الكل يستغل المشاعر الدينية لمصلحته.. الجميع يتاجر بالأديان.. وهم يسعدون بتجييش العاطفة الدينية خلفهم متصورين أنهم الوحيدون المدافعون عن الدين والعقيدة ولا تنازل عن ذلك حتي ولو كان مقابل ذلك الاستشهاد كما يروجون.. وهم العارفون للإنجيل والمفسرون لنصوصه والحريصون علي تطبيقها حرفياً.. وبالطبع من دونهم ليسوا مسيحيين ولا مؤمنين ولا مدافعين عن الدين أو العقيدة فإنهم ينتسبون زوراًً للإنجيل فلا يعرفونه بل ينحرفون عن وصاياه. الأهم هل يوجد مسيحي لا يؤمن بالإنجيل ولا يدافع عنه ولا يحرص علي قيمه؟ هل يوجد مسيحي يفرط في عقيدته ومسيحيته؟ ولصالح من؟ وما الذي يجبر أي إنسان علي الإعلان عن إيمانه بعقيدة ما دون الإيمان بها؟ وما علاقة كل هذا بحكم المحكمة الإدارية العليا بتزويج أحد الأقباط مرة ثانية بعد طلاقه وبعد تزويج الكنيسة لمطلقته؟ فهل الحكم والمحكمة كانا ضد الكنيسة وأرادت إهدار نصوص الإنجيل وأصرت علي الغاء سر الزواج؟ وهل القاضي قد حكم بخلفيته الإسلامية كملم في هذه القضية كما يدعي الأنبا بولا؟ ولماذا خلط الأوراق بين هذا الحكم المستند إلي لائحة 38 التي ما زالت حتي هذه اللحظة هي بمثابة القانون المنظم للأحوال الشخصية للأقباط وبين تلك الهجمة والهبّة الاستفزازية التي تمت وتتم باسم الدفاع عن المسيحية والذود عن الدين والحفاظ علي الإنجيل؟ فالحكم كان صحيحاً ومستنداً للائحة التي لم يلغها لإقرار البابا الكنس رقم 7 لسنة 71 والخاص بأنه لا طلاق إلا لعلة الزني فهذا قرار كنسي وليس تشريعياً يلزم المحكمة والقاضي.. ولا يبطل اللائحة أيضاً ذلك التعديل غير الشرعي الذي أعده المجلس الملي والذي نشر في عام 2008 في الوقائع المصرية كإعلان مدفوع الأجر. فهل القرارات الكنسية البابوية والإعلانات مدفوعة الأجر قد أصبحت ملزمة للمحاكم وللقضاة بديلاً عن السلطة التشريعية؟ اذن الحكم صحيح ويستند إلي قانون لم يعدل ولم يلغ حتي الآن فلماذا هذا الخلط والاستغلال والادعاء؟ وما علاقة هذا الحكم الصحيح واستغلاله سياسياً بهدف الضغط علي الدولة لإصدار قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين؟ فإصدار القانون حق ومطلوب ولا خلاف حول إصداره.. ولكن خلط الأوراق واستغلال الحكم بهدف جني مكاسب سياسية في المقام الأول ولا علاقة لها بالدين فهذا لا علاقة له بالمسيحية ولا بالإنجيل ولا بالكنيسة، فكم نستغل تلك الأشياء العظيمة بهدف جني مكاسب سياسية، فهل تلك الهجمة التي تم تجييش المجمع المقدس والكهنة والشعب وأقباط المهجر حولها كان هدفها فعلاً هذا الحكم الصحيح.،أم أن هذا استغلال في غير وضعه بهدف لي الأذرع لحصد مكاسب للبابا كزعيم سياسي يدعم دولة الكنيسة مثل ما حدث قبل ذلك في قضية وفاء قسطنطين وقد أجبر النظام علي تسليمه لها الشيء الذي ما زال وسيظل صداه حتي الآن وفي المستقبل؟ ولذا فالنظرة الموضوعية والعقلانية للموضوع لا تجد مشكلة حقيقية تدعم وتؤكد ما حدث من استغلال. فالحكم صحيح بناء علي 38 . وتطبيقاً للمادة 69 من اللائحة التي تجيز تزويج المطلق لو لم تحكم المحكمة بعد تزويجه مرة أخري وحيث إن عدم التزويج لا يتم إلا لطلاق الزني، فقد تم تزويج مطلقة صاحب الحكم عن طريق الكنيسة ولذا فيصبح من حقه هو أن يتزوج مرة ثانية.. والأغرب أن بولا الأسقف المسئول عن هذه القضايا بالكنيسة قد أعلن في قناة الكنيسة أن الكنيسة موافقة علي تزويج صاحب القضية.. فما المشكلة إذن سوي الاستغلال السياسي؟ أما ما يخص التناقض مع الإنجيل فتلك قضية ترتبط بتفسير النص حرفياً أم روحياً.. والمسيحية هي ديانة روحية وليست حرفية. ولا يعقل أن يقول البابا: لا أحد يسألني أن الباباوات السابقين كانوا يتزوجون ثانية. فهل الجميع لا يتمسك بالمسيحية ولا يوجد سواك! والأخطر هنا هو ذلك الانكشاف الذي أسقط كل الادعاءات والشعارات خلف المطالبة بالدولة المدنية ورفض الدولة الدينية والمطالبة بحقوق المواطن. ولا نعلم ما علاقة الدولة المدنية.. والمواطنة بالمطالبة بالإنجيل في مقابل الدستور، وبالشريعة المسيحية في مواجهة القانون، في الوقت الذي لا يوجد فيه ما يسمي بالتشريع أصلاً في المسيحية. ولكنها الحقيقة الغائبة التي ظهرت والتي تضمر الدولة الدينية أو الكنيسة باسم الإنجيل.. فهل نقول هنا إننا قد حذرنا من خطورة تلك النظرة منذ نحو عشرين عاماً والآن نري الخطر مجسداً. مما يشكل خطراً علي الأقباط بل علي الوطن بكامله. وهل تلك الممارسات الاستفزازية لا تترك أثراً سلبياً لدي الآخر بتراكمه يمكن أن يحدث تفجيرات طائفية نحللها بأسباب وقتية وجغرافية خاصة بالحدث متناسين ذلك التراكم الأخطر والأهم؟ كفي استغلالاً للدين وكفي متاجرة بالعقيدة وكفي صعوداً علي حساب الإنجيل. فالجميع مؤمنون عارفون دينهم غير متاجرين بعقيدتهم.. والعقيدة غالية والوطن غال.. والمستغلون لن يكونوا أبداً قيصر ولن ينالوا ما لله.