قلنا إنه لم يرد نص واحد في كتاب الله (القرآن الكريم) ولا في أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولا في التوراة والإنجيل أدني إشارة من أمر أو إلزام للزوجة بخدمة زوجها، وإنما هذا الأمر والإلزام جاء به العرف والعادة التي اعتاد الناس عليها، رجالاً ونساء، وأقرها بعض فقهاء الدين من دون دليل واحد صحيح صريح يوجب علي المرأة أن تقوم بالأعمال المنزلية.إن من أوجب ذلك من الفقهاء هم قلة قليلة جداً من بين جمهور الفقهاء، فقد جاء عنهم في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي: ( لكن الأولي لها فعل ما جرت العادة به) انتهي.. انظر قولهم جرت العادة وليس الدين أو الشريعة.. وكذلك ذهب بعض الحنفية إلي وجوب خدمة المرأة لزوجها، استناداً لأن النبي صلي الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة حين طالبت فاطمة عليا بخادم وكان علي فقيراً لا يستطيع دفع أجرة الخادم، ولم يقل لها رسول الله أن هذا واجب عليك، وكذلك بعض المالكية الذين أوجبوا علي المرأة خدمة زوجها، ولم يكن لهم من برهان يذكر سوي العرف والعادة، فقد جاء في الموسوعة الفقهية عنهم ما يلي: (إن علي المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها)، انتهي. ويدل علي أن هذا الوجوب الذي قال به بعض الفقهاء ليس له أي سند ديني أن بعض المالكية لم يوجبوا علي المرأة (الشريفة) أي (بنت ناس ومن عيلة) خدمة زوجها، فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (30 / 126 ) في بيان مذهب بعض المالكية ما يلي: (إلا أن تكون «الزوجة» من أشراف الناس فلا تجب عليها الخدمة، إلا أن يكون زوجها فقير الحال) انتهي. ولا أدري من هي الشريفة التي تقبل بالزواج من فقير معدم لتقوم بخدمته؟؟ ومن هنا نعي ونعلم أن خدمة الزوجة لزوجها لو كانت واجباً وحقاً دينياً مفروضاً كما ادعي بعض الفقهاء، لما فرقوا فيه بين الشريفة والوضيعة، بل إن هذا التفريق العنصري لا يمكن أن يكون مصدره الدين الحق. وقد قال بمثل هذا التفريق العنصري (ابن تيمية)، حيث قال في ( الاختيارات، ص352): (وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة) انتهي. إلا أن تلميذه ابن القيم رد عليه في ( زاد المعاد ، 5 / 186) فقال: ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية) انتهي. واحتج ابن القيم في ( زاد المعاد، 5 / 186) في لزوم الخدمة بما يلي: ( وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه) انتهي. أقول رداً علي ابن القيم إن قول أسماء وفعلها ليس ديناً يدين الناس به ولا شرعاً يتبعه الناس، وإن ما قامت به أسماء كان فضلاً منها وتكرماً لاحقاً ولا إلزاماً، إذاً فخدمة المرأة لزوجها عادة، وليست واجباً دينياً مفروضاً، وما يؤكد ذلك قول الشيخ ابن عثيمين في (فتاوي نور علي الدرب)، حيث قال: ( أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلي العرف، فما جري العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه) انتهي. وكذلك سئل الشيخ ابن جبرين: هل من الواجب علي الزوجة أن تطبخ الطعام لزوجها؟ وإن هي لم تفعل، فهل تكون عاصية بذلك؟ فأجاب: ( لم يزل عرف المسلمين علي أن الزوجة تخدم زوجها) انتهي. إذاً كل من قال بوجوب خدمة الزوجة لزوجها كان مرجعه العرف والتقاليد خاصة إذا كان الرجال ينظرون لهذه الخدمة علي أنها حق مشروع ومفروض لهم علي زوجاتهم.