ملاحظات إضافية علي مذبحة البحر أحدث القرار المصري بفتح معبر رفح إلي أجل غير مسمي ارتياحاً كبيراً علي مستويات دولية وإنسانية.. لاسيما بين الرأيين العام المصري والفلسطيني.. ولا شك أن تلك الخطوة تحسب للرئيس مبارك.. الذي لا يعلم الكثيرون أنه يقوم بجهد مستمر من أجل تلبية احتياجات القطاع الإنسانية باستثمار كل الطاقات المصرية وفي إطار الوضع القانوني للقطاع. الذين يتعاملون مع المسألة بطريقة عاطفية قد لا ينتبهون إلي نقطة خطورة أساسية تبني مصر عليها مواقفها.. وهي أن القطاع لم يزل محتلاً حتي لو كانت إسرائيل قد انسحبت منه.. وأنه لا يمكن إلقاء تبعة شئونه علي مصر.. كما لا يمكن إلقاء تبعة شئون الضفة علي الأردن.. هذان هدفان إسرائيليان خبيثان قائمان.. ويحظيان بالانتباه المصري.. ومن ثم فإن القاهرة إنما تقوم بكل ما يمكن أن يؤدي إلي تلبية المتطلبات الإنسانية بدون إهدار مقومات الموقف القانوني الذي يؤدي إهداره إلي الإضرار الجسيم بالقضية الفلسطينية. توقيت إعلان فتح المعبر إلي أجل غير مسمي، الذي فأجا حتي حركة حماس فلم تستطع التعامل معه في ذات لحظة صدوره وأجلت فتحه من جانبها لمدة يوم، لا يجب أن ينسينا أن مصر كانت تفتح المعبر خلال الفترة الماضية علي فترات متقطعة.. ولفترات تطول غالباً. وبحيث استفاد من ذلك ما لا يقل عن مائة ألف فلسطيني في ستة أشهر.. وقد قامت مصر بتمرير كميات هائلة من مواد البناء بدون صخب.. وسهلت مهمة المعونات الإماراتية قبل واقعة قافلة الحرية البحرية بأيام.. وكانت أيضا القاهرة قد وصلت إلي صيغة مع إسرائيل تسمح بدخول المواد الإغاثية من معابر غزة مع إسرائيل في الأسبوع الماضي.. وهذا كله جهد لا يحظي بالدعاية الكافية. تلك ملاحظة جوهرية علي هامش مجريات قافلة الحرية وبيان مجلس الأمن.. لا تنفي ملاحظتين أخريين. الأولي تتعلق بتركيا.. التي ومن اللحظة الأولي سجلت أنها في مأزق.. وأنها تمارس قدراً من الاستعراض الهادف إلي تحقيق مكاسب سياسية علي حساب الأطراف الأساسية للملف.. بغض النظر عما سوف يحققه الفلسطينيون من فوائد.. وواقعة البحر التي حولتها إسرائيل إلي مجزرة خير دليل علي ذلك.. إن تركيا لا تريد أن تحقق مصلحة فلسطينية وإنما أن تستخدم الورقة الفلسطينية من أجل تحقيق أهدافها.. وأهم هدف لها هو أن تكون وسيط الغرب إلي الشرق وأن يعطيها هذا صلاحية الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي. تقف تركيا عاجزة الآن لا هي حمت رعاياها.. ولا هي ردت علي إسرائيل، ولا هي انتقمت للشهداء، ولا هي مررت المعونات، ولا هي حاصرت إسرائيل دبلوماسياً.. ولا هي تمكنت من أن تسجل نقاطاً إضافية في عملية الدعاية واسعة النطاق لدورها المستجد. وبالتأكيد لم يكن هذا هو هدفها، لقد كانت أمامها فرص عديدة.. ولكن عيباً جوهرياً في طبيعة تكوين الحكومة التركية هو الذي أدي إلي المأزق الذي هي فيه الآن، والمسألة باختصار يمكن إيجازها في عبارة «الطبع يغلب التطبع».. والطبع هو أن حزب العدالة والتنمية الذي يقود من خلاله أردوغان حكومة تركيا هو في الأصل جماعة إخوانية.. والتطبع هو أن الحزب أراد أن يقدم نفسه علي أنه صيغة جديدة وحداثية للإسلام السياسي.. وأن تلجم السياسة الأيديولوجيا.. لكن الواقع والمتغيرات دفعته إلي أن يعود أسيراً للأيديولوجيا. وأن تنكشف طبيعته كجماعة تنتمي إلي التنظيم الدولي للإخوان. تركيا، إذا ما قرأنا تركيبة المنضمين إلي قافلة الحرية البحرية، تم تكن تقوم بعمل إنساني بقدر ما كانت تقوم بعمل تجميعي ضم عدداً من المنتمين إلي التيار السياسي الديني الذي تعود إليه جذور حزب العدالة والتنمية. الغالبية في القافلة باستثناءات بسيطة كانت من بين جماعات الإخوان في مختلف دول المنطقة.. وعلي سبيل المثال النائبان الإخوانيان من مصر.. وأيضا المجموعات المشاركة من الأردن.. وكذلك المجموعات المشاركة من الكويت.. تركيا عبر منظمة وصفت بأنها غير حكومية خلقت وعاء جديداً لهذا التيار تحت عباءتها. وليس هذا بعيداً عما كانت تفعله إيران في حرب غزة.. كما أنه ليس بعيداً عن أفعال مماثلة كان يقوم بها نظام صدام حسين.. وبالتالي فإن الصورة الحداثية للسياسة التركية سرعان ما انكشفت.. ليس فقط في كونها عاجزة عن مواجهة تحدي إسرائيل.. ولكن في أنها أيضا غلبت الانتماء السياسي علي الانتماء الإنساني وعلي متطلبات ومواصفات القيام بالأدوار المفترضة لتسيير العمل في الملف الفلسطيني. نأتي إلي الملاحظة الأخيرة،اليوم، وهي تتعلق بما قال محمد البلتاجي النائب الإخواني في حديثه لبرنامج «العاشرة مساءً»ليلة الثلاثاء الأربعاء.. بعد أن تم الإفراج عنه.. عن طريق السفارة المصرية.. وعن طريق قنوات التطبيع المصرية.. التطبيع الذي يرفضه الإخوان.. فهو روي أنه ومن معه علي المركب كان أن أوقفوا ثلاثة كوماندوز إسرائيليين اقتحموا السفينة.. واستولوا علي سلاحهم.. وقد فاخر بهذا دون أن يدري أنه يمنح إسرائيل هدية عظيمة ومسجلة وسوف تستفيد منها في التحقيق الذي قد يتم إجراؤه دولياً حول المذبحة. ببساطة شديدة قالت إسرائيل إنها كانت تواجه مسلحين علي السفن.. وأنها اضطرت إلي مواجهة ذلك.. وقد قال النائب إنه ومن معه استولوا علي سلاح الكوماندوز.. نافياً عن نفسه ومن معه صفة أنهم مدنيون.. لا يقومون بعمل عنيف.. ولعل الجميع يلاحظ أن الفيلم الذي تم تسريبه للعملية كان يتضمن مشاهد لجندي إسرائيلي قفز إلي المركب.. وتم ملاحقته.. وضربه.. وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل ويثبت مبررها القانوني. لقد تم التحقيق إسرائيلياً مع هذا النائب وزميله.. وكلي شغف أن أطلع علي ما جري في هذا التحقيق.. وماذا قال النائب للمحققين الإسرائيليين.. لعله لم يقدم هدية جديدة لإسرائيل في هذا التحقيق.. ولعله لم يفدها بينما يظن أنه يلعب دور البطولة أمام شاشات التليفزيون. [email protected] www.abkamal.net