كتب : نهرو طنطاوى قد تتسبب هذه الدراسة في مباغتة كثير من الناس رجالا ونساء، بل قد توغر صدور كثير أو كل الرجال ضدي، وأيا يكن الأمر فهذه هي الحقيقة، فلم يرد في كتاب الله (القرآن الكريم) ولا في أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ولا في الكتب السماوية السابقة (التوراة والإنجيل) أدني إثارة من أمر أو إلزام للمرأة (الزوجة) بخدمة زوجها، وهذا ما سنتحدث عنه تفصيلا وما سنناقشه من خلال فصول هذه الدراسة والتي سأنشرها تباعا في عدد من المقالات. إنه لمن المخزي والمحزن حقا أن يتحول عقد الزواج من عقد يقوم علي الشراكة بالحق والقسط والندية والتكافؤ والسكن والمودة والرحمة بين الرجل والمرأة، إلي عقد لاسترقاق المرأة واستخدامها واستعبادها، ومعاملتها كجارية أو أمة أو خادمة تحت مسمي (وجوب طاعة الزوج). وهنا قد يتساءل البعض فيقول: كيف تجعل من طاعة المرأة لزوجها في خدمتها له داخل المنزل وقيامها بأعمال (الطبخ والغسل والتنظيف وإرضاع الأطفال ورعايتهم) بمثابة استرقاق واستعباد لها؟؟. وجوابا علي هذا أقول: نعم إن اعتبار وجوب طاعة المرأة لزوجها، بإلزامها بالقيام بأعمال الطبخ والغسل والتنظيف وإرضاع الأبناء ورعايتهم، وأنها أعمال مفروضة وواجبة عليها، وأنها ركن أصيل وأساسي من أركان الزواج، لهو عين الرق والعبودية، بل هو عقد جلب جارية أو أمة، وليس بعقد زواج علي الإطلاق. وإلا فكيف يفرق المنصف بين وظيفة الزوجة ووظيفة الجارية؟؟ وما هو الخط الفاصل بين وظيفة كل منهما؟؟. لو عدنا إلي تاريخ جميع أمم الأرض من عرب وغير عرب، لعلمنا أن الزوجة كانت لها قيمة وكينونة وكرامة أكثر بعشرات المرات مما هي عليه الآن، كيف؟؟، أهل تلك المجتمعات كانوا ينقسمون إلي قسمين: (عبيد _ وأحرار)، كان الرق والعبودية هما الدعامتين الأساسيتين التي تقوم عليهما الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لتلك الأمم، وكان الرق تجارة رائجة فيها، فلم يخل بيت من بيوت تلك المجتمعات من وجود علي الأقل جارية أو اثنتين أو أكثر للقيام علي خدمة أهل ذلك البيت. وكان هناك فرق لائح وتمايز كبير بين الزوجة والجارية، فالزوجة كانت زوجة وحسب، وكانت وظيفة تلك الزوجة وواجباتها تقوم علي توفير العفة المتبادلة الناتجة عن المتعة المتبادلة بينها وبين زوجها، وحفظ نفسها وزوجها عن الوقوع فيما لا يحل من العلاقات التي يتم فيها الاعتداء علي حرمات وحقوق الآخرين خلسة، وكذلك إنجاب الأبناء وتربيتهم ورعايتهم الرعاية السليمة التي تقدمهم إلي المجتمع كأعضاء صالحين يفيدون ويستفيدون. هذه كانت وظيفة الزوجة والزواج في كل الأمم، وجاءت الرسالات الإلهية لإقرار هذه الوظيفة الزوجية للمرأة والإبقاء عليها، أما الجارية فكانت وظيفتها هي القيام بمهام طهي الطعام وغسل الثياب ونظافة المنزل وغيرها من المهام. وحين أخذت ظاهرة الرق والعبودية في الأفول والاندثار، انتقلت وظيفة الجارية إلي وظيفة الزوجة، لسد الفراغ الذي أحدثه انحسار تلك الظاهرة كبديل عن الجارية، دون أن تنتبه هذه المجتمعات لتلك الجريمة البشعة (نقل وظائف الجارية إلي وظائف الزوجة) التي تسللت خلسة إلي الحقوق والواجبات المفروضة علي الزوجة، وبمرور الوقت أصبحت وظيفة الجارية وعملها حقاً مفروضاً علي الزوجة، وواجباً محتوماً عليها، تأثم الزوجة وتلام بل وتهان وتضرب في بعض الأحيان إن أبدت أي تقصير في أداء شيء من هذه الحقوق والواجبات المزعومة، التي لم يقرها أو يشرعها دين من الأديان، بل وتهين كرامة المرأة كزوجة وتثقل كاهلها بواجبات ومهام لم تقرها حقيقة الزواج ولا وظيفته علي الإطلاق.