جوتيريش يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والأنشطة الاستيطانية بالضفة الغربية    اليوم.. وزير خارجية أمريكا يُجري محادثات مع مستشاري الأمن القومي بأوكرانيا وأوروبا    بدء دخول 20 شاحنة مساعدات إلى معبر كرم أبو سالم لدخولها لقطاع غزة    "بعد انضمامه للفريق".. وسام أبو علي يوجه رسالة إلى جماهير كولومبوس الأمريكي    أغسطس "خارج التوقعات"، انخفاض بدرجات الحرارة، أمطار ورياح مثيرة للرمال بهذه المناطق، وارتفاع الأمواج يعكر صفو المصطافين    نجم الزمالك السابق يتوقع طريقة لعب الأبيض أمام مودرن سبورت الليلة    اشتباه إصابة محمود نبيل بتمزق في العضلة الخلفية.. وبسام وليد يواصل التأهيل لعلاج التهاب أوتار الساق اليمنى    هبوط حاد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 21-8-2025 عالميًا.. واستقرار بقية العملات الأجنبية    عاجل.. مايكروسوفت تراجع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنياتها بسبب حرب غزة    فصل رأس عن جسده.. تنفيذ حكم الإعدام بحق "سفاح الإسماعيلية" في قضية قتل صديقه    وداعا القاضى الأمريكى الرحيم فرانك كابريو فى كاريكاتير اليوم السابع    محافظ المنيا يشهد احتفالية ختام الأنشطة الصيفية ويفتتح ملعبين    دعاء الفجر| اللهم اجعل هذا الفجر فرجًا لكل صابر وشفاءً لكل مريض    وداعا لمكالمات المبيعات والتسويق.. القومي للاتصالات: الإيقاف للخطوط والهواتف غير الملتزمة بالتسجيل    فلكيًا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا في مصر وعدد أيام الإجازة    مروة يسري: جهة أمنية احتجزتني في 2023 أما قلت إني بنت مبارك.. وأفرجوا عني بعد التأكد من سلامة موقفي    كشف المجتمع    رجل الدولة ورجل السياسة    رئيس شعبة السيارات: خفض الأسعار 20% ليس قرار الحكومة.. والأوفر برايس مستمر    أذكار الصباح اليوم الخميس.. حصن يومك بالذكر والدعاء    للرجال فقط.. اكتشف شخصيتك من شكل أصابعك    سعر التفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 21 أغسطس 2025    إصابة مواطن ب«خرطوش» في «السلام»    «ظهر من أول لمسة.. وعنده ثقة في نفسه».. علاء ميهوب يشيد بنجم الزمالك    توقعات الأبراج حظك اليوم الخميس 21-8-2025.. «الثور» أمام أرباح تتجاوز التوقعات    سامح الصريطي عن انضمامه للجبهة الوطنية: المرحلة الجديدة تفتح ذراعيها لكل الأفكار والآراء    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات الأخرى قبل بداية تعاملات الخميس 21 أغسطس 2025    تعاون علمي بين جامعة العريش والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    الآن.. شروط القبول في أقسام كلية الآداب جامعة القاهرة 2025-2026 (انتظام)    «لجنة الأمومة الآمنة بالمنوفية» تناقش أسباب وفيات الأمهات| صور    لماذا لا يستطيع برج العقرب النوم ليلاً؟    استشاري تغذية يُحذر: «الأغذية الخارقة» خدعة تجارية.. والسكر الدايت «كارثة»    الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 269 بينهم 112 طفلًا    لبنان: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الإسرائيلية على بلدة "الحوش" إلى 7 جرحى    الجنائية الدولية: العقوبات الأمريكية هجوم صارخ على استقلالنا    غزة: ارتفاع عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية إلى 94 خلال يوم واحد    ضربها ب ملة السرير.. مصرع ربة منزل على يد زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    شراكة جديدة بين "المتحدة" و"تيك توك" لتعزيز الحضور الإعلامي وتوسيع نطاق الانتشار    علاء عز: معارض «أهلا مدارس» الأقوى هذا العام بمشاركة 2500 عارض وخصومات حتى %50    رئيس اتحاد الجاليات المصرية بألمانيا يزور مجمع عمال مصر    استخدم أسد في ترويع عامل مصري.. النيابة العامة الليبية تٌقرر حبس ليبي على ذمة التحقيقات    بعد التحقيق معها.. "المهن التمثيلية" تحيل بدرية طلبة لمجلس تأديب    بعد معاناة مع السرطان.. وفاة القاضي الأمريكي "الرحيم" فرانك كابريو    ليلة فنية رائعة فى مهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. النجم إيهاب توفيق يستحضر ذكريات قصص الحب وحكايات الشباب.. فرقة رسائل كنعان الفلسطينية تحمل عطور أشجار الزيتون.. وعلم فلسطين يرفرف فى سماء المهرجان.. صور    ناصر أطلقها والسيسي يقود ثورتها الرقمية| إذاعة القرآن الكريم.. صوت مصر الروحي    بالصور.. أحدث جلسة تصوير جريئة ل دينا الشربيني بفستان قصير    الجبهة الوطنية يعين عددًا من الأمناء المساعدين بسوهاج    "أخطأ في رسم خط التسلل".. الإسماعيلي يقدم احتجاجا رسميا ضد حكم لقاء الاتحاد    محافظ كفر الشيخ يقدم واجب العزاء في وفاة والد الكابتن محمد الشناوي    اتحاد الكرة يفاوض اتحادات أوروبية لاختيار طاقم تحكيم أجنبي لمباراة الأهلي وبيراميدز    90 دقيقة تحسم 7 بطاقات أخيرة.. من يتأهل إلى دوري أبطال أوروبا؟    أخبار× 24 ساعة.. مياه الجيزة: عودة الخدمة تدريجيا لمنطقة كفر طهرمس    جمال شعبان: سرعة تناول الأدوية التي توضع تحت اللسان لخفض الضغط خطر    كلب ضال جديد يعقر 12 شخصا جديدا في بيانكي وارتفاع العدد إلى 21 حالة خلال 24 ساعة    عودة المياه تدريجيا إلى كفر طهرمس بالجيزة بعد إصلاح خط الطرد الرئيسي    ما الفرق بين التبديل والتزوير في القرآن الكريم؟.. خالد الجندي يوضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    طلقها وبعد 4 أشهر تريد العودة لزوجها فكيف تكون الرجعة؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى طويل ومعقد ولايرضاه القرآن أو السنة
حديث: «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب» الذى رواه «مسلم» غير صحيح بشهادة عائشة وأحاديث البخارى

هل تتصور ان بعض كتب الحديث والتفاسير تصور المرأة باعتبارها أقرب الى النعجة؟! وتساوى بين المرأة والكلب فى قطع صلاة الرجل، تقرأ مثلاً فى القرطبى فى (الجامع لأحكام القرآن) (15/172) يقول فى تفسيره لآية{ إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } ما نصه:«والعرب تُكنِّى عن المرأة بالنعجة والشاة؛ لما هى عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب».
وقد لا أجد تعبيرا أكثر رؤية وشمولية وأصدق لهجة يعبر عن عقلية أهل التراث من المفسرين والفقهاء وأهل الحديث إلا ما تفضل به علينا القرطبى, حيث يجزم فى معرض تفسيره أن المرأة يكنَّى-كناية التعبير- عنها بالنعجة والشاة لما هى عليه من السكون والمَعجَزة - العجز الشديد - وضعف الجانب, مردفاً من فيض علمه الغزير وموضحا أنه يمكن كذلك أن يكنَّى-يعبر- عن المرأة بالبقرة والحُجرة - أنثى الفرس - والناقة لأن الكل مركوب أى أن الثلاثة يركبهم الرجل, ويا هول هذه الكلمات العليلة القبيحة الفجة التى وصم بها القرطبى نصف أمة النبى المصطفى, ووصم بها أمهات المؤمنين ووصم بها أمه هو نفسه بأنهن لا يختلفن كثيرا عن البقرة وأنثى الفرس والناقة حيث الكل مركوب, والغريب أن القوم من أهل التراث كانوا يتمتعون بجرأة عجيبة قلَّما نجدها عند المعاصرين، فالرجل لا يستحى أن يكون هذا رأيه فقط، بل إنه وتأكيدا للتكبر والغلو يضع رأيه بين ثنايا تفسير القرآن العظيم, القرآن الذى نزل بروح العدل والتساوى والحرية والعزة للمؤمنين جميعا رجالا ونساءً (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون 8), ولذلك فإن كلمات القرطبى هذه إنما هى تلخيص بليغ لروح الجاهلية التى عادت فى الظهور تجاه المرأة من خلال وسم الدين بآرائهم وطبائعهم واستنطاق الأحكام الشرعية الإلهية برؤى فقهية بشرية وبروح طبقية ذكورية تحتقر المرأة من المهد إلى اللحد، وتحط من شأنها وتفسر القرآن العظيم بالهوى والعادة, ومن تلك العقليات ظهرت وانتشرت واستقرت تفسيرات ومفاهيم نقصان العقل والدين والضلع الأعوج وأصبح تحقير المرأة نوعا من الحفاظ على التقاليد من خلال هذه العقليات العصبية القبلية التى جعلت من المرأة إنسانا من الدرجة الثانية.
ولأن تاريخ تحقير النساء فى التراث الإسلامى تاريخ طويل ومركب, يمثل لوحة فسيفساء كبيرة جدا فليس أمامنا إلا تفكيك هذه الفسيفساء قولا ورأيا وحديثا وتفسيرا, وقد اخترنا للمناقشة فى هذا المقال حديثين فقط أخرجهما (مسلم) عن أسباب قطع صلاة الرجل المسلم.
الحديث الأول: أخرج (مسلم) 4/228: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا إسماعيل بن علية.ح قال وحدثنى زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبى ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلى، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود. قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخى! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال »الكلب الأسود شيطان».
الحديث الثاني: أخرج (مسلم) فى نفس الباب 4/228: «حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزومى، حدثنا عبدالواحد، حدثنا عبيد الله بن عبدالله بن الأصم، حدثنا يزيد بن الأصم, عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب، ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل». والمعنى فى الحديثين قد لا يحتاج إلى شرح وهو أن الرجل إذا صلى لغير سُترة مثل مسافة أو طول مؤخرة رحله يقطع صلاته مرور الحمار والمرأة والكلب.
هنا يجب نقد متن - نص - الحديث لتعارضه مع أحاديث صحيحة صريحة، فنحن نعلم أن السنة النبوية فى أصلها هى أفعال للنبى الكريم نقلت عنه وأقوال حفظت منه، وأنه فى حال تعارَض حديثان للرسول أحدهما سنة فعلية أو تقريرية كأن يشهد قوم من الصحابة أن الرسول فعل كذا أو سكت عن فعل كذا, والحديث الآخر سنة قولية محفوظة رجحت كفة السنة الفعلية أو التقريرية على كفة السنة القولية التى يعتريها الخطأ فى الحفظ والسهو والخلط والخرف والنسيان والكذب والتدليس المتعمد والرواية بالمعنى من رواة الحديث.
الأحاديث المعارضة
1- أخرج البخارى 1/751، وأخرج مسلم نفسه4/221: «حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، عن عبدالله بن عباس أنه قال: أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدى بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت فى الصف، فلم ينكر ذلك على أحد».
وهذا الحديث يؤكد فيه ابن عباس الصحابى الجليل أنه أقبل على الرسول فى جماعة يصلى بالناس وهو راكب على حمار أتان -أنثى الحمار- ورسول الله لا يتخذ جدارا ولا سترة وأنه نزل وصلى معهم, وظلت الأتان تسعى بينهم فلم ينكر عليه الرسول ذلك الفعل ولا أى من المصلين, فكيف يقر رسول الله بذلك ثم يقول عكسه.
مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث:
رغم وضوح الدليل فى كلام الصحابى الجليل ابن عباس والذى ينقض ويهدم الحديثين المرويين عن قطع الصلاة, فإن التعنت والغلو المعهود فى عدم رد أى حديث فى البخارى أو مسلم جعل الشرَّاح يلتفون حوله بأقوال واهية, فيقول (أبو زرعة العراقى) فى طرح التثريب 2/391): «حديث ابن عباس ليس صريحاً فى مخالفة حديثى (أبى ذر وأبى هريرة) لأن ابن عباس قال: (فمررت بين يدى بعض الصف) ولا يلزم منه أنَه مر بين يدى النبى، ولا الأتان التى كان عليها. والإمام سُترة للمأمومين وإن لم يكن بين يديه سترة، ولا يلزم من قوله فيه (إلى غير جدار) ألا يكون ثَم سترة».
والمعنى أن أبا زرعة يقول كلاما غاية فى العجب فيقول إن تلك الرواية ليست دليلا على مرور ابن عباس بين يدى النبى لأنه قال (فمررت بين يدى بعض الصف) ومع عدم تسليمنا بهذا فماذا عن قول ابن عباس (يصلى إلى غير جدار) فيقول أبو زرعة إن ذلك لا يتطلب تباعا ألا يكون هناك سترة من الأساس فلعل هناك سترة غير الجدار, وإذا صدقنا هذا القول فيجب أن نعترف أن ابن عباس قد قال كلاما زائدا فى الحديث ليس له معنى, لأنه لماذا يقول« إلى غير جدار» وهو يعلم أو يرى أن هناك سترة أخرى للنبى, وبالله على أى عاقل لماذا ذكر ابن عباس ذلك إلا إذا كان قاصدا المعنى المراد أنه يصلى وأمامه فراغ, ثم ماذا عن قول ابن عباس ( فلم ينكر على أحد) فلا يمكن تخيل أن ابن عباس يحكى قصة للأطفال, بل يقول ذلك عامدا أن يخبرنا معنى واضحا أقرَّه النبى وإلا لو أن ابن عباس يعلم أن الإمام سترة للمأمومين وأن الحمار لم يمر بين يدى النبى إذن لماذا يحكى ابن عباس الحديث من الأصل, وما وجه الاستدلال فى الرواية فهل يحكيها على سبيل الفكاهة مثلا ولماذا ختم قوله بجملة (فلم ينكر على أحد) إذا كان يعلم أن ما فعله لا يستدعى أصلا أن ينكر عليه أحد, فهل ابن عباس لم يكن يعلم أن هذا الذى فعله لا يستحق الإنكار وأبوزرعة وأهل التراث هم الذين يعلمون.
2- أخرج البخارى 1/773، ومسلم 4/229: «عن عائشة: ذكر عندها ما يقطع الصلاة، الكلب والحمار والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه«.
وقد كرر البخارى الحديث مرات عدة فى الشواهد والمتابعات, والمعنى الواضح الصريح أن ما ذكر من قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة قد تداول على ألسنة بعض التابعين حتى وصل لأسماع أم المؤمنين عائشة وهى الفقيهة التى عاشت الإسلام من خلال التطبيق العملى السهل المرن فى بيت النبوة, وهى النبيهة الذكية الفطنة وهى معلمة الصحابة, فقالت بذكائها وعلمها وقراءتها للمستقبل الذى لاحت فى أفقه بعد وفاة النبى بوادر وشواهد عودة الجاهلية تجاه المرأة, فقالت غاضبة ومنكرة وحازمة (شبهتمونا بالحمر والكلاب) وهى بذلك قد أخرجت المعنى والسياق من سياق مصطنع للحديث يمثل شرطا تعبديا للصلاة إلى السياق الحقيقى وهو إذلال المرأة وتحقيرها ويالها من فطنة حقيقية لأم المؤمنين- ثم أقسمت بالله صادقة وقالت (والله لقد رأيت النبى يصلى، وإنى على السرير، بينه وبين القبلة مضجعة، فتبدو لى الحاجة، فأكره أن أجلس، فأوذى النبى، فأنسل-أخرج- من عند رجليه) والمفهوم والمعقول أن هذا الحدث ربما يتكرر يوميا فى حياة الأزواج أى أن الرسول الكريم قد توفى وهو لا ينكر أن تكون أم المؤمنين الحبيبة والزوجة معترضة وقاطعة فيما بينه وبين القبلة من غير وجود سترة ولا شىء, فماذا قال التراثيون تفسيرا لهذا الحديث الذى ينقض صراحة حديثى (مسلم).
مناقشة أقوال التراثيين فى هذا الحديث
وقد أبدع التراثيون وتوسعوا فى مدى التعنت والجرأة والالتفاف على معنى هذا الحديث الواضح كالشمس, والذى قالته أم المؤمنين قاصدة رد الرواية المكذوبة على النبي, وقد تفرقوا على ثلاثة أقوال كلهم يسعى بأى سبيل لتصحيح الحديثين فالمهم أن يعيش مسلم سالما من الرد والتضعيف.
القول الأول: يقول (ابن خزيمة) فى صحيحه 2/21: «الدليل على أن هذا الخبر -أي: حديث أبى ذر- فى ذكر المرأة ليس مضادا لخبر عائشة، إذ النبى إنما أراد أن مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلى لا ثوى الكلب ولا ربضه ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلى وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدى النبى وهو يصلى لا أنها مرت بين يديه»، أما ابن القيم فيقول فى (زاد المعاد) 1/306: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وعائشة نائمة فى قبلته، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها».
ولنشرح معنى ما تقدم أولا, يقول (ابن خزيمة) إن الحديثين عند (مسلم) عن قطع المرأة والحمار والكلب للصلاة لا يعارضان قول (عائشة) أنها كانت تستلقى بين رسول الله والقبلة حين صلاته, لأن الحديثين مقصود بهما أن مرور المرأة هو الذى يقطع الصلاة أما أن تنام وتستلقى بين الرجل والقبلة فلا يقطع الصلاة, وكذلك جلوس الكلب وربض الحمار أمام المصلى لا يقطعانها بل مرورهما فقط, وبذلك يصبح الحديثان بلا تعارض فالذى يقطع الصلاة هو المرور وليس الجلوس أو الاستلقاء, وكذلك قال (ابن القيم) و هذا التفسير البغيض من (ابن خزيمة) ومثله الكثير مما اكتتبه أهل التراث قد يؤدى بكثير من الباحثين المعاصرين لفقد أحد شيئين، فإما أن نفقد عقولنا أو أن نفقد أخلاقنا, لأنه ليس من المستحب أن يقرأ الإنسان المسلم ما يشعره أنه مغيَّب أو مغفل أو أنه حيوان يحمل قرونا فوق رأسه, فكيف يقول عاقل فضلا عن أن يصدقه العقلاء أن مرور المرأة يقطع الصلاة وجلوسها ونومها أمام الرجل لا يقطعان الصلاة, فهذا التفاف حول الحقيقة غاية فى السخف والجهالة لا يراد به إلا تصحيح حديثى مسلم حتى لو كانا يعارضان فعل النبى وإقراره.
ولكن النقطة الأهم أن تفسير (ابن خزيمة) وأعوانه يخلِّف مشكلة دينية كبرى, ويولد من ورائه خطأ فاحشا بليغا بحق أم المؤمنين, فإذا كانت أم المؤمنين عائشة قد أقسمت على أنها كانت تعترض بين الرسول وقبلته ردا على الرواية التى نسبت للرسول أن الحمار والمرأة والكلب تقطع الصلاة, معنى ذلك أن السيدة عائشة كانت تعلم جيدا أن الاضطجاع أو النوم أمام المصلى هو أشد من المرور من أمامه, وأن ذلك الحدث الذى روته وأقسمت عليه إنما يهدم ويرد الرواية المنسوبة للنبى انتحالا وزورا, أما إذا أخذنا بكلام (ابن خزيمة) وأعوانه أن الاضطجاع والاستلقاء يختلف عن المرور, لاتهمنا أم المؤمنين صراحة بالجهالة وعدم الفقه-معاذ الله- حيث إنها لا تعلم الفرق بين النوم والاستلقاء أمام المصلى وبين المرور لأنها إن كانت تعلم أن النوم والاستلقاء هو بخلاف المرور فلماذا إذن ردت الرواية المزورة بهذا الحديث الذى روته, فهناك حلان لهذا المأزق الذى وقع فيه (ابن خزيمة) وإخوته, الأول أن عائشة وهى الفقيهة العالمة كانت تعلم أنه لافرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, بل إن النوم والاستلقاء أشد من المرور, ولذلك روت هذه السنة التقريرية عن النبى الكريم لتبطل بها الرواية الأخرى, وبهذا يبطل كلام (ابن خزيمة) وشركائه ويتضح التفافهم العليل وسخف شروحهم, أما الحل الثانى أن عائشة كانت قليلة الفقه والتدبر-معاذ الله- بحيث لم تتمكن من معرفة الفرق بين الاستلقاء وبين المرور أمام المصلى, وأنها قد استشهدت بسنة لرسول الله فى غير موضعها وردت حديثا بغير علم, لأنها من قلة علمها-معاذ الله- لم تكن تعلم أن المرور بين يدى المصلى وهى زوج الرسول فى بيته لتسع سنوات- يقطع الصلاة وأن النوم بخلاف المرور, وبذلك يصبح (ابن خزيمة) وأعوانه هم الأعلم والأفقه والأنبه-من النباهة- من أم المؤمنين عائشة, وأنهم فهموا ما لم تفهمه وعلموا ما لم تعلمه, وبالتأكيد فإن هذا الحل يليق بالمخابيل والحمقى الذين يظنون أن (ابن خزيمة) وكل أهل التراث أفقه من السيدة عائشة.
القول الثانى لأهل التراث: أما البعض فقال إن الحديثين ليسا على ظاهر معنى قطع الصلاة, ولكن المعنى هو الانشغال عنها رهبا- خوفا - من الكلب والحمار, ورغبا - رغبة وشهوة بالمرأة, وهذا الرأى أيضا بلغ من الحماقة والسخف مبلغا كبيرا, فمن أين أتوا بأن معنى قطع الصلاة ليس على ظاهره فلا دليل لغويًا ولا اصطلاحيًا ولا إشاريًا على أن القطع المراد به الانشغال فقط, أما الشق الثانى وهو الكلام عن الخوف من الكلب والحمار فقد علمنا ورأينا من يخاف من الكلب ولكننا لم نسمع أبدا أن أحدا يخاف من الحمار, ثم إذا كان الانشغال بسبب الخوف فقط فلماذا لا يقطع الصلاة الذئب والفرس والجمل والتمساح والثعبان والأسد وكل حديقة الحيوان, أما قولهم إن المرأة ينشغل بها الرجل شهوة, فهذا كلام مذموم لا يقع من مؤمن, وحتى إن فعل أحدنا ذلك فهو مريض القلب وقليل الإيمان وعليه هو الملامة والذنب, وليس على المرأة التى مرت, ولا يمكن أن يعمم رسول الله حكما لمرضى القلوب على سائر أمته, وإذا كان الأمر بهذا المنطق فلماذا لا يقطع الرجل صلاة المرأة أيضا فلعلها تنشغل به إذا مر أمامها أليست بشرا مثله, أم أن صلاتها تهبط إلى الأرض وصلاة الرجل هى التى تصعد للسماء.
القول الثالث: ذهب إلى أن الذى ذكرته أم المؤمنين خاص بالزوجة وأن الرسول كان مقصده هو مرور المرأة الأجنبية, ولا أدرى كيف امتلك هؤلاء الجرأة ليفتشوا عن نية النبى ويستنطقونه بما لم يقل, لأن ظاهر الكلام لغة ومعنى ودلالة لا يمكن أن يقبل التخصيص, فالمفترض أن ما نسب للرسول قوله يقطع الصلاة المرأة بالعموم فكيف خصصوا المرأة الزوجة عن الأجنبية.
نقد سند الحديثين
الحديثان آحاد وقد قال أغلب أهل الحديث والفقهاء إن حديث الآحاد يرد إذا خالف المقطوع به, لأنه لا قدسية لحديث آحاد أو غيره طالما خالف الثابت المعقول من القرآن أو سنن الرسول الفعلية والتقريرية.
نقد السند فى الحديث الأول:
يكفى لبيان اضطراب السند ذكر أن مدار الرواية على (عبدالله بن الصامت) فماذا قال فيه أهل الجرح والتعديل: (الرازى 5/84): «بصرى يكتب حديثه» وهذه درجة ضعيفة لتعديل - عدالة - الراوى حسب اصطلاحات الجرح والتعديل فهو يكتب الحديث ولا يحتج به, وقال (الذهبى): «يكتب حديثه», وقال (أبو حاتم): «يكتب حديثه», وقال (ابن سعد): «كان ثقة، وله أحاديث» أى له أحاديث أخطأ فيها, أما (ابن رجب) فقال:»والبخارى لا يحتج بحديث عبدالله بن الصامت، ولم يخرج له فى كتابه شيئا». والمعنى أن البخارى لا يحتج بهذا الراوى ولم يرض به لحد أنه لم يخرج له فى (الجامع) ولو حديثا واحدا.
نقد السند فى الحديث الثانى:
ومدار الرواية فيه على (عبيدالله بن عبدالله بن الأصم) وقال بعضهم بل هو شقيقه (عبدالله بن عبدالله بن الأصم) فماذا قال أهل الجرح والتعديل فيهما:
أولا (عبيدالله): قال (ابن رجب): «لم يخرج البخارى ليزيد بن الأصم، ولا بنى أخيه عبدالله بن عبدالله، وأخيه عبيدالله شيئا», وقال ابن حجر عن (عبيد الله):
«مقبول» وهذه أضعف درجات التصحيح عند أهل التعديل.
أما (عبدالله): فقد قال ابن حجر: «صدوق», وقال أبو حاتم: «شيخ» وهى أيضا درجات ضعيفة من القبول. وعلى هذا يظهر عوار واضطراب السند فى الحديثين مع مخالفة ونكارة متنهما-نصهما-للصحيح الثابت المقطوع به؛ لذا فقد رد الشافعى أحاديث المرأة والحمار والكلب (مختلف الحَدِيْث) (8/512) لمخالفتهم حديث عائشة وغيره, وجاء فى (فتح البارى) (1/589): «قال أحمد: «يقطع الصلاة الكلب الأسود، وفى النفس من الحمار والمرأة شىء»، أى أن أحمد بن حنبل كان يرتاب فى رواية قطع المرأة الصلاة.
ولهذا فالحديثان فى (مسلم) مردودان لأنهما مضطربا السند ومنكرا المتن ولا يصح لنا دينا ولا عقلا أن ننافح عن الباطل ونحن نعلمه, لأن رد حديث فى البخارى أو مسلم هو أمر أكاديمى وبحثى بحت وليس أمرا دينيا يدفع لجنة ولا نار.
عزيزتى المرأة المسلمة يا نصف أمة النبى ويا أيتها الإنسان الكامل, نعتذر منك كثيرا مما فعله التراثيون ونعتذر منك أن تذكرين فى جملة مفيدة مع الكلاب والحمير لأنك أكرم على الله من ذلك, فلا تصدقى أن هذا الكلام من قول النبى وهو (أبو البنات), ونعتذر منك عن البذاءات والغباءات التى اكتتبها القرطبى وكثير مثله من الغث الذى حملته كتب التراث من حطٍ وتحقير لمكانتك العليَّة, حيث لا ريب أن هذا التراث قد حمل بين ثناياه أضعاف أضعاف هذين الحديثين من التحقير والتهميش لدور المرأة المسلمة, ولا ريب أيضا أنه أصبح لزاماً أن نستدرك هذه الأخطاء التاريخية ونستأصلها من عقولنا لأن ذلك هو روح الدين وهدف وجوده فى الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.