علامات استفهام كبيرة أحاطت عملية اقتحام منزل المستشار عبد الغفار محمد رئيس المحكمة التي نظرت إحدى أشهر المحاكمات في تاريخ مصر السياسي ، وهي قضية الجهاد الكبرى ومقتل الرئيس السادات ، وذلك بعد نشر حوار غامض في صحيفة المصري اليوم ، قالت الصحيفة أنه أجري معه قبل عامين !!! ، زعمت أنه طلب عدم نشره إلا بعد وفاته بما يشبه كتابة وصية!! ، وتحدثت مصادر صحفية عن فرضية وجود تنسيق بين الصحيفة وبين جهة أمنية اشترطت عليها الصحيفة أن لا يتم التحرك إلا بعد نشر الحوار أو بالتوازي معه ، باعتبار أن عملية اعتقال نجل المستشار الراحل واقتحام بيته للبحث عن وثائق المعلومات الخطيرة التي أشارت إليها المصري اليوم قبل النشر سيضع الصحيفة في موضع الاتهام المباشرة بالوشاية بتراث الرجل وأسرته إلى الجهات الأمنية . مصادر أسرة المستشار التي تحدثت إليها صحيفة "المصريون " تحفظت في الكلام عن تفاصيل كثيرة ، قالت أنه لا يناسب الوقت للحديث فيها ، ولكنها نفس المصادر اتهمت المصري اليوم صراحة بأنها ورطتهم في مشكلة أمنية ، وشككت بالكامل في صحة الحوار المنسوب إلى المستشار عبد الغفار محمد ، واستغربت مصادر الأسرة أن يكون لدى الصحيفة حوار منذ أكثر من عامين حسب زعم الصحيفة ولا تنشره ، ثم تفاجئ الأسرة بنشره منسوبا إلى الوالد بعد وفاته بدون إذن وفي نفس وقت نشره كانت قوة أمنية تقتحم منزل الأسرة وتستولي على كافة الأوراق والمستندات ومذكرات الوالد وكتبه لتترك المنزل مجردا من أي قصاصة ورق ، ثم كانت الطامة الكبرى اعتقال المهندس محمد عبد الغفار نجل الراحل الكبير ، رغم ما يعانيه من متاعب مرضية معروفة وخطيرة وتحتاج إلى رعاية خاصة ، لم تكتف الأسرة باتهام الصحيفة باختلاق معظم ما ورد في الحوار وتزويره ، وإنما اتهمت الصحيفة بأنها لم تستأذن أسرة المستشار الراحل في نشر الحوار المزعوم كما تفعل الصحف المحترمة ، على الرغم من عدم معقولية أن يجري شخصية في وزن ومكانة المستشار عبد الغفار محمد حوارا مطولا مشحونا بالأسرار المزعومة مع صحيفة ويطلب منها أن لا تنشره إلا بعد وفاته ، وكان الأولى أن تكون هذه الوصية مع أسرته ذاتها المؤتمنة على أسراره وخصوصياته وليس من أشخاص لا يعرفهم ولا يعرف علاقاتهم ، كما كانت الإشارات الخطيرة إلى وجود وثائق حساسة لدى المستشار والتي تعمدت الصحيفة بثها في مقدمة الحوار أشبه ببلاغ أمني مسبق انتهى إلى اعتقال المهندس محمد وتدمير تراث المستشار عبد الغفار محمد ، وكانت المصري اليوم قد ذكرت في مقدمة الحوار المفترض ما نصه (لرجل أدلى بأسرار كبيرة وكثيرة عن عملية اغتيال السادات والتحقيقات التى لم يكشف عنها حتى الآن داخل إحدى الجهات السيادية، وطلب عدم نشرها أو الكشف عنها إلا بعد وفاته، وقال آنذاك: «أمامى على الأكثر عام أو عامان لأموت وبعدها أنت حر! ، ولأن الظرف السياسى لا يسمح بنشر ما ذكره الرجل من أسرار، فإن «المصرى اليوم» تنشر الحوار دون تلك المعلومات السرية التى أوردها فى كلامه) . والجدير بالذكر أن المستشار عبد الغفار محمد الذي عمل بالمحاماة بعد خروجه إلى المعاش قد توفي قبل حوالي ثلاثة أسابيع ، وتلقت أسرته برقية عزاء من رئاسة الجمهورية ورئيس مجلس الشعب ووزير العدل والنائب العام وعدد كبير من القضاة والمحامين ، حيث كان يحظى باحترام وافر في الأوساط القانونية . إلى ذلك أثارت واقعة اقتحام منزل المستشار محمد غضبا شديدا في أوساط القضاة ، وأدان المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض قيام الأمن باقتحام منزل المستشار الراحل ومصادرة مذكراته وكتبه واعتقال نجله محمد، مبديًا في تعليق ل "المصريون" استنكاره لذريعة أن تلك المذكرات تمس الأمن القومي، قائلا إن ما يمس الأمن القومي هو خطر قادم من الخارج وليس مذكرات قاض عن قضية، وإنه يجب أن يكون هناك أذن من النيابة، وأن تكون هناك تحريات قبل اقتحام منزل أي مواطن عادى، فضلا عن منزل شخص بحجم المستشار عبد الغفار محمد. وأضاف: أننا أمام عدوان على الحريات مما يستدعي أن نتحرك وإلى جانبنا نادى القضاة بحكم أن المستشار عبد الغفار محمد قاض سابق، لكنه استبعد حدوث رد فعل سواء من جانب مجلس القضاء الأعلى في استنكار هذه الواقعة، فليس معروفا عنه تصديه لأي من هذه الأمور، أو اتخاذ وزير العدل موقفا منددا، لأن "موقفه يمثل موقف الحكومة ولا يمكن أن يدين مثل هذه الأفعال، باعتباره جزءا من السلطة التنفيذية"، أما مجلس نادى القضاء وإدارته الجديدة "فدائما يأخذ موقف الصامت ولا يتصدى لأي أمر لأنه أتى لكي يقوم بمثل هذه المهمة". من جهته، أكد المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة السابق أن هذه الأخبار يجب إلا تأخذ على عواهنها إلا بعد التأكد من حدوثها بشكل رسمي، وإذا احتمل هذا الموضوع الصدق فسنبين موقفنا بشكل جاد وحازم، فيما استبعد أن يكون لمجلس القضاء أو وزارة العدل موقفا منددا لمثل هذه الأفعال في حال ثبوت صدقها. بينما وصف المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض المستقيل هذا الإجراء بأنه "تعسفي" وأرجعه إلى العمل قانون الطوارئ الذي أكد أن مع وجوده لا يمكن محاسبة من فعل ذلك، وأنه لو لم يكن هناك قانون للطوارئ في مصر لكان كل هذا أصبح باطلا وكان من الممكن محاسبة من فعل ذلك. هذا وقد أثار سلوك الصحيفة استنكارا في أوساط صحفية عديدة ، نظرا لوجود شبهة الوشاية للجهات الأمنية بالإشارة العلنية إلى امتلاك أسرة الراحل لوثائق خطيرة تمس الأمن القومي ، وأكد جمال عبد الرحيم السكرتير العام المساعد لنقابة الصحفيين أنه هذا التصرف غير مقبول من جانب الصحيفة وهذا محظور في القانون أن يتم التنويه عن موضوع يمس الأمن القومي كما تدعى الصحفية بهذا الشكل وبهذه الصيغة، وقال إنه إذا ما تقدم أحد لمجلس النقابة بمذكرة فمن الممكن أن تفتح تحقيقا في الموضوع.