تنص المادة الأولي من قانون المحاماة علي أن "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة. وفي تأكيد سيادة القانون. وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم. ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم في استقلال. ولا سلطان عليهم في ذلك إلا لضمائرهم وأحكام القانون". وحيث إن هذا النص قد أورد عبارة "يشاركون" فمعني ذلك أن المحامين هم نصف العدالة. وذلك أمر بديهي. فالمحامون هم المنوط بهم الدفاع عن الحقوق وحماية الحريات. ومن الواجب أن تتوفر لهم الحماية اللازمة لأداء هذه المهمة التي يستفيد منها المجتمع بأسره. ولكن للأسف الشديد فإنهم قد أصبحوا يعانون الأمرين في سبيل القيام بها. فهم يحتاجون حقا لمن يرفع عنهم الظلم ويمكنهم من قضاء أعمالهم في يسر ودون معوقات. فليس من مصلحة المجتمع أن تتحول مهنة المحاماة إلي مهنة جوفاء فارغة المضمون. ويصل الأمر إلي حد أنه عند وجود احتكاك ما بين أحد المحامين وأحد أعضاء السلطة القضائية. فإن المحامي يجد نفسه خصما لقاضيه. ولذا فإن الحل المنطقي هو تشكيل هيئة قضائية متوازنة يتم تمثيل نقابة المحامين فيها للفصل في مثل هذه النزاعات. فكما ذكر الأستاذ حمدي خليفة نقيب المحامين فإن "معظم الوقائع التي حدثت تؤكد اشتعال شرارة الخطأ من رجال القضاء. مما يؤدي إلي تطور المواقف وتصاعدها". والحق يقال إن الغالبية العظمي من رجال القضاء في مصر. يتمتعون بقدر عال من العلم والخلق الرفيع. ولكن الحقيقة أيضا هي أن المحامين أصبحوا يعانون منذ فترة طويلة من مشقة وتضييق عليهم في أداء عملهم. فليس من المقبول أن المحامي الذي يقدم توكيلا للتصالح في النيابة في القضايا المحكوم فيها. يتم إرجاء صدور قرار بشأنه لحين الاستعلام من الشهر العقاري عن صحة التوكيل الذي قدمه من عدمه. وليس من المعقول أن كل شهادة بيانات من السجل العيني. يجب أن تصحبها شهادة أخري بصحة البيانات الواردة بها. رغم أن الشهادتين عادة ما يستخرجا في ذات الوقت ومن واقع سجلات واحدة ويدونهما نفس الموظف. وعلي غرار ذلك هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون أداء المحامي لعمله بيسر. وتحرمه أيضا من الاستفادة من القيام بكثير من الأعمال القانونية. التي اعتاد المحامون منذ أمد طويل علي القيام بها. في حين أن المحامين حتي في الدول العربية يتمتعون بصلاحيات كبيرة تكفل لهم الحفاظ علي أصول هذه المهنة العريقة. فالمحامي في ليبيا الشقيقة مثلا منوط به القيام بإصدار التوكيلات من مكتبه وتوثيقها بخاتمه. في الوقت الذي نقوم فيه نحن بإفراغ مهنة المحاماة من مضمونها تدريجيا. من خلال قرارات غير مدروسة تبدو وكأنها لا تعني سوي العداء لمهنة المحاماة. وعدم إدراك الدور الذي تقوم به في خدمة المجتمع كشريكة للقضاء في تحقيق العدالة. فلم نسمع أبدا أن الأطباء الجراحين تم حرمانهم من القيام بجراحات الكلي لمجرد أن بعضهم قد قام بسرقة كلي بعض المرضي. ولم نسمع أنه قد تم إلغاء إشراف جميع المدرسين علي الامتحانات لمجرد أن بعضهم قد قام بتسريب الامتحانات في الثانوية العامة. فالملاحظ في الآونة الأخيرة أن المحامين هم الفئة الوحيدة التي تتخذ ضدهم قرارات جماعية تعوق أعمالهم. يضاف إلي كل ذلك ما يلاقيه المحامي في سبيل أداء مهنته من معاناة. مع المعوقات الكثيرة التي أصبحت تعوق عملية التقاضي. كارتفاع الرسوم بطريقة جنونية حتي أنه يتم الآن إلزام المدعي في الدعاوي التي تتم فيها المطالبة بمبالغ مالية. أن يدفع رسوما في حالة خسارة دعواه تصل إلي سبعة ونصف في المائة من قيمة المبالغ المطالب بها. كما أن كثيرا من الإعلانات البسيطة التي تتكرر كثيرا في الدعوي. أصبحت تقتضي سداد رسوم عالية تصل إلي أربعة وعشرين جنيها أحيانا للإعلان الواحد. إضافة إلي فرض رسوم بريد مالية علي نفس الإعلانات وذلك ما لم يكن موجوداً من قبل ولا أعتقد أنه يوجد سند قانوني له. بل هو تجاوز غير مبرر من شأنه أن يعوق اللجوء للعدالة. فيمكن أن يكون مقبولا فرض غرامة معقولة علي من يستغل حق التقاضي بغير مبرر مثلا كبديل لفرض هذه الرسوم الباهظة. كما أنه توجد الكثير من الإجراءات الغريبة والمعقدة. التي تؤدي إلي صعوبة حصول أصحاب الحقوق عليها. وتؤدي إلي إطالة أمد التقاضي. كما هو الحاصل بالنسبة للجان فض المنازعات الحكومية التي جاء بها القانون 7 لسنة 2000. فقراراتها لا يتم تنفيذها ولم يؤد استحداثها سوي إلي إطالة عملية التقاضي. لضرورة اللجوء إليها قبل رفع الدعوي. وأدي استحداثها أيضا إلي تحميل الدولة بأعباء مالية طائلة دون جدوي علي الإطلاق منها. فهي تضر المتقاضين وتضيع وقتهم. يضاف إلي كل ذلك العنت الذي يلاقيه المحامون من بعض الموظفين وفي الشرطة أحيانا. مما يصيب الكثيرين منهم. وخصوصا المبتدئين بالإحباط وخيبة الأمل. كما أن التطبيق غير الجيد لنظام السجل العيني قد أدي أيضا إلي تعويق التقاضي. إذ يلزم المدعي باختصام كل الملاك بالوحدة العقارية. وذلك أمر يكون غالبا ضرباً من المستحيل لوفاة معظمهم. بل أحيانا يكونون من الأجانب الذين رحلوا عن البلاد منذ أمد طويل وماتزال بعض العقارات بأسمائهم. وأيضا فإن التعديلات التي أجريت أخيرا علي قانون المرافعات. أدي إلي الإجهاز علي القضايا المدنية بالمحاكم دون فصل حقيقي من شأنه تحقيق العدالة. فقد أصبح القضاة يعانون من قلة القضايا المدنية خصوصا في المحاكم الجزئية والكلية. وذلك لا يعني سرعة الفصل أو قلة النزاعات. والأمر يحتاج إلي تفصيل أكثر ليس هذا مقامه. يضاف إلي كل ما سبق أننا من خلال أشهر الصيف أي في الفترة من بداية شهر يوليو إلي نهاية شهر سبتمبر نعاني الأمرين من السفر والانتظار بساحات المحاكم دون جدوي. إذ عادة ما يتم تأجيل نظر القضايا دون أي مبرر ولأسباب واهية بحجة ارتفاع درجة الحرارة. ولذا فإنه من الضروري أن تعود الأجازة القضائية إلي ما كانت عليه لتكون في الفترة من بداية شهر يوليو إلي نهاية شهر سبتمبر. مع نظر القضايا المستعجلة والخاصة بالمحبوسين والأحوال الشخصية. كما كان معمولا به من قبل. تلك هي بعض أوجاع مهنة المحاماة التي يجب أن توضع موضع دراسة جادة. لتنزع فتيل الاحتقان ما بين المحامين والعاملين في سلك القضاء. فهذه الأعداد الغفيرة من المحامين تحتاج إلي من ييسر لها سبل إنجاز أعمالهم. وليس وضع العراقيل في سبيل أداء مهمتهم النبيلة. فنحن أصبحنا أمام ضرورة ملحة. وهي إعطاء هذه المهنة قيمتها الحقيقية وتبصير أجهزة الدولة لموظفيها بالمهمة النبيلة التي يؤديها أصحابها. وهي الدفاع عن المظلومين وحماية الحقوق وردها لأهلها. فإن حضارة الأمم تقاس بمدي ما تعطيه لمهنة المحاماة من مكانة.