نموذج آخر لطريقة تعامل الموظف المصري مع المواطن.. وما أكثر نماذج المحروسة جريدة إماراتية ترسل لي مبالغ مالية عبر شركة تحويل أموال WESTERN UNION «ويسترن يونيون» التي تتحفنا بإعلاناتها عبر وسائل الإعلام، ولا أعرف سبب إصرار الجريدة علي تجاهل البنك الذي اتعامل معه في مصر.. المهم ذهبت إلي مقر الشركة في سبورتنج لم أجد إشارة ولا لافتة، قيل لي إنها - أي الشركة - انتقلت إلي شارع فؤاد أمام المحافظة هكذا دون إشعار أو إعلان يحترم المتعاملين معها، في فرع الشركة فؤاد.. دار حوار تقليدي بين السيد الموظف الشاب وبيني: قلت: ممكن أصرف تحويل من فضلك؟ رد باقتضاب: مافيش هنا صرف، اتصل ب19190، وقد كان ولم يرد الرقم، عدت للشاب: من فضلك تقول لي أصرف منين، وبعد 25 دقيقة جاءني رده: اتصل 19190 قلت: لو سمحت تقولي لي عنوان فرع الصرف بس، رد: قلت لك اتصل ب19190 قلت: طيب فين المدير من فضلك، رد بكل استخفاف: «مافيش مدير هنا.. أنا مدير نفسي» مع ضحكة ساخرة تليق بالمقام بعد بحث عن فرع الصرف وصلت.. في حي آخر، وشارع فرعي ضمن مبان جديدة في سموحة «الإسكندرية»، وهنا قابلني موظف الصرف «الشاب أيضا» بكل أدب وكياسة سألت عن سيادة المدير، وشرحت له ما حدث من موظف شارع فؤاد قال: أكتب لي ما حدث مع الاسم والعنوان ورقم التليفون.. الخ. أخذ سيادته يقرأ الشكوي، وقلت له شارحا «يعني يا ريت الموظف يعرف كيفية معاملة الجمهور ويدرك أن مرتبه يأتي من أفراد ذلك الجمهور».. يعني لو الشاب الساخر ده تدرب علي ذلك يكون أفضل للجميع. نظر السيد المدير تجاهي شذراً وتعبيرات وجه سيادته تستنكر قولي.. ثم أردف: «هو العشرين دولار اللي أنت بتدفعهم دول هما مرتب الموظف»؟! قلت: طبعا، رد: لا ده مرتبه من الشركة!! قلت: «ما هو الشركة من ال20 دولار «التافهين بتوعي مع غيرها من عشرينات تستمر وتتوسع وتمنح الموظف المذكور مرتبه» قال بضيق: «أنا عارف أنا باقول ايه ومش مستني تعرفني شغلي»، وبنفس نظرة موظف فؤاد!!! ومن ثم سحبت منه الشكوي شاكرا حسن تعامله وكرم ضيافته.. وانصرفت مرددا في سري: «مافيش فايدة»! وهنا نلاحظ أن الموظف المصري -غالبا وأيا كان موقعه - يعمل بمبدأ: أنا مش باشتغل عندك، الملاليم اللي بتدفعها رسوم مش محتاجها، روح اشتكي، اعمل اللي تقدر عليه هذا مع تعبيرات: جمهور آخر زمن، كل واحد حايشترينا بالقروش الهايفة بتاعته.. الخ. والموظف يتدرب وفق نظرية: ايه الزباين اللي بتتحدف علينا دي؟ هذا والعادة المصرية «ربنا يديمها» أن يكون السيد الموظف جالسا باسترخاء بينما المواطن واقفا مثل التلميذ البليد في وضع تكدير، ودائما ما يخاطب المواطن ذلك الموظف قائلا: سيادتك، حضرتك يا أفندم، يا أستاذ.. ويكون رد الموظف: أنت، قلت لك، روح هات كذا، استني هناك لما أنده لك، قف بعيد شويه الدنيا حر.. الخ. وفي حالتي - وهي مجرد نموذج يتكرر كل فيمتو ثانية: حدث ذلك من الشاب ومن مديره ولا فرق هناك - هي طريقة مصرية أثيرة، يستحيل أن يدرك معها الخفير والمدير أن مرتبه يأتي مباشرة وصراحة من تلك الدولارات أو القروش القليلة التي يدفعها المواطن.. وتجد تلك الطريقة في كل مكان من الفرن البلدي وحتي الشركة الاستثمارية أو الأجنبية، حتي بتنا نترحم علي أيام البنوك والموظف المبتسم الذي يشكر المتعاملين بعد أن يؤدي لهم الخدمة «ذات المقابل المادي بالطبع». ولم أتعجب كثيرا لرد فعل وتعليقات مدير سموحه، لكني استغربت بعدها مفكرا: بصراحة شاب فرع فؤاد كان متواضعاً جدا.. واطيب من اللازم، لأنه إذا كان مديره يفكر هكذا فلاشك أن الشاب قد تنازل عن حقه وتغاضي عن واجبه عندما لم يقم بضربي وطردي من الفرع بتاع جنابه. وهذه ليست شكوي.. هي مجرد نموذج لممارسة ثابتة يبرع في تعاطيها الموظف المصري مع الجميع، الموظف صاحب تعبير: «علي قد فلوسهم» دونما اهتمام بمبدأ وعرف نجدهما في معظم دول العالم واذكر بالمناسبة أنني خلال فترة عشت فيها في انجلترا.. احتجت «فكة» 5 جنيهات استرليني نزل المدير بنفسه شاكرا لي تعاملي مع البنك لأول مرة، لكن علي رأي الشاب: «أنا مدير نفسي إحنا في مصر»، الله يسامحهم بتوع الامارات، ما كان أغناني عن التعامل مع الشركة المذكورة خاصة وقد تكرر ذلك من بعض موظفيها - صحيح.. إحنا في مصر.. واللي عندك اعمله!!