أذهلني الخبر الذي نشرته مؤخرا جريدة (جيروساليم بوست) علي موقعها الالكتروني بخصوص اكتشاف حديث ومؤكد - علي حد قول صاحبه البروفيسور إيمانويل أناتي - والذي ينقل جبل موسي من سيناء إلي إسرائيل وتحديدا إلي جبل كركوم في منطقة صحراء النقب جنوبفلسطين!! ما أذهلني في البداية هو كيفية قلب المسلمات التاريخية بسهولة ويسر ووجود من يصدق هذا.. وراعني أيضا قدرة هؤلاء علي نقل الجبال السياحية التاريخية مع انتقالهم من سيناء.. وكأن الخروج الثاني من سيناء لم يكن ليعبر ببساطة وبخسارة أيضا.. وتعجبت كثيرا من أن هذا الاكتشاف لم يخرج إلي النور قبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عندما كان التواجد الإسرائيلي قائما علي أرض سيناء واستغلال الجبل سياحيا كان وقتها لمصلحتهم.. أليست هذه كلها مذهلة بحق؟! وقد بدأت القصة - التي لم نسمع عنها من قبل - منذ عشر سنوات بالبروفيسور عالم الأثريات الإيطالي الإسرائيلي الذي قام ببحثه في جنوبفلسطين وجبل كركوم علي وجه التحديد ليخرج بنظرية عجيبة مفادها أن موسي النبي لم يكن علي جبل سيناء حين أخذ الوصايا العشر من الله بل كان فوق جبل كركوم هذا!! كما أن البروفيسور أناتي اضطر لتغيير الزمان حتي يلائم تغيير المكان إذ إن الآثار التي وجدها في منطقة جبل كركوم والتي يزعم أنها الدليل علي وجود شعب إسرائيل وموسي هناك تعود إلي زمن يسبق زمن خروج إسرائيل من مصر بحوالي 1000 عام!! ولا يخفي أناتي مشاعره الحقيقية وأهدافه التي تذهب بوضوح نحو الاستغلال السياحي وتحويل حج الكثيرين من السائحين اليهود والمسيحيين من سيناء مصر إلي كركوم اسرائيل، فيقول: (أعلم أن هذه النظرية ثورية، حيث إنني لا أغير المكان فحسب، لكنني أنقل جبل سيناء لإسرائيل ، الأمر الذي سيغضب المصريين. ولكن ينبغي لإسرائيل أن تفتخر بذلك.. إن صحراء النقب خالية وينبغي تنميتها).. وبالرغم من اعتراض أساتذة إسرائيليين- من أصحاب العلم الحقيقي - بجامعة تل أبيب علي تلك النظرية واستبعادها تماما، لا يزال أناتي متفائلا بشأنها ويؤكد أن الفاتيكان سيأخذ بها ويعتمد رحلات حج لكركوم السنة المقبلة.. صحيح أن الفاتيكان لم يعلق بعد علي أقوال ومزاعم البروفيسور العجوز- 80 عاما- إلا أن الفاتيكان لو اعتمد هذه النظرية ستكون النتائج خطيرة.. ما موقفنا نحن يا تري؟ هل كان المتخصصون علي علم بما يدور منذ عشر سنوات في كركوم؟ هل اتخذت أي إجراءات مضادة لاحتمال وصول هذا الرجل لتلك النتيجة وإعلانها في كتاب قد يكون له تأثير عالمي خطير خاصة أن اليونسكو قد اعتمدت مشروعا سابقا له؟ أي نوع من الإجراءات تم أخذه؟ محاولات علمية أثرية واستعانة بخبرات دولية لإعادة اكتشاف وتأكيد قيمة وتاريخ جبل موسي؟ محاولات جذب فوق عادية للسياحة الدينية والتركيز علي هذه المنطقة وأهميتها؟ دعاية إعلامية كبيرة وأفلام تسجيلية بلغات مختلفة لتوضيح مكانة جبل سيناء وتاريخه الديني؟ قطعا سنقول - كما قلنا عن عجائب الدنيا السبع الجديدة - هذه زوبعة في فنجان، ولن تدوم، ولن نرد، ولن نأخذ أي إجراءات، فنحن واثقون أن الأهرامات من عجائب الدنيا السبع وأن جبل موسي هو جبل سيناء..