورية.. والقانونية المحترمة.. وظلت تمثل تقاليدًا عريقة تعبر عن المحاماة وعن المحامين.. ونقابة المحامين.. فما الذي جري في حياتنا المعاصرة؟! سؤال مهم وخطير.. والاجابة عليه تحتاج التشخيص والتحليل وبيان الأسباب حتي يمكن تقديم العلاج والحلول في مقال آخر.