لا يوجد في شريعة الإسلام (القرآن الكريم وأحاديث الرسول) أو في أي شريعة أخري نص واحد يمنع أو يحرم (الاختلاط بين الرجال والنساء)، وكلمة الاختلاط هذه هي كلمة من استحداث بعض شيوخ التيارات السلفية والإسلامية الأخري وبعض الفقهاء القدامي، فالاختلاط هو مصطلح مستحدث بعد وفاة النبي وليس له أي أصل أو ذكر في الكتاب الكريم ولا في أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فهم أوردوها يقصدون من ورائها منع الاجتماع بين الرجال والنساء في أي محفل تعليمي أو عملي أو أي مكان يمكن للنساء والرجال الاجتماع فيه، وذلك بدعوي أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام نهي عن الخلوة بين الرجل والمرأة. فكلمة (الاختلاط) هي تحريف وتبديل مقصود ومتعمد لكلمة (الخلوة) التي وردت في بعض الأحاديث، ولم يرد ببال القوم أن الخلوة لا تعني الاختلاط، والاختلاط لا يعني الاجتماع. فلكل من هذه الكلمات دلالتها التي تخالف فيها دلالة الكلمتين الأخريين، فمثلا الفعل: (خلو) يدل علي تعري الشيء من الشيء وخلوه منه، يقال هو خلو من كذا إذا كان عاريا منه، أو المضي عن الشيء إلي غيره، والخلاء هو المكان العاري من شيء به. أما كلمة (خلط) فتدل علي خلط لشيء بغيره من دون امتزاج بينهما يذوب أحدهما في الآخر. أما كلمة (جمع) فتدل علي تضام شيء أو ضمه إلي شيء، تقول جمعت الشيء جمعا أي ضممته إليك وقربته منك. فكما نري إن لكل كلمة دلالتها التي تخالف الأخري، فالاختلاط أو الاجتماع بين الرجال والنساء بهاتين الدلالتين لم يرد فيهما أي منع أو حرمة لا في الكتاب الكريم ولا في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، أما ما ورد في بعض الأحاديث هو التحذير والإنذار وليس الحرمة أو المنع من اختلاء الرجل والمرأة معا في مكان خلاء أي خال من أحد فيه، فلا يعمدن رجل وامرأة إلي الاختلاء عن عيون الناس إلا لسوء القصد من الطرفين أو من أحدهما، لأنه أدعي لارتكاب الفاحشة، خاصة إذا كانت المرأة متزوجة، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الدخول علي النساء في بيوتهن وهن بمفردهن وخاصة أقارب الزوج من الرجال وهي خلو أي بمفردها، فذلك أدعي للوقوع في فاحشة الزني. كما جاء في حديث عقبة بن عامر أن رسول الله قال: (إياكم والدخول علي النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.) (رواه البخاري ومسلم). والحمو هم أقارب الزوج من الرجال، فانظر الفارق بين ما جاء في أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي يمنع من دخول الرجال علي النساء في بيوتهن في غياب الزوج وبين ما فهمه شيوخ التيارات الدينية وتحريمهم لاجتماع الرجال والنساء حتي في المساجد. ومن هنا نقول إن الاجتماع أو الاختلاط بين الرجال والنساء في شتي المواضع لم يرد فيه أي تحريم أو منع لا في الكتاب الكريم ولا في أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما هو شيء من اختلاق بعض من ينسبون أنفسهم للفتيا ومن يتحدثون في شريعة الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير، فالناس رجالا ونساءً علي عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام كانوا أكثر اختلاطا واجتماعا من الناس اليوم، فاليوم يعْمِدَنَّ القوم إلي الفصل التام بين الرجال والنساء في المساجد وبعض دور العلم والنوادي والمطاعم والحمامات العامة وبعض الحدائق وبعض وسائل المواصلات العامة وفي كثير من المواضع، وكثيرا ما نجد لافتات مخطوط عليها (للسيدات فقط). أما في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام لم يكن هناك هذا الفصل وهذا السور المضروب بين النساء والرجال اليوم، بل كانت النساء في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام تختلط بالرجال في مسجد واحد ليس فيه مصلي للنساء ولا مصلي للرجال. وكانت النساء تصلي مع الرجال وأمامهم وخلفهم وكان الرجال يصلون مع النساء وأمامهن وخلفهن دون أي حاجز أو فصل أو منع أو تحريم كما يحدث في جميع مساجد المسلمين اليوم، وكانت النساء تختلط بالرجال في أقدس بقاع الأرض في المسجد الحرام أثناء تأدية فريضة الحج من دون حاجز أو فاصل، بل وفي الحروب حيث كان الرسول وصحبه يصطحبون معهم في غزواتهم بعض نسائهم من دون حاجز أو مانع، بل وفي الأسواق وفي الطرقات وفي كل مواضعهم، ولم يكن في المجتمع النبوي تلك اللافتات المخطوط عليها (للسيدات فقط). فما يحدث الآن من محاولات للفصل بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم وغيرها لهو عمل عنصري يجب تجريمه قانونا. (للحديث بقية)