الفبركات الصحفية إن لم تكن ظاهرة فهي أحداث فردية تفاجئ الوسط الصحفي والمصادر ونقابة الصحفيين قبل القراء الذين يكونون آخر من يعلم، فمنذ أشهر نفي الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إجراءه حواراً مع صحيفة خاصة نشرت حواراً منسوبا إليه بينما الواقعة كانت تصريحات لقناة تليفزيونية حولتها الصحيفة إلي حوار، الأطرف أن صحيفة نشرت حواراً للدكتور أسامة الباز وهو ما نفاه وأرسل خطابا إلي نقابة الصحفيين طالبها حينئذ بالتحقيق الذي انتهي بإدانة الصحفي وتجميد عضويته بالنقابة. والآن تكثر الفبركات المنسوبة الي مصادر مجهلة تحت زعم حماية المصدر غير أنها إن انطلقت علي القارئ لا تنطلي علي الوسط الصحفي والخبراء وإن كان الصحفي جزءاً من منظومة عمل فما رأي رؤساء التحرير وهل تمر من تحت أيديهم هذه الفبركات أم تتم بدعم منهم وما دور النقابة والنقاد المتابعين وكيف يرون خطورة ذلك علي المهنة؟ هذا ما سوف تناقشه أسئلة نطرحها في هذا التحقيق. تري فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الاهالي أن الصحفي الذي «يفبرك» موضوعات غير جدير بالعمل الصحفي كونه يسرق جهد غيره وينسبه لنفسه إذا لم يكن مختلقاً الموضوع من الاساس، أضافت النقاش: حدث ذلك حيث اكتشفت صحفياً كان يعمل بالأهالي ينقل موضوعات من شبكة الانترنت فقمت بإيقافه عن العمل وأنهيت تعاونه من الجريدة. وأشارت النقاش إلي أن هذه الجريمة بدأت تتفشي لدرجة أن نقيب الصحفيين حذر كثيراً منها مطالبا الصحف بتوقيع أقصي عقوبة علي من يمارس هذا الفعل داعية النقابة لمعاقبة من يثبت فبركته لموضوعات أو سرقتها وإعلان اسمه ليكون عبرة لامثاله. وعن معايير كشف الموضوعات المزيفة تقول: لابد أن يكون الصحفي موضع ثقة في البداية وأن يتأكد من مصادره وأن يقدم موضوعاته موثقة بتسجيلات أو مستندات والصحفي الكفء الصادق يظهر هذا في سيرته المهنية منذ البداية وحال وجود شك يمكن للمسئول بالجريدة الاتصال بالمصادر ليتوثق منها. الكاتبة الصحفية سناء البيسي الرئيس السابق لتحرير مجلة نصف الدنيا تري أنه بحكم ممارستها للمهنة وخبرتها الطويلة فإن لديها أدوات استشعار لتحري الدقة والانضباط للموضوع مضيفة: كنت اشترط عند إجراء حوارات مع شخصيات مهمة وحساسة أن يكون هناك شريط تسجيل حتي لايقوم المصدر برفع قضية علي المجلة وكان كل المحررين الذين يعملون معي يفعلون ذلك وكل الحوارات التي أجريت مع رجال الثورة مسجلة علي شرائط كاسيت وقد ارتكبت إحدي الصحفيات جريمة الفبركة فمنعتها من دخول المؤسسة كلها وليس مجلة نصف الدنيا فقط. أما الدكتور عبدالمنعم تليمة الناقد الادبي فيقول: للأسف الشديد هناك الكثير من الشباب العاملين في بلاط صاحبة الجلالة غير مؤهلين مهنيا فيعتقدون أن الفبركة تعوض الدراسة المهنية أملا في الشهرة والرواج بالرغم من أنهم لم يختبروا بعد ومازال عودهم غضاً طريا فيعانون من وهن المهنية ثانيا هناك الولاء للمجهول والاستقطاب الجامح الموجود بين المؤسسات الصحفية يدفع الصحفي إلي تعليق موضوعاته بالتعصب ولو علي حساب الدقة الموضوعية. وباعتباري قارئاً محترفاً أصابعي نفسها تكتشف الموضوعات المفبركة من خلال مؤشرين الاول اختفاء الموضوعية والثاني: الغلو الشديد والاسراف في الروتينية والمدح بشكل مطلق أو الهجوم بشكل مطلق وغياب الالتزام الموضوعي إلي قبح مطلق أو جمال مطلق. عبدالله عبدالستار رئيس تحرير جريدة الغد يري أن هناك نوعين من الفبركة الأول بدأ من قبل ظهور الإنترنت حيث كانت هناك فبركة صحفية لكنها كانت مقبولة حيث كان الصحفي «المفبركاتي» يعتمد علي معلومة حقيقية ثم يبني عليها معلومات أخري غير صحيحة بهدف إجبار المسئول عن الصحيفة علي النشر لما يحتويه الموضوع من معلومات وإن كانت غير حقيقية، في وقت كان كل المسئولين بالدولة بداية من رئيس الجمهورية وانتهاء بأصغر مسئول يقومون بالرد علي أية معلومة مغلوطة حيث كانت الصحف قليلة، هذا كان أيضا يجبر أي صحفي علي توخي النقد إلي حد كبير وبالتالي الحد من ظاهرة الفبركة. ويضيف عبدالستار: لكن بعد ظهور الإنترنت فحدث ولا حرج فهناك بعض الصحفيين ممن يستسهلون ويلجأون إلي نقل موضوعات بأكملها مع تغيير العنوان وقد تعرضت أنا شخصيا في جريدة الغد لواقعتين الأولي عندما أجري أحد الصحفيين حوارا مفبركا بالكامل مع رئيس نادي القضاة السابق المستشار زكريا عبدالعزيز وفوجئت به عقب النشر يتصل بي معاتبا ويؤكد أنه لم يلتق بهذا الصحفي وعندما قمت بإحالة الصحفي إلي التحقيق اكتشفت أنه نقل حواراً سبق نشره في جريدة أخري مع المستشار محمود الخضيري والمضحك أن الصحفي عندما فبركه أخطأ ونسبه لشخصية جديدة هو المستشار زكريا عبدالعزيز فأوقفته عن العمل ثلاثة أشهر بعد أن أكد في التحقيق أنه بالفعل أجري حواراً مع الخضيري ولكنه أخطأ ونسبه إلي عبدالعزيز وبعد ذلك شددت عليه الملاحظة والتدقيق في أعماله. والواقعة الثانية أجري صحفي حواراً مع أحد قيادات الحزب الوطني وبعد النشر اشتكي المصدر من أن سؤالاً وإجابته تم إضافتهما للحوار ولم يكونا ضمن الحوار فواجهت المحرر قال المحرر إنه مسجل وإن المسئول تورط في الإجابة ويريد الهروب من المسئولية وبالفعل كان الحوار صحيحًا وهذا ينقلنا إلي نقطة أخري أن بعض المسئولين يتنصل من تصريحاته عندما تسبب له حرجاً كما أن الصحفي يواجه صعوبة في الحصول علي المعلومات. حاتم زكريا يري أن الفبركة جريمة مخلة بالشرف الصحفي الذي يرتكب هذه السقطة يتم تحويله إلي لجنة التحقيق بالنقابة التي تضم اثنين من نائب رئيس مجلس قضايا الدولة وفي حالة إدانته يتم تحويله إلي مجلس التأديب ليتم اتخاذ العقوبة المناسبة طبقا لميثاق الشرف الصحفي والقانون 70 لسنة 1976 والقانون 96 لسنة 1996 فالصحفي قاض في الأساس ومعبر عن وجدان الوطن. وقال إن هناك أحد الصحفيين العاملين بإحدي الصحف المستقلة افتعل أحاديث مختلقة للدكتور أسامة الباز في التسعينيات وجمع منها حوارا مختلقا ونشر علي صفحتين وأرسل الدكتور الباز مذكرة إلي النقابة التي اجتمعت ووجهت إنذارًا بالفصل للصحفي وتوجيه اللوم إليه لأن العمل الصحفي يقوم بالأساس علي الأمانة.